[مقدمة المؤلف]
بسم الله الرحمن الرحيم
أحمده على أن هدانا إلى سنن المرسلين، وأصلى على سيدنا محمد، خير المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيقول أبو الحسنات محمد عبد الحي الأنصاري اللكنوي تجاوز الله عن ذنبه الجلي والخفي ، قد سئلت مرة بعد مرة، وكرة بعد كرة عن الاستياك بسواك الغير، هل هو جائز، أم لا ؟.
فأجبت بالجواز لثبوته في الأحاديث الصحيحة.
ثم أردت أن أجمع ما ورد فيه من الأخبار، وما نقل فيه من الآثار،
مسميا بإفادة الخير في الاستياك بسواك الغير، تقبل الله مني هذه العجالة بعنايته الكريمة، إنه ذو الفضائل الجسمية.
قال الفقيه خير الدين الرملي في ((فتاواه))(1): سئل هل يكره الاشتراك في السواك، والميل، والمشط، كما هو مشتهر بين العوام، حيث يقولون:
ثلاثة ليس بها اشتراك
المشط والمرود والسواك
أجاب: أما السواك بسواك غيره، فلا يكره، فقد صرح في ((الضياء المعنوي شرح مقدمة الغزنوي)): أنه لا بأس به بإذن صاحبه، ومثله المشط، والميل.
وأما قول الناس، فإنما ذلك لكراهة نفوسهم الاشتراك في هذه الثلاثة، لئلا تحصل النفرة باعتبار أنهم يعافون منه(2)، فربما وقعت الكراهة بينهم بسببه، لا أنه ورد فيه نص خاص من جانب الشارع يوجب محظوريته.
صفحة ٦
ورأيت في ((شرح الروض)) لشيخ الإسلام زكريا الشافعي: وبسواك الغير بإذن غيره كره الاستياك(1).
وهذا من تصرفه، وعبارة ((الروضة))، وغيرها: لا بأس أن يستاك بسواك غيره بإذن صاحبه، بل زاد في ((المجموع))، وقد جاء في الحديث الصحيح، فالكراهة لا أصل لها. انتهى كلام الرملي.
وروى أبو داود وفي ((سننه))(2): حدثنا محمد بن بشار، حدثنا(3)محمد بن عبد الله الأنصاري، حدثنا عنبسة بن سعيد الكوفي الحاسب، حدثنا(4) كثير، عن عائشة رضي الله تعالى عنها : (5) قالت: ((كان رسول(6) الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يستاك، فيعطيني السواك لأغسله،(7) فأستاك، ثم أغسله وأدفعه إليه)).
قال الطيبي في ((شرح مشكاة المصابيح)): قوله فأستاك: أي قبل الغسل تبركا به، وفيه دليل على جواز استعمال سواك الغير برضاه، وهي إنما فعلت ذلك لما بين الزوج والزوجة من الانبساط.
صفحة ٧
وروى أيضا(1): حدثنا محمد بن عيسى، حدثنا عنبسة بن عبد الواحد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عنها(2)، قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يستن، وعنده رجلان أحدهما أكبر من الآخر، فأوحى(3)إليه في فضل السواك أن كبر، أعط السواك أكبرهما )).
قوله يستن: أي يستاك، افتعال من الاستنان، بمعنى إمرار الشيء الذي فيه حروشته على شيء آخر، ومنه المس الذي يستحد به الحديد ونحوه، يريد أنه كان يدلك به لسانه.
صفحة ٨
وفي ((صحيح البخاري))(1) في (باب دفع السواك إلى الأكبر )(2)، قال عفان: حدثنا صخر بن جويرية، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما : ((أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: أراني أتسوك بسواك، فجاءني رجلان أحدهما أكبر من الآخر، فناولت السواك الأصغر منهما، فقيل لي كبر فدفعته إلى الأكبر منهما )).
((قوله أراني: بفتح الهمزة: أي أرى نفسي، فالفاعل والمفعول هو المتكلم(3)، وهذا من خصائص أفعال القلوب.
وقيل: بضم الهمزة: أي أرى وأظن نفسي، ضبطه الكرماني، والبرماوي، ونسبه العسقلاني إلى الوهم.
صفحة ٩
ودفعه العيني في ((عمدة القاري)): بأنه ليس بوهم، فإن العبارتين كلتيهما مستعملتان ))(1).
وقوله فقيل لي: القائل هو جبريل، كما ذكره ابن حجر(2).
وقال البخاري أيضا في ذلك الباب(3)اختصره(4) نعيم(5)، عن ابن(6)المبارك عن أسامة(7) عن نافع عن ابن عمر.
قال الحافظ ابن حجر في ((فتح الباري)): رواية نعيم هذه وصلها الطبراني في ((الأوسط)) عن بكير(8) ابن سهل عنه بلفظ: ((أمرني جبريل أن أكبر)).
ورويناه في ((الغيلانيات)) من رواية أبي بكر الشافعي عن عمر بن موسى عن نعيم بلفظ: ((أن قدم الأكابر)).
وقد رواه جماعة من أصحاب ابن المبارك عنه بغير اختصار، أخرجه أحمد، والبيقهي، والإسماعيلي، عنهم، بلفظ: ((رأيت رسول الله يستن، فأعطاه أكبر القوم، ثم قال: إن جبريل أمرني أن أكبر )).
وهذا يقتضي أن تكون القضية في اليقظة.
صفحة ١٠
ويجمع بينه وبين رواية صخر، أن ذلك لما وقع في اليقظة، أخبرهم رسول الله بما رآه في المنام، تنبيها على أن أمره بذلك، بوحي(1) متقدم، فحفظ بعض الرواة ما لم يحفظه بعض.
ويشهد(2) لرواية ابن المبارك، ما رواه أبو داود بإسناد حسن عن عائشة، قالت: ((كان رسول الله ...)).الحديث(3).
وقال ابن بطال: فيه تقديم ذي السن في السواك، ويلتحق به الطعام، والشراب، والمشي، والكلام.
وقال المهلب: هذا ما لم يترتب القوم في الجلوس، فإذا ترتبوا، فالسنة حينئذ تقديم الأيمن، وهو صحيح.
وفيه أن استعمال سواك الغير غير مكروه(4)، إلا أن المستحب أن يغسله، ثم يستعمله.
وفيه حديث عائشة في ((سنن أبي داود))(5)، وهو دال على عظم أدبها(6)، وكبر(7) فطنتها، لأنها لم تغسله ابتداء، حتى لا يفوتها الاستشفاء بريقه، ثم غسلته تأدبا، وامتثالا. انتهى كلام ابن حجر(8).
وروى الحكيم الترمذي في ((نوادر الأصول)) عن زيد قال: دخل على رسول الله جبريل وميكائيل، وهو يستاك، فناول السواك جبريل، فقال جبريل كبر، قال الحكيم: معناه ناول السواك ميكائيل، وهو أكبر.
صفحة ١١
وروى البخاري(1)، ...................... ومسلم(2)، وغيرهما عن عائشة، قالت: ((دخل عبد الرحمن بن أبي بكر ومعه سواك يستن به، فنظر إليه رسول الله، وكان ذلك في موضعه الذي توفي فيه، فقلت له أعطني السواك يا عبد الرحمن، فأعطانيه، فمضغته، فأعطيته رسول الله، فاستاك به )).
صفحة ١٢
وفي الباب أحاديث كثيرة، رواها الطبراني(1) ، والبيهقي(1)، ................................ وأحمد(2) ،................................. وغيرهم(1)، ولنكتف بهذا القدر، فإن خير الكلام ما قل ودل.
فرع:
لو لم يجد سواكا، وهناك سواك الغير، هل يتسوك به، أم يتركه ؟.
الظاهر أن مالك السواك إن كان حاضرا يستأذن منه إن غلب على ظنه أنه يأذنه، فيستأذنه، ويستاك به، وإن لم يغلب على ظنه ذلك أو طلب ولم يعطه، فإنه يتركه، ويستاك بالأصابع، فإنها تجزئ من السواك.
وإن لم يكن حاضرا، فإن كان بينهما انبساط تام يكون، وإلا على الإذن يستاك، وإلا يتركه، والله أعلم.
قال المؤلف: وقع الفراغ من هذه الرسالة في جلسة واحدة، يوم الخميس أول يوم من أيام ذي القعدة سنة ست وثمانين بعد الألف والمئتين من الهجرة.
والحمد لله رب العالمين، والصلاة على رسوله وآله أجمعين.
صفحة ١٥