إن العلة الأولى أعلى من الصفة. وإنما عجزت الألسن عن صفتها من أجل وصف أنيتها لأنها فوق كل علة واحدة. وإنما وصفت العلل الثوانى التى استنارت من نور العلة الأولى، وذلك أن العلة التى تنير أولا تنير معلولها، وهى لا تستنير من نور آخر لأنها هى النور المحض الذى ليس فوقه نور. فمن ذلك صار الأول وحده يفوت الصفة. وإنما كان كذلك لأنه ليس فوقه علة يعرف بها. وكل شىء إنما يعرف ويوصف من تلقاء علته. فإذا كان الشىء علة فقط وليس بمعلول، لم يعلم بعلة أولى ولا يوصف لأنه أعلى من الصفات؛ وليس يبلغه المنطق، وذلك أن الصفة إنما تكون بالمنطق، والمنطق بالعقل، والعقل بالفكر، والفكر بالوهم، والوهم بالحواس — والعلة الأولى فوق الأشياء كلها لأنها علة لها، فلذلك صارت لا تقع تحت الحس والوهم والفكر والعقل والمنطق؛ فليست إذا بموصوفة.
وأقول أيضا: إن الشىء إما أن يكون محسوسا فيقع تحت الحواس؛ وإما أن يكون متوهما فيقع تحت الوهم؛ وإما أن يكون ثابتا قائما على حال واحدة لا يتغير فيكون معقولا؛ وإما أن يكون متغيرا داثرا واقعا تحت الكون والفساد فيكون واقعا تحت الفكرة. والعلة الأولى فوق الأشياء العقلية الدائمة، وفوق الأشياء الداثرة ولذلك لا تقع عليها الحواس ولا الوهم ولا الفكرة ولا العقل؛ وإنما يستدل عليها من العلة الثانية وهى العقل. وإنما تسمى باسم معلولها 〈الأول〉 بنوع أرفع وأفضل، لأن الذى للمعلول هو للعلة أيضا إلا أنه بنوع أرفع وأفضل وأكرم، كما بينا.
[chapter 6] ٦ — باب آخر
صفحة ٩