الاعتصام للشاطبى موافق للمطبوع

أبو إسحاق الشاطبي ت. 790 هجري
57

الاعتصام للشاطبى موافق للمطبوع

محقق

سليم بن عيد الهلالي

الناشر

دار ابن عفان

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٢هـ - ١٩٩٢م

مكان النشر

السعودية

يُصِيبُهُمْ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، فَقَالَ: يُؤْمِنُونَ بِمُحْكَمِهِ، وَيَضِلُّونَ عِنْدَ مُتَشَابِهِهِ. وَقَرَأَ: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ﴾ [آل عمران: ٧]. فَقَدْ ظَهَرَ بِهَذَا التَّفْسِيرِ أَنَّهُمْ أَهْلُ الْبِدَعِ; لِأَنَّ أَبَا أُمَامَةَ ﵁ جَعَلَ الْخَوَارِجَ دَاخِلِينَ فِي عُمُومِ الْآيَةِ، وَأَنَّهَا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ، وَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ: إِمَّا عَلَى أَنَّهُمْ خَرَجُوا بِبِدْعَتِهِمْ عَنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَإِمَّا عَلَى أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَخْرُجُوا عَنْهُمْ; عَلَى اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهِمْ. وَجَعَلَ هَذِهِ الطَّائِفَةَ مِمَّنْ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَزِيغَ بِهِمْ، وَهَذَا الْوَصْفُ مَوْجُودٌ فِي أَهْلِ الْبِدَعِ كُلِّهِمْ. مَعَ أَنَّ لَفْظَ الْآيَةِ عَامٌّ فِيهِمْ وَفِي غَيْرِهِمْ مِمَّنْ كَانَ عَلَى صِفَاتِهِمْ، أَلَا تَرَى أَنَّ صَدْرَ هَذِهِ السُّورَةِ إِنَّمَا نَزَلَ فِي نَصَارَى نَجْرَانَ وَمُنَاظَرَتِهِمْ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي اعْتِقَادِهِمْ فِي عِيسَى ﵇، حَيْثُ تَأَوَّلُوا عَلَيْهِ أَنَّهُ الْإِلَهُ أَوْ أَنَّهُ ابْنُ اللَّهِ أَوْ أَنَّهُ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ، بِأَوْجُهٍ مُتَشَابِهَةٍ، وَتَرَكُوا مَا هُوَ الْوَاضِحُ فِي عُبُودِيَّتِهِ حَسْبَمَا نَقَلَهُ أَهْلُ السِّيَرِ؟! ثُمَّ تَأَوَّلَهُ الْعُلَمَاءُ مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِ عَلَى قَضَايَا دَخَلَ أَصْحَابُهَا تَحْتَ حُكْمِ اللَّفْظِ; كَالْخَوَارِجِ فَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِي الْعُمُومِ. ثُمَّ تَلَا أَبُو أُمَامَةَ الْآيَةَ الْأُخْرَى، وَهِيَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾ [آل عمران: ١٠٥] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٧]، وَفَسَّرَهَا بِمَعْنَى مَا فَسَّرَ بِهِ الْآيَةَ الْأُخْرَى،

1 / 74