الاعتصام للشاطبى موافق للمطبوع
محقق
سليم بن عيد الهلالي
الناشر
دار ابن عفان
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٢هـ - ١٩٩٢م
مكان النشر
السعودية
فِي نَافِلَةٍ قَصْدًا لِلتَّعَبُّدِ بِهَا، وَذَلِكَ صَحِيحٌ جَارٍ عَلَى مُقْتَضَى أَدِلَّةِ النَّدْبِ.
وَلِذَلِكَ أُمِرَ بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهِ بِالْوَفَاءِ، كَانَ نَذْرًا أَوِ الْتِزَامًا بِالْقَلْبِ غَيْرَ نَذْرٍ، وَلَوْ كَانَ بِدْعَةً دَاخِلَةً فِي حَدِّ الْبِدْعَةِ؛ لَمْ يُؤْمَرْ بِالْوَفَاءِ، وَلَكَانَ عَمَلُهُ بَاطِلًا.
وَلِذَلِكَ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ «رَأَى رَجُلًا قَائِمًا فِي الشَّمْسِ، فَقَالَ: " مَا بَالُ هَذَا؟ "، فَقَالُوا: نَذَرَ أَنْ لَا يَسْتَظِلَّ وَلَا يَتَكَلَّمَ وَلَا يَجْلِسَ وَيَصُومَ، فَقَالَ ﷺ: " مُرُوهُ فَلْيَجْلِسْ وَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيُتِمَّ صِيَامَهُ».
فَأَنْتَ تَرَى كَيْفَ أَبْطَلَ عَلَيْهِ التَّبَدُّعَ بِمَا لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ أَلْبَتَّةَ، وَأَمَرَهُ بِالْوَفَاءِ بِمَا هُوَ مَشْرُوعٌ فِي الْأَصْلِ، فَلَوْلَا [أَنَّ] لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مَعْنًى؛ لَمْ يَكُنْ لِلتَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا مَعْنًى مَفْهُومٌ.
وَأَيْضًا؛ فَإِذَا كَانَ الدَّاخِلُ مَأْمُورًا بِالدَّوَامِ؛ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الدُّخُولُ طَاعَةً، بَلْ لَا بُدَّ؛ لِأَنَّ الْمُبَاحَ - فَضْلًا عَنِ الْمَكْرُوهِ وَالْمُحَرَّمِ - لَا يُؤْمَرُ بِالدَّوَامِ عَلَيْهِ، وَلَا نَظِيرَ لِذَلِكَ فِي الشَّرِيعَةِ.
وَعَلَيْهِ يَدُلُّ قَوْلُهُ ﷺ: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ».
وَلِأَنَّ اللَّهَ مَدَحَ مَنْ أَوْفَى بِنَذْرِهِ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ﴾ [الإنسان: ٧] فِي مَعْرِضِ الْمَدْحِ وَتَرْتِيبِ الْجَزَاءِ الْحَسَنِ.
1 / 397