الاعتصام للشاطبى موافق للمطبوع
محقق
سليم بن عيد الهلالي
الناشر
دار ابن عفان
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٢هـ - ١٩٩٢م
مكان النشر
السعودية
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ﵁: أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْقَوْمِ يُقْرَأُ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ فَيَصْعَقُونَ؟ فَقَالَ: " ذَلِكَ فِعْلُ الْخَوَارِجِ "!.
وَخَرَّجَ أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (أَنَّ) ابْنَ الزُّبَيْرِ (رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ) قَالَ: " جِئْتُ أَبِي، فَقَالَ: أَيْنَ كُنْتَ؟، فَقُلْتُ: وَجَدْتُ أَقْوَامًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ، فَيَرْعَدُ أَحَدُهُمْ حَتَّى يُغْشَى عَلَيْهِ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، فَقَعَدْتُ مَعَهُمْ، فَقَالَ: لَا تَقْعُدْ بَعْدَهَا. فَرَآنِي كَأَنِّي لَمْ يَأْخُذْ ذَلِكَ فِيَّ، فَقَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَتْلُو الْقُرْآنَ، وَرَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَتْلُوَانِ الْقُرْآنَ، فَلَا يُصِيبُهُمْ هَذَا، أَفَتَرَاهُمْ أَخْشَعَ لِلَّهِ مَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ؟! فَرَأَيْتُ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَتَرَكْتُهُمْ ".
وَهَذَا يَشْعُرُ بِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ تَعَمُّلٌ وَتَكَلُّفٌ لَا يَرْضَى بِهِ أَهْلُ الدِّينِ.
وَسُئِلَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، عَنِ الرَّجُلِ يُقَرَأُ عِنْدَهُ فَيَصْعَقُ؟، فَقَالَ: " مِيعَادُ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى حَائِطٍ، ثُمَّ يُقْرَأُ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ، فَإِنْ وَقَعَ؛ فَهُوَ كَمَا قَالَ ".
وَهَذَا الْكَلَامُ حَسَنٌ فِي الْمُحِقِّ وَالْمُبْطِلِ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ عِنْدَ الْخَوَارِجِ نَوْعًا مِنَ الْقِحَّةِ فِي النُّفُوسِ الْمَائِلَةِ عَنِ الصَّوَابِ، وَقَدْ تُغَالِطُ النَّفْسُ فِيهِ فَتَظُنُّهُ انْفِعَالًا صَحِيحًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ لَا هُوَ وَلَا مَا يُشْبِهُهُ، فَإِنَّ مَبْنَاهُمْ كَانَ عَلَى الْحَقِّ، فَلَمْ يَكُونُوا يَسْتَعْمِلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ هَذِهِ اللُّعَبَ الْقَبِيحَةَ الْمُسْقِطَةَ لِلْأَدَبِ
1 / 353