الاعتصام للشاطبى موافق للمطبوع
محقق
سليم بن عيد الهلالي
الناشر
دار ابن عفان
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٢هـ - ١٩٩٢م
مكان النشر
السعودية
قَالُوا: فَهَذَا تَنَاقُضٌ!
وَكَذَبُوا؛ لَيْسَ ثَمَّ تَنَاقُضٌ وَلَا اخْتِلَافٌ، وَذَلِكَ أَنَّ التَّعَارُضَ إِذَا ظَهَرَ لِبَادِيَ الرَّأْيِ فِي الْمَقُولَاتِ الشَّرْعِيَّةِ: فَإِمَّا أَنْ لَا يُمْكِنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَصْلًا، وَإِمَّا أَنْ يُمْكِنَ:
فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ؛ فَهَذَا الْفَرْضُ بَيْنَ قَطْعِيٍّ وَظَنِّيٍّ، أَوْ بَيْنَ ظَنِّيَّيْنِ، فَأَمَّا بَيْنَ قَطْعِيَّيْنِ؛ فَلَا يَقَعُ فِي الشَّرِيعَةِ، وَلَا يُمْكِنُ وُقُوعُهُ؛ لِأَنَّ تَعَارُضَ الْقَطْعِيَّيْنِ مُحَالٌ.
فَإِنْ وَقْعَ بَيْنَ قَطْعِيٍّ وَظَنِّيٍّ؛ بَطُلَ الظَّنِّيُّ.
وَإِنَّ وَقْعَ بَيْنَ ظَنِيَّيْنِ؛ فَهَاهُنَا لِلْعُلَمَاءِ فِيهِ التَّرْجِيحُ، وَالْعَمَلُ بِالْأَرْجَحِ مُتَعَيَّنٌ.
، وَإِنْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ؛ فَقَدِ اتَّفَقَ النُّظَّارُ عَلَى إِعْمَالِ وَجْهِ الْجَمْعِ، وَإِنْ كَانَ وَجْهًا ضَعِيفًا، فَإِنَّ الْجَمْعَ أَوْلَى عِنْدَهُمْ، وَإِعْمَالَ الْأَدِلَّةِ أَوْلَى مِنْ إِهْمَالِ بَعْضِهَا.
فَهَؤُلَاءِ الْمُبْتَدَعَةُ لَمْ يَرْفَعُوا بِهَذَا الْأَصْلِ رَأْسًا؛ إِمَّا جَهْلًا بِهِ، أَوْ عِنَادًا.
فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا؛ فَقَوْلُهُ: «خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي»، هُوَ الْأَصْلُ فِي الْبَابِ، فَلَا يَبْلُغُ أَحَدُنَا (مَبْلَغَ) الصَّحَابَةِ ﵃. وَمَا سِوَاهُ يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ عَلَى حَالٍ أَوْ زَمَانٍ أَوْ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: «فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ»؛ لَا نَصَّ فِيهِ عَلَى التَّفْضِيلِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ، بَلْ هُوَ دَلِيلٌ عَلَى جَزَاءٍ حَسَنٍ، وَيَبْقَى النَّظَرُ فِي كَوْنِهِمْ مِثْلَ جَزَاءِ الصَّحَابَةِ أَوْ دُونَهُ أَوْ فَوْقَهُ مُحْتَمَلٌ، فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ عَلَيْهِ دَلِيلٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ حَمْلِهِ الْأَصْلَ وَلَا إِشْكَالَ.
1 / 315