287

الاعتصام للشاطبى موافق للمطبوع

محقق

سليم بن عيد الهلالي

الناشر

دار ابن عفان

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٢هـ - ١٩٩٢م

مكان النشر

السعودية

فَالْعَقْلِيُّ: أَنَّ صِفَةَ الْكَلَامِ مِنْ جُمْلَةِ الصِّفَاتِ، وَذَاتُ اللَّهِ عِنْدَهُمْ بِرَئِيَّةٌ مِنَ التَّرْكِيبِ جُمْلَةً، وَإِثْبَاتُ صِفَاتِ الذَّاتِ قَوْلٌ بِتَرْكِيبِ الذَّاتِ، وَهُوَ مُحَالٌ؛ لِأَنَّهُ وَاحِدٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُتَكَلِّمًا بِكَلَامٍ قَائِمٍ بِهِ، كَمَا لَا يَكُونُ قَادِرًا بِقُدْرَةٍ قَائِمَةٍ بِهِ، أَوْ عَالِمًا بِعِلْمٍ قَائِمٍ بِهِ. . . . إِلَى سَائِرِ الصِّفَاتِ.
وَأَيْضًا؛ فَالْكَلَامُ لَا يُعْقَلُ إِلَّا بِأَصْوَاتٍ وَحُرُوفٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الْمُحْدَثَاتِ، وَالْبَارِي مُنَزَّهٌ عَنْهَا.
وَبَعْدَ هَذَا الْأَصْلِ يَرْجِعُونَ إِلَى تَأْوِيلِ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾ [النساء: ١٦٤]، وَأَشْبَاهِهِ.
وَأَمَّا السَّمْعِيُّ؛ فَنَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الرعد: ١٦]، وَالْقُرْآنُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ شَيْئًا، أَوْ لَا شَيْءَ، وَلَا شَيْءٌ عَدَمٌ، وَالْقُرْآنُ ثَابِتٌ، هَذَا خِلْفٌ، وَإِنْ كَانَ شَيْئًا؛ فَقَدْ شَمِلَتْهُ الْآيَةُ، فَهُوَ إِذًا مَخْلُوقٌ، وَبِهَذَا اسْتَدَلَّ الْمَرِيسِيُّ عَلَى عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَكِّيِّ ﵀.
وَهَاتَانِ الشُّبْهَتَانِ أَخْذٌ فِي التَّعَلُّقِ بِالْمُتَشَابِهَاتِ؛ فَإِنَّهُمْ قَاسُوا الْبَارِي عَلَى الْبَرِيَّةِ، وَلَمْ يَعْقِلُوا مَا وَرَاءَ ذَلِكَ، فَتَرَكُوا مَعَانِيَ الْخِطَابِ وَقَاعِدَةَ الْعُقُولِ.
أَمَّا تَرْكُهُمْ لِلْقَاعِدَةِ؛ فَلَمْ يَنْظُرُوا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى: ١١]، وَهَذِهِ الْآيَةُ نَقْلِيَّةٌ لَا عَقْلِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الْمُشَابِهَ لِلْمَخْلُوقِ فِي وَجْهٍ مَا

1 / 306