الاعتصام للشاطبى موافق للمطبوع
محقق
سليم بن عيد الهلالي
الناشر
دار ابن عفان
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٢هـ - ١٩٩٢م
مكان النشر
السعودية
وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ شَمَلَتْ قِسْمَيْنِ هُمَا أَصْلُ الْمَشْيِ عَلَى طَرِيقِ الصَّوَابِ أَوْ عَلَى طَرِيقِ الْخَطَأِ:
أَحَدُهُمَا: الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ، وَهُمُ الثَّابِتُو الْأَقْدَامِ فِي عِلْمِ الشَّرِيعَةِ، وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ مُتَعَذِّرًا إِلَّا عَلَى مَنْ حَصَّلَ الْأَمْرَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ؛ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنَ الْمَعْرِفَةِ بِهِمَا مَعًا عَلَى حَسَبِ مَا تُعْطِيهِ الْمِنَّةُ الْإِنْسَانِيَّةُ، وَإِذْ ذَاكَ يُطْلَقُ عَلَيْهِ (أَنَّهُ رَاسِخٌ فِي الْعِلْمِ) وَمُقْتَضَى الْآيَةُ مَدْحُهُ، فَهُوَ إِذًا أَهْلٌ لِلْهِدَايَةِ وَالِاسْتِنْبَاطِ.
وَحِينَ خَصَّ أَهْلَ الزَّيْغِ بِاتِّبَاعِ الْمُتَشَابِهِ؛ دَلَّ التَّخْصِيصُ عَلَى أَنَّ الرَّاسِخِينَ لَا يَتْبَعُونَهُ، فَإِذًا؛ لَا يَتَّبِعُونَ إِلَّا الْمُحْكَمَ، وَهُوَ أُمُّ الْكِتَابِ وَمُعْظَمُهُ.
فَكُلُّ دَلِيلٍ خَاصٍّ أَوْ عَامٍّ شَهِدَ لَهُ مُعْظَمُ الشَّرِيعَةِ؛ فَهُوَ الدَّلِيلُ الصَّحِيحُ، وَمَا سِوَاهُ فَاسِدٌ، إِذْ لَيْسَ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ وَاسِطَةٌ فِي الْأَدِلَّةِ يُسْتَنَدُ إِلَيْهَا، وَإِذْ لَوْ كَانَ ثَمَّ ثَالِثٌ، لَنَصَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ.
ثُمَّ لَمَّا خَصَّ الزَّائِغُونَ بِكَوْنِهِمْ يَتَّبِعُونَ الْمُتَشَابِهَ أَيْضًا؛ عَلِمَ أَنَّ الرَّاسِخِينَ لَا يَتْبَعُونَهُ:
فَإِنْ تَأَوَّلُوهُ؛ فَبِالرَّدِّ إِلَى الْمُحْكَمِ؛ بِأَنْ أَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى الْمُحْكَمِ بِمُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ، فَهَذَا الْمُتَشَابِهُ الْإِضَافِيُّ لَا الْحَقِيقِيُّ، وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ نَصٌّ عَلَى حُكْمِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الرَّاسِخِينَ، فَلْيَرْجِعْ عِنْدَهُمْ إِلَى الْمُحْكَمِ
1 / 282