188

الاعتصام للشاطبى موافق للمطبوع

محقق

سليم بن عيد الهلالي

الناشر

دار ابن عفان

الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٢هـ - ١٩٩٢م

مكان النشر

السعودية

مناطق
إسبانيا
الامبراطوريات
بنو الأحمر
وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَسْتَنْبِطْ بِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا اتَّبَعَ غَيْرَهُ مِنَ الْمُسْتَنْبِطِينَ، لَكِنْ بِحَيْثُ أَقَرَّ بِالشُّبْهَةِ وَاسْتَصْوَبَهَا، وَقَامَ بِالدَّعْوَةِ بِهَا مَقَامَ مَتْبُوعِهِ; لِانْقِدَاحِهَا فِي قَلْبِهِ، فَهُوَ مِثْلُ الْأَوَّلِ، وَإِنْ لَمْ يَصِرْ إِلَى تِلْكَ الْحَالِ، وَلَكِنَّهُ تَمَكَّنَ حُبُّ الْمَذْهَبِ مِنْ قَلْبِهِ حَتَّى عَادَى عَلَيْهِ وَوَالَى.
وَصَاحِبُ هَذَا الْقِسْمِ لَا يَخْلُو مِنِ اسْتِدْلَالٍ، وَلَوْ عَلَى أَعَمِّ مَا يَكُونُ، فَقَدْ يَلْحَقُ بِمَنْ نَظَرَ فِي الشُّبْهَةِ وَإِنْ كَانَ عَامِيًّا، لِأَنَّهُ عَرَضَ لِلِاسْتِدْلَالِ وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ النَّظَرَ وَلَا مَا يَنْظُرُ فِيهِ، وَمَعَ ذَلِكَ; فَلَا يَبْلُغُ مَنِ اسْتَدَلَّ بِالدَّلِيلِ الْجُمْلِيِّ مَبْلَغَ مَنِ اسْتَدَلَّ عَلَى التَّفْصِيلِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي التَّمْثِيلِ.
إِنَّ الْأَوَّلَ: أَخَذَ شُبُهَاتٍ مُبْتَدَعَةً، فَوَقَفَ وَرَاءَهَا، حَتَّى إِذَا طُولِبَ فِيهَا بِالْجَرَيَانِ عَلَى مُقْتَضَى الْعِلْمِ، تَبَلَّدَ وَانْقَطَعَ، أَوْ خَرَجَ إِلَى مَا لَا يُعْقَلُ.
وَأَمَّا الثَّانِي: فَحَسَّنَ الظَّنَّ بِصَاحِبِ الْبِدْعَةِ، فَتَبِعَهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ دَلِيلٌ عَلَى التَّفْصِيلِ يَتَعَلَّقُ بِهِ، إِلَّا تَحْسِينُ الظَّنِّ بِالْمُبْتَدِعِ خَاصَّةً، وَهَذَا الْقِسْمُ فِي الْعَوَامِّ كَثِيرٌ.
فَمِثَالُ الْأَوَّلِ حَالُ حَمْدَانَ بْنِ قَرْمَطٍ الْمَنْسُوبِ إِلَيْهِ الْقَرَامِطَةُ، إِذْ كَانَ أَحَدَ دُعَاةِ الْبَاطِنِيَّةِ، فَاسْتَجَابَ لَهُ جَمَاعَةٌ نُسِبُوا إِلَيْهِ.
وَكَانَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ مَائِلًا إِلَى الزُّهْدِ، فَصَادَفَهُ أَحَدُ دُعَاةِ الْبَاطِنِيَّةِ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إِلَى قَرْيَتِهِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ بَقَرٌ يَسُوقُهُ، فَقَالَ لَهُ حَمْدَانُ وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ: أَرَاكَ سَافَرْتَ عَنْ مَوْضِعٍ بَعِيدٍ فَأَيْنَ مَقْصِدُكَ؟ فَذَكَرَ مَوْضِعًا هُوَ قَرْيَةُ حَمْدَانَ، فَقَالَ لَهُ حَمْدَانُ: ارْكَبْ بَقَرَةً مِنْ هَذَا الْبَقَرِ لِتَسْتَرِيحَ

1 / 206