الاعتصام للشاطبى موافق للمطبوع

أبو إسحاق الشاطبي ت. 790 هجري
150

الاعتصام للشاطبى موافق للمطبوع

محقق

سليم بن عيد الهلالي

الناشر

دار ابن عفان

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٢هـ - ١٩٩٢م

مكان النشر

السعودية

فَإِذًا كُلُّ مَنِ ابْتَدَعَ فِي دِينِ اللَّهِ، فَهُوَ ذَلِيلٌ حَقِيرٌ بِسَبَبِ بِدْعَتِهِ، وَإِنْ ظَهَرَ لِبَادِي الرَّأْيِ عِزُّهُ وَجَبَرُوتُهُ، فَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ أَذِلَّاءُ. وَأَيْضًا فَإِنَّ الذِّلَّةَ الْحَاضِرَةَ بَيْنَ أَيْدِينَا مَوْجُودَةٌ فِي غَالِبِ الْأَحْوَالِ، أَلَا تَرَى أَحْوَالَ الْمُبْتَدِعَةِ فِي زَمَانِ التَّابِعِينَ، وَفِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ؟ حَتَّى تَلَبَّسُوا بِالسَّلَاطِينِ، وَلَاذُوا بِأَهْلِ الدُّنْيَا، وَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ; اسْتَخْفَى بِبِدْعَتِهِ، وَهَرَبَ بِهَا عَنْ مُخَالَطَةِ الْجُمْهُورِ، وَعَمِلَ بِأَعْمَالِهَا عَلَى التَّقِيَّةِ. وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ مَا وَعَدَهُمْ، فَأَنْجَزَ اللَّهُ وَعْدَهُ، فَقَالَ: ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٦١]. وَصَدَّقَ ذَلِكَ الْوَاقِعُ بِالْيَهُودِ حَيْثُمَا حَلُّوا; فِي أَيِّ مَكَانٍ وَزَمَانٍ كَانُوا، لَا يَزَالُونَ أَذِلَّاءَ مَقْهُورِينَ: ﴿ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾ [البقرة: ٦١]، وَمِنْ جُمْلَةِ الِاعْتِدَاءِ اتِّخَاذُهُمُ الْعِجْلَ. هَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الذِّلَّةِ، وَأَمَّا الْغَضَبُ; فَمَضْمُونٌ بِصَادِقِ الْأَخْبَارِ، فَيُخَافُ أَنْ يَكُونَ الْمُبْتَدِعُ دَاخِلًا فِي حُكْمِ الْغَضَبِ، وَاللَّهُ الْوَاقِي بِفَضْلِهِ. [الْمُبْتَدِعُ بَعِيدٌ عَنْ حَوْضِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ] وَأَمَّا الْبُعْدُ عَنْ حَوْضِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: فَلِحَدِيثِ (الْمُوَطَّأِ): «فَلَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ». . الْحَدِيثَ.

1 / 167