الاعتصام للشاطبى موافق للمطبوع

أبو إسحاق الشاطبي ت. 790 هجري
15

الاعتصام للشاطبى موافق للمطبوع

محقق

سليم بن عيد الهلالي

الناشر

دار ابن عفان

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٢هـ - ١٩٩٢م

مكان النشر

السعودية

الثَّوَابَ الْعَظِيمَ. فَقَدْ تَلَخَّصَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ مُطَالَبَةَ الْمُخَالَفَةِ بِالْمُوَافَقَةِ جَارٍ مَعَ الْأَزْمَانِ، لَا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ، فَمَنْ وَافَقَ; فَهُوَ عِنْدَ الْمُطَالِبِ الْمُصِيبُ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ، وَمَنْ خَالَفَ; فَهُوَ الْمُخْطِئُ الْمُصَابُ، وَمَنْ وَافَقَ; فَهُوَ الْمَحْمُودُ السَّعِيدُ، وَمَنْ خَالَفَ; فَهُوَ الْمَذْمُومُ الْمَطْرُودُ، وَمَنْ وَافَقَ، فَقَدْ سَلَكَ سَبِيلَ الْهِدَايَةِ، وَمَنْ خَالَفَ: فَقَدْ تَاهَ فِي طُرُقِ الضَّلَالَةِ وَالْغِوَايَةِ. وَإِنَّمَا قَدَّمْتُ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةَ لِمَعْنًى أَذْكُرُهُ: وَذَلِكَ أَنِّي وَلِلَّهِ الْحَمْدُ لَمْ أَزَلْ مُنْذُ فَتَقَ لِلْفَهْمِ عَقْلِي، وَوُجِّهَ شَطْرَ الْعِلْمِ طَلَبِي أَنْظُرُ فِي عَقْلِيَّاتِهِ وَشَرْعِيَّاتِهِ، وَأُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ، لَمْ أَقْتَصِرْ مِنْهُ عَلَى عِلْمٍ دُونَ عِلْمٍ، وَلَا أَفْرَدْتُ عَنْ أَنْوَاعِهِ نَوْعًا دُونَ آخَرَ، حَسْبَمَا اقْتَضَاهُ الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ، وَأَعْطَتْهُ الْمِنَّةُ الْمَخْلُوقَةُ فِي أَصْلِ فِطْرَتِي، بَلْ خُضْتُ فِي لُجَجِهِ خَوْضَ الْمُحْسِنِ لِلسِّبَاحَةِ، وَأَقْدَمْتُ فِي مَيَادِينِهِ إِقْدَامَ الْجَرِيءِ، حَتَّى كِدْتُ أَتْلَفُ فِي بَعْضِ أَعْمَاقِهِ، أَوْ أَنْقَطِعُ فِي رُفْقَتِي الَّتِي بِالْأُنْسِ بِهَا تَجَاسَرْتُ عَلَى مَا قُدِّرَ لِي، غَائِبًا عَنْ مَقَالِ الْقَائِلِ وَعَذْلِ الْعَاذِلِ، وَمُعْرِضًا عَنْ صَدِّ الصَّادِّ وَلَوْمِ اللَّائِمِ، إِلَى أَنْ مَنَّ عَلَيَّ الرَّبُّ الْكَرِيمُ الرَّءُوفُ الرَّحِيمُ، فَشَرَحَ لِي مِنْ مَعَانِي الشَّرِيعَةِ مَا لَمْ يَكُنْ فِي حِسَابِي، وَأَلْقَى فِي نَفْسِي الْقَاصِرَةِ: أَنَّ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ لَمْ يَتْرُكَا فِي سَبِيلِ الْهِدَايَةِ لِقَائِلٍ مَا يَقُولُ وَلَا أَبْقَيَا لِغَيْرِهِمَا مَجَالًا يُعْتَدُّ فِيهِ، وَأَنَّ الدِّينَ قَدْ كَمُلَ، وَالسَّعَادَةَ الْكُبْرَى فِيمَا وَضَعَ، وَالطِّلْبَةَ فِيمَا شَرَعَ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَضَلَالٌ وَبُهْتَانٌ وَإِفْكٌ وَخُسْرَانٌ، وَأَنَّ الْعَاقِدَ عَلَيْهِمَا بِكِلْتَا يَدَيْهِ مُسْتَمْسِكٌ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى مُحَصِّلٌ لِكَلِمَتَيِ الْخَيْرِ دُنْيَا وَأُخْرَى، وَمَا

1 / 31