قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: المدة وإن طالت قصيرة، والماضي للمقيم عبرة، والميت للحي عظة، وليس المرء من غد على ثقة، فكأنك (قد) نصبت على سرير المنايا، ووقفت مسؤلا عن الخطايا، فألجمك الحياء، لما قد أنعم عليك من نعم بما لا يعد ولا يحصى ولا يقدر عليه إلا رب الآخرة والأولى، فسببتها لمعاصيه وذرعتها إلى سخطه وتجافيه، وتجاسرت عليه غير مكترث بأيام البلوى والبلى والليلة التي تتوسد فيها على الثرى، لا تلوي على يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، ويوم ?نفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون?[الزمر:68].ويوم ?يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه، وصاحبته وأخيه، وفصيلته التي تؤويه، ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه?[المعارج:1114].
كلا يا أيها المغتر، أما تستحي من طول ما تهمل، وتمادي ما تمطل، الآن، الآن، قبل مفارقة الأحباب، ومباينة الأصحاب، وفوات التوبة، وهجوم النوبة، وقبل أن تقول:?يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله? [الزمر:56]. فانكمش في جمع خير الخصال، ومحمدة الخلال، التوبة، واستماع العلم النافع، والدليل الناصح، والبيان الفاصح، والجهد الدائم، والقرين الصالح، ومفارقة رق الشهوات، وذكر الموت واستعداده، وفكر العرض وزاده، وتحاشي ما يلجيك إلى اعتذاره، وأفض إليه رق السر لطوع العبودية، وألزم قلبك الخشية لعظمة الربوبية، وأيقن عجز البشرية، وأكشف صداه برهبة المنية ورغبة الأمنية، وليكن قلبك في سر الخلوص أنقى عنده من جلاء العلانية وأحسن واتق ف ?إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون? ? [النحل: 128].
صفحة ٣٤