أخبرنا أبو الحسين الحسن بن علي بن محمد بن جعفر الوبري، حدثنا القاضي أبو بكر محمد بن عمر بن محمد الجعابي، حدثني: القاسم، حدثني: أبي، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن الحسين، عن الحسن بن علي عليه السلام قال: كأني انظر إلى أمير المؤمنين علي عليه السلام وهو قائم يخطب، فقال: يا أيها الناس، إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة، وإن الآخرة قد تحملت مقبلة، ألا وإن لكل واحدة منهما بنين، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، وكونوا من الزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة، واتخذوا [من] الأرض فراشا، ومن التراب بساطا، والماء طيبا، وقوضوا الدنيا تقويضا، ألا ومن اشتاق إلى الجنة سلى عن الشهوات، ومن أشفق من النار لهى عن المحرمات، ألا ومن ترقب الموت سارع في الخيرات، ألا ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات، ألا وإن لله عبادا فمن عمل منهم عمل أهل النار فهم في النار معذبين، ومن عمل منهم للجنة دخل الجنة مخلدين، قلوبهم محزونة، وشرورهم مأمونة، وحوائجهم خفيفة، وأنفسهم عفيفة، صبروا أياما قصارا، والعقبى راحة طويلة.
أما الليل فصافون أقدامهم، تجري دموعهم على خدودهم، يجأرون ويبكون إلى ربهم، يسألونه فكاك رقابهم من النار.
وأما النهار فحكماء علماء رحماء أتقياء، بررة خاشعين، كأنهم الفراخ، ينظر إليهم الناظر فيقول: مرضى. وما بالقوم من مرض، أو يقال: أنهم قد خولطوا. ولقد خالط القوم أمر عظيم من ذكر النار وما فيها.
* وروي أن أمير المؤمنين عليه السلام خطب، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس إنكم على ظهر سفر، وإنكم في دار هدنة، والسير بكم سريع، وقد رأيتم الليل والنهار يبليان كل جديد، ويقربان كل بعيد، ويأتيان بكل موعود، فأعدوا الجهاز ليوم المعاد.
صفحة ٥٦