لقاء العشر الأواخر بالمسجد الحرام (٢٥)
الإعلام الملتزم بفضيلة زمزم
تأليف
الشيخ أحمد بن علي الشافعي
رئيس المحدثين بجامع أياصوفيا المتوفى سنة ١١٧٩ هـ
تحقيق
رمزي سعد الدين دمشقية
ساهم بطبعه بعض أهل الخير من الحرمين الشريفين ومحبيهم
دار البشائر الإسلامية
صفحة غير معروفة
جميع الحقوق محفوظة
الطبعة الأولى
١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م
دار البشائر الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع
هاتف: ٧٠٢٨٥٧ - فاكس: ٧٠٤٩٦٣/ ٠٠٩٦١١
بيروت- لبنان ص ب:٥٩٥٥/ ١٤
e-mail: [email protected]
مقدمة / 2
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد للهِ الذي مِنَ الماء خلق كل شيء حيٍّ وأبدع، والصلاة والسلام على مَنْ فار مِنْ بين أصابعه الماء ونبع، وعلى آله الأطهار وصحبه الأخيار ما سجد لله مسلم وركع.
أما بعد، فهذه رسالة لطيفة فيها ذكر ماء زمزم وأسمائها وفضلها للشيخ أحمد الشافعي، أحد علماء الدولة العثمانية، رئيس المحدثين بجامع أيا صوفيا المتوفى سنة ١١٧٩ هـ، طبعت هذه الرسالة قديمًا سنة ١٣٣١ هـ بمطبعة الترقي الماجدية العثمانية بمكة المشرَّفة على نفقة مالكها محمَّد ماجد الكردي المكي.
ولمَّا وقفت على نسختها المطبوعة -وهي عزيزة الوجود- رأيت من المناسب دخولها في رسائل "لقاء العشر الأواخر" لتعلقها بالحرم الشريف ثم إحياء لذكرها وتعميمًا لفوائدها بذكر زمزم وأخبارها.
وقد ألَّف العلماء في زمزم قديمًا وحديثًا، ومن أحسن ما كُتب فيها كتاب: "فضل ماء زمزم" للشيخ سائد بكداش حيث ذكر تاريخ ماء زمزم وأسمائه وخصائصه وبركاته ونية شربه وأحكامه والاستشفاء به وما قيل في مدحه من الأشعار، ثم أتبعه بجزء الحافظ ابن حَجَر في الحديث
مقدمة / 3
المشهور: "ماء زمزم لما شرب له". فمن أراد الاستفاضة فليرجع إلى الكتاب المذكور فإن فيه فوائد ونفائس.
أما الرسالة التي بين يدينا فهي رسالة وجيزة تصلح أن تقرأ في مجلس أو مجلسين، وقد قمت بخدمتها عن الطبعة الأولى محاولًا ضبط ألفاظها وتقويم عباراتها من المصادر المنقولة عنها.
راجيًا من اللطيف الخبير أن ينفع بها ويغفر لمؤلفها، وأن يمنَّ بفضله وكرمه على عبده الفقير إلى رحمته ورضوانه.
بحمدون في ١٦/ ٦ / ١٤٢٢ هـ
الموافق لـ ٤/ ٩ / ٢٠٠١ م
وكتبه
رمزى سعد الدين دمشقية
مقدمة / 4
ترجمة المؤلف
ورد اسم المؤلف على غلاف الطبعة الأولى لهذه الرسالة المطبوعة بمطبعة الترقي بمكة المكرمة هكذا:
الشيخ أحمد الغزي الشافعي الأزهري المحدِّث.
وله ترجمة في "معجم المؤلفين" لعمر رضا كحالة ٢/ ١٦ لم أقف على سواها في المصادر العربية، وهذا نصُّها:
أحمد بن علي الغزي الأزهري الشافعي، نزيل القسطنطينية.
رئيس المحدِّثين بجامع أيا صوفيا، توفي ودفن بأسكدار. من تصانيفه:
١ - بغية الطالب وبلوغ المآرب.
٢ - القمر المنير العلوي في أثر القدم النبوي.
٣ - قرة العين لمن وعى في استحباب رفع اليدين في الدعاء
ومصادر الترجمة: إيضاح المكنون للبغدادي ٢/ ٢٢٥، ٢٤٠؛ وهدية العارفين للبغدادي أيضًا ١/ ١٧٦.
* * *
مقدمة / 5
ثم وقفتُ على ترجمة للمؤلف مختصرة في "سجل عثماني" ١/ ٢٦٠ المطبوع سنة ١٣٠٨ هـ، وقد وردت الترجمة كذلك بنصها في "الموسوعة التركية" ١/ ١٩٢ الصادرة باستنبول نقلًا عن "سجل عثماني" (١).
وقد ورد اسم المؤلف فيها هكذا:
أحمد عز أفندي
وفيها: أنه رئيس المحدثين بجامع أيا صوفيا، وتوفي عام ١١٧٩ هـ، ودفن بأسكدار.
فكأن لفظة (عز) تصحفت عند البغدادي إلى (الغزي)، والله تعالى أعلم بالصواب.
* * *
_________
(١) الشكر موصول للأخ الشيخ بسام الجابي الذي تكرم بالمساعدة في الاطلاع على المصادر التركية.
مقدمة / 6
صورة "سجل عثماني" وفيه ترجمة المؤلف وأن اسمه: أحمد العز
مقدمة / 7
صورة غلاف الطبعة الأولى للرسالة
مقدمة / 8
لقاء العشر الأواخر بالمسجد الحرام (٢٥)
الإعلام الملتزم بفضيلة زمزم
تأليف
الشيخ أحمد بن علي الشافعي
رئيس المحدثين بجامع أياصوفيا المتوفى سنة ١١٧٩ هـ
تحقيق
رمزي سعد الدين دمشقية
صفحة غير معروفة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على نِعم جلَّتْ فكَثُرَت أن تُعَدَّ، وجَلَّت فكَبُرت أن تُحدَّ، وصلَّى الله على سيِّدنا محمَّد سيِّد العرب والعجم، الذي غُسِل قلبه الشريف بعد شقِّ صدره ليلة الإِسراء بماء زمزم، وعلى آله وأصحابه وسلم.
وبعد، فهذه أوراق أذكر فيها إن شاء الله تعالى بعض ما لزمزم من الأسماء والفضائل، ومن أظهرها من الأوائل، مرتبًا ذلك على مقدمة وثلاثة أبواب:
فالأول: فيمن أظهرها.
والثاني: في فضلها.
والثالث: في بيان الترتيب في الفضيلة بينها وبين أنواع الماء.
وأما الخاتمة: ففي بيان أن الماء من سما هو، هل له لون وطعم أو لا؟.
وسميتها: "الإِعلام الملتزَم بفضيلة زمزم".
فأقول وعلى الله الكريم اعتمادي، وإليه تفويضي وإستنادي، هذه:
1 / 11
مقدمة
أما زمزم فهي وإن كانت أشهر من أن تُذكر، بركاتها أجلُّ من أن تُحصر، بئر المسجد الحرام، بينها وبين الكعبة شرَّفها الله تعالى قريب أربعين ذراعًا كما قاله الحافظ العسقلاني في "الفتح" (١).
وأما عمق البئر: فقال العلَّامة البكري (٢): قد ذَرَعتُ الحبل
_________
(١) في "أخبار مكة" للأزرقي ٢/ ٨٥: من الركن الذي فيه الحجر الأسود إلى رأس زمزم أربعون ذراعًا.
ولم أقف على الخبر في "فتح الباري" لابن حجر.
(٢) هكذا أورد المؤلف هذا الخبر عن البكري، ومثله خبران آخران يأتيان ص ٢٤، وص ٣٦. والبكري: هو الوزير الفقيه أبي عُبيد عبد الله بن عبد العزيز البكري الأندلسي المتوفى سنة ٤٨٧ هـ، وكتابه هو: "معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع"، وقد ذكر فيه زمزم في ١/ ٧٠٠ - ٧٠١، وقد قلَّبتُ الكتاب طويلًا بحثًا عن هذه الأخبار دون جدوى.
ثم أثناء بحثي لعزو الأبيات الشعرية التي نقلها المؤلف عن ابن الشيخ -الآتي ذكرها ص ٣١ - في كتابه "ألف باء" وقفت على هذه الأخبار، ولكن تبين أنها من كلام ابن الشيخ وليست من كلام البكري.
وسبب هذا الوهم عند المؤلف ﵀ أنَّ ابن الشيخ نقل في كتابه "ألف باء" ٢/ ٤٦٢ عن البكري في "معجم ما استعجم" ثم زاد عليه كلامًا من عنده مُصدِّرًا له بقوله: قلتُ، فكأن المؤلف لم يتنبه لذلك فخلط بين الكلامين عفا الله عنه.
1 / 12
الذي كنتُ أستقي به فوجدته عشر قامات، انتهى (١).
_________
(١) القامة: طول الإنسان، تعادل (١.٨٣ م) فالعشر قامات (١٨.٣٠ م). المعجم الوسيط ٢/ ٧٩٨. وذكر الأزرقي في "أخبار مكة" ٢/ ٦١، والفاكهي في "أخبار مكة" ٢/ ٧٥: أن غورها من رأسها إلى الجبل أربعون ذراعًا (٢٢.٥٠ مترًا) كل ذلك بنيان، وما بقي فهو جبل منقور وهو تسعة وعشرون ذراعًا (١٦.٢٥ مترًا). وبئر زمزم اليوم تتكون من قسمين: قسم مبني بعمق ١٤.٨٠ م، وقسم منقور في الجبل بعمق ١٧.٢٠ م. هذا ما أورده المهندس يحيى حمزة كوشك في كتابه "زمزم طعام طُعم وشفاء سقم" ص ٦٠ و٦١، وقال: يعود الفرق في عمق الجزء المبني بين الوقت الحاضر والروايات التاريخية إلى أن بئر زمزم الآن منخفضة عن الكعبة المشرفة تحت سطح أرضية المطاف، بينما كانت في السابق فوق سطح الأرض.
وينظر الشكل المنقول عن كتاب يحيى كوشك ص ٦٢:
[رسم توضيحي لبئر زمزم]
1 / 13
وأول من عمل الرخام على زمزم وفرش أرضها بالمرمر: أبو جعفر المنصور، ثاني خلفاء العباسية (١).
وأما أسماؤهما: فزمزم، وشَبَّاعَة، ومُرْوِيَة، ونافعة، وعافية، وميمونة، وبركة، وبَرَّة، ومَضْنُونة، وكافية، ومُعْذِبَة، وشفاء سُقْم، وطعام طُعْم، وهَزْمَة جبريل، وسُقْيَا إسماعيل.
فأما زمزم: ففيه لغات، المشهورة: زَمْزَم، بفتح الزاي وسكون الميم، الثانية: زَمَّزَم بفتحها أيضًا وتشديد الميم، الثالثة: زِمَّزِم بكسر الزاءين وتشديد الميم (٢).
سُمِّيَت بذلك لوجوه، فقيل: لكثرة مائها، فتكون مشتقة من قولهم: ماءٌ زَمْزُوم وزَمْزام، أي: كثير.
وقيل: لزمزمة الماء فيها، أي: حركته.
وقيل: لزمزمة جبريل ﵊، أي: كلامه.
قال في "القاموس" (٣): الزَمْزَمَة -أي: بفتح الزاي الأولى والثانية وسكون الميم الأولى وفتح الثانية-: الصوت البعيد له دوي، وتتابع صوت الرعد، وهو أحسنه صوتًا وألينه (٤) مطرًا.
_________
(١) كذا في "أخبار مكة" للأزرقي ٢/ ٦١، و"أخبار مكة" للفاكهي ٢/ ٧٥.
(٢) وذكر البكري في "معجم ما استعجم" ١/ ٧٠٠ زيادة على ما هنا: زُمَزِم بضم أوله وفتح ثانيه وكسر الزاي الثانية، وزُمَّزِم بضم أوله وفتح ثانيه وتشديده وكسر الزاي الثانية.
(٣) "القاموس المحيط" للفيروزأبادي ص ١٤٤٤.
(٤) في "القاموس": وأثْبَتُهُ.
1 / 14
وفي "النهاية" (١): الزمزمة الصوت الخفي. انتهى.
وقيل: لزمِّ هاجر لمائها حين انفجرت، أي: ضمها إياها وحصرها لها بالتراب.
وقيل: لأنها زُمَّت بالميزان لئلا تأخذ يمينًا وشمالًا (٢).
وقيل: لأن عبد المطلب أُرِي في منامه أن قائلًا يقول له: احفر زمزم. كما يأتي (٣).
وأما شَبَّاعَةُ: فبفتح الشين المعجمة وتشديد الباء الموحدة وفتح العين المهملة، من الشِّبَع ضد الجوع. سمِّيت بذلك لحصول الشبع عند شربها بقصد ذلك (٤)، كما يأتي.
وأما مُرْوِيَة: فبضم الميم وسكون الراء المهملة وكسر الواو وتخفيف المثناة التحتية، من الري ضدُّ العطش، يقال: رَوِي من الماء واللبن كرضي، رِيًّا بكسر الراء ورَيًّا بفتحها، ورِوَىً بكسرها أيضًا. سُمِّيت بذلك لشدة قمعها للظمأ.
_________
(١) "النهاية في غريب الحديث والأثر"، لابن الأثير ٢/ ٣١٣.
(٢) هكذا أورد هذا القول الحافظ ابن حجر في "الفتح" ٣/ ٤٩٣، وفي "شفاء الغرام" للفاسي ١/ ٢٥٢: لأنها زُمت بالتراب لئلا يأخذ الماء يمينًا وشمالًا. وهو أوضح في المعنى.
(٣) ص ٢٢.
(٤) عن ابن عباس ﵄ قال: كنَّا نسمِّيها شَبَّاعة -يعني زمزم-، وكنا نجدها نِعْمَ العون على العيال. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٣/ ٢٨٦: رواه الطبراني في "الكبير" ورجاله ثقات.
1 / 15
وأما نافعة: فبنون بعدها ألف ثم فاء فعين مهملة، من النفع ضد الضُّر. سمِّيت بذلك لكثرة منافعها التي لا تحصر، من جملتها أن شربها يقوِّي القلب ويسكِّن الرَّوع، كما يأتي (١).
وأما عافية: فبالعين المهملة والفاء بعدها مثناة تحتية، من عافاه الله من كذا معافاة (٢) وعافية، وهب له العافية من العلل والبلايا. سمِّيت بذلك لدفع كثير من العلل بشرب مائها، فكم أبرأ الله بمائها من الأمراض ما عَجَزت عنه حُذَّاق الأطباء.
وأما مَيْمُونة: فبفتح الميم الأولى وسكون المثناة التحتية وضم الميم الثانية، من اليُمن، وهو البركة. سمِّيت بذلك لأن بركتها مأثورة، فقد شربها جماعة من السلف والخلف لكثير من المقاصد والمآرب فنالوها، كما يأتي (٣).
وأما بَرَّه: فهو بدون ال، وبفتح الباء الموحدة وتشديد الراء المهملة، من البِرِّ بكسر الموحدة ضد العقوق، أي: ذات بر وإحسان لشاربها؛ لما يناله ويحصل له من بركتها.
وأما مَضْنُونَة: فهو بفتح الميم وسكون الضاد المعجمة وضم النون بعدها واو ثم نون مفتوحة بعدها هاء، من ضَنَّ به يَضِنُّ ضِنًّا إذا منعه عن غيره، أي: لنفاسته، إذ الضَّنين: النفيس. سمِّيت بذلك لأن
_________
(١) ص ٣٣.
(٢) كذا في "القاموس" ص ١٦٩٣. وفي الأصل: معافة، وهو تصحيف.
(٣) ص ٢٤.
1 / 16
الناس يضن بعضهم على بعض بها لكونها نفيسة. وقد منع الله تعالى منها قومًا من العرب سكنوا حولها فعصوا وتهاونوا بحرمة الكعبة، فطردهم الله عنها ومنعهم إيَّاها (١).
وأما كافية: فمن الكفاية، أي: التي تكفي من شربها عن الميل والطلب لغيرها؛ لما يحصل له من الرَّي بها.
وأما مُعْذِبَة: فهو بضم الميم وسكون العين المهملة وكسر الذال المعجمة وفتح الموحدة، من أعذب الماء، أي: صار عَذْبًا، أي: مانعًا للعطش لحلاوته، يعني: ذات عذوبة وحلاوة، فهو بمعنى مُرْوِيَة.
وأما شفاء سُقْم: فهو عَلَمٌ إضافي، والإِضافة فيه على معنى اللام. سمِّيت بذلك لأن شرب مائها سبب في شفاء كثير من الأسقام ودفع الآلام.
وأما طَعَام طُعْم: فهو عَلمَ إضافي أيضًا، بضم الطاء الثانية وسكون العين المهملة التي بعده، وهو الذي يشبع من أكله. سمِّيت بذلك لحصول الشِّبَع عند تناولها، فهو بمعنى شَبَّاعَة.
وأما هَزْمَة جبريل: فبفتح الهاء وسكون الزاي وفتح الميم، من هزمه يهْزِمُه إذا غمزه بيده فصارت فيه حُفرة، فالهزمة موضع الهزم، أي: الغمز والضرب. ويروى: هَمْزة جبريل بفتح الهاء وسكون الميم
_________
(١) يريد قبيلة جُرهُم كما سيأتي خبرهم ص ٢١.
1 / 17
مقدَّمة على الزاي، من همز يَهْمِز بكسر الميم في المضارع، ويَهْمُز بضمها أيضًا همزًا، إذا غمزه أيضًا أو ضغطه أو دفعه أو ضربه، فهو بمعنى ما قبله. سُمِّيت بذلك لضرب جبريل ﵊ بعَقِبه لها؛ ولأن عبد المطلب أُرِيَ في الرؤيا الآتي ذكرها قائلًا يقول له: زمزم وما زمزم! هزمة جبريل برجله وسُقيا إسماعيل وأهله، زمزم البركات تروي الرُّفات الواردات، شفاء سقم وخير طعام (١).
وقد جاء أيضًا في مبتدأ حديث الوضوء مثل هذا: وهو أن جبريل هَمَز للنبي ﷺ بعَقِبِه في الوادي فنبع الماء (٢).
* * *
_________
(١) لم أقف على هذا اللفظ في مصادر قصة حفر عبد المطلب لزمزم، وسيأتي سياق القصة من مصادرها تعليقًا ص ٢٢.
(٢) الحديث رواه ابن إسحاق في تعليم جبريل النبي ﷺ الوضوء والصلاة، "السيرة النبوية" ١/ ٢٤٤، قال السهيلي: هذا الحديث مقطوع في السيرة.
وروي مختصرًا عند الإمام أحمد في "المسند" ٤/ ١٦١، وابن ماجه ح (٤٦٢)، من حديث زيد بن حارثة موصولًا، إلَّا أن في إسناده ابن لهيعة، وهو ضعيف.
1 / 18
الباب الأول فيمن أظهرها
فأول من أظهرها جبريل ﵊ سقيا لإِسماعيل ﵊ عندما ظمئ وهو صغير، ثم حفر الخليل ﵊، ثم أظهرها عبد المطلب جد النبي ﷺ.
وذلك أن الله ﷿ أمر إبراهيم الخليل بالمسير من الشام إلى بلد الله الحرام، فركب البُراق، وحمل إسماعيل أمامه وكان رضيعًا، وقيل: كان ابن سنتين، وهَاجَر خلفه، ومعه جبريل يدلُّه على موضع البيت، فوضعهما إبراهيم عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذٍ أحد، وليس فيها ماء ولا عمارة ولا زراعة، وأمرها أن تتخذ فيها عريشًا.
فلما أراد إبراهيم أن ينصرف راجعًا إلى الشام ورأت هاجر أن ليس بحضرتها أحد من الناس ولا ماء ظاهر، تركت ابنها إسماعيل في مكانه وتبعت إبراهيم، فقالت: يا إبراهيم إلى مَنْ تدعنا؟ فسكت عنها حتى إذا دنا من كَدَاء (١) قال: إلى الله أدعكم. قالت: فالله
_________
(١) بفتح الكاف ممدود موضع بأعلى مكة، وهو الموضع الذي دخل النبي ﷺ مكة منه. "فتح الباري" ٦/ ٤٠١. =
1 / 19
أمركَ بهذا؟ قال: نعم. قالت: فحسبي، تركْتَنا إلى كافٍ.
وخرج إبراهيم حتى وقف على كداء ولا بناء ولا ظل ولا شيء يحول دون ابنه إسماعيل، فنظر إليه فأدركه ما يدرك الوالد من الرحمة لولده، فقال: ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي﴾ الآية، وانصرفت هاجر إلى ابنها وعمدت فجعلت عريشًا في موضع الحِجْر -بكسر الحاء المهملة- من سَمُر (١) -بفتح السين المهملة وضم الميم- وألقت عليه ثُمامًا (٢) -بضم المثلثة وتخفيف الميم-.
وفي رواية: أن إبراهيم ﵊ وضع عندهما جِرَابًا فيه تمر وسِقَاء فيه ماء، فلما نَفِدَ الماء عطش إسماعيل وعطشت أمه وانقطع لبنها، فأخذ إسماعيل كهيئة الموت فظنَّت أنه ميت فجَزِعَت، وخرجت جزعًا أن تراه على تلك الحالة، وقالت: يموت وأنا غائبة عنه أهون عليَّ. ثم ظهر لها جبريل فانطلق بها حتى وقف على موضع زمزم فضرب بعَقِبِه مكان البئر فظهر الماء فوق الأرض (٣).
وفي "الحدائق": فبحث جبريل بعقبه، أو قال: بجناحه -على شك الراوي- وجعلت هاجر تَزمُّ الماء، أي: تحصره خِيفَة
_________
= وهو ما يُعرف اليوم "ريع الحَجُون" يدخل طريقه بين مقبرتي المَعْلاة، ويفضي من الجهة الأخرى إلى حي العتيبة وجرول. "المعالم الأثيرة" ص ٢٣١.
(١) السَّمُر جمع سَمُرَة: نوع من شجر الطَّلح.
(٢) الثمام: نبات طويل كانت تُسَدُّ به فجوات البيوت قديمًا.
(٣) أصل هذه القصة في البخاري من حديث ابن عباس، ح (٣٣٦٤).
1 / 20
أن يفوتها قبل أن تأتي بشَنِّها (١)، فاستقت وبادرت إلى ابنها فسقته.
قال ابن عباس: قال النبي ﷺ: "يرحم الله أمَّ إسماعيل لو تركت زمزم"، أو قال: "لو لم تَغرِف من الماء لكانت عينًا مَعينًا" (٢).
ثم إن الجُرْهُمي عمرو بن الحارث (٣) لما أحدث قومه بحرم الله تعالى الحوادث قيَّض الله لهم من أخرجهم من مكة، فعمد عمرو المذكور إلى نفائس من أموال الكعبة -وكان من جملتها غزالان من ذهب وأسياف سبعة كان ساسان ملك الفرس قد أهداها إلى الكعبة- ووضعها في زمزم وطمَّها وبالغ في طمها
_________
(١) الشَّن: القِربة الصغيرة.
(٢) جزء من حديث ابن عباس عند البخاري، ح (٣٣٦٤).
ومعنى "عينًا معينًا": أي ظاهرًا جاريًا على وجه الأرض.
(٣) أورد الأزرقي في "أخبار مكة" ١/ ٩٢ أن الذي طمَّ بئر زمزم هو: مُضَاض بن عمرو بن الحارث، ثم ذكر في ٢/ ٤١ أن الذي طمَّها هو: عمرو بن الحارث بن مُضاض، وكذا ذكر عمرو بن الحارث بن هشام في "السيرة النبوية" ١/ ١١٤ عن ابن إسحاق، وقد تابعهما من جاء بعدهما من المؤرخين كأمثال ابن كثير في "البداية والنهاية" والصالحي في "سُبل الهدى والرشاد" وغيرهما، فأخذوا بأحد القولين ولم يبينوا وجه الاختلاف في ذلك، سوى ما وقفتُ عليه من كلام المتقي الفاسي في كتابه "شفاء الغرام" حيث قال ١/ ٣٧٦: واختُلف فيمن دفن الحجر الأسود وغزالَيْ الكعبة في زمزم هل هو مُضاض بن عمرو بن الحارث بن مُضاض بن عمرو الجرهمي كما هو مقتضى الخبر الذي رواه الأزرقي عن الكلبي عن أبي صالح؟ أو هو عمرو بن الحارث بن مُضاض الأصغر؟ كما هو مقتضى ما ذكره ابن إسحاق والزبير بن بكَّار عن أبي عبيدة وذكر الأزرقي ما يوافقه، اهـ.
1 / 21