بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
(بنى لي الْمجد آبَاء كرام ... ورثنا مجدهم باعًا فباعا)
(وهذبني الإباء فقات طرفِي ... وكل بعد يجرى مَا استطاعا)
وقبلهما مِمَّا يصل حبلهما ويصف فضلهما
(وَمَا للنَّاس منا غير رعي ... يفيدهم رفاهًا وانتفاعا)
(فيمنعهم وَمَا شعبوا مضامًا ... ويوسعهم وَمَا سغبوا انتجاعا)
وَلَهُم رضى الله عَنْهُم وَسمعت ذَلِك مِنْهُم
(أجب داعيتها فالنجيب يُجيب ... وشب لظاها فالنخيب يخيب)
1 / 3
(وشم عَزمَة لَا يغمز الْعَجز متنها ... فذو الْعَزْم فِي الْيَوْم الصعيب يُصِيب)
(وَلَا تبتغ العلياء إِلَّا بأبيض ... لغربيه فِي هام الكماة غرُوب)
(وأسمر غر شيب الوقع رَأسه ... أَلا إِنَّمَا بعد القشيب مشيب)
(وَإِن شِئْت قلت النَّجْم توج رَأسه ... فلاح لَهُ بَين الْقُلُوب ثقوب)
(ينضنض صلًا ثمَّ يهوى كَأَنَّهُ ... رشاء لَهُ قلب الكمى قليب)
(وصفراء ربتها الْجُيُوب وراوحت ... ذوائبها فَوق الجبوب جنوب)
(إِذا عيج متناها أُقِيمَت شباتها ... فَمِنْهَا سروب لَا يرى ورسوب)
(فَإِن سدكت بالكف أَو فل خطوها ... فخطو بنيها فِي الحروب رحيب)
(وأجرد يستجلى بأوضاحه الوغى ... وَقد جنها يَوْم الرّكُوب عكوب)
1 / 4
(إِذا مَا استحر الضَّرْب وأشتجر القنا ... بدا وَهُوَ فِي حَال)
(لَهُ من سعالى الْجِنّ خلق مطهم ... يروع وَمن هوج الرِّيَاح هبوب)
(بِتِلْكَ ينَال الْوتر لَو حَال دونه ... سهوب وحالت عَن مداه لهوب)
(فرع عَنْك أَبنَاء الزَّمَان فكلهم ... لَهُ عِنْد تمحيص الغيوب عُيُوب)
(فَلَا توردنه وردك الصفو إِنَّه ... شروب وَعند الحادثات سروب)
([] اوى الرِّجَال فباسم ... لَهُ عِنْد هباب الخطوب خطوب)
([] قربى يعرد هايبا ... ويبأى إِذا الْحق النؤوب يؤوب)
([] إِلَى الْخَلِيل محلّة ... وَقد جعلت [])
([] يَديك فَإِنَّهُ ... سَوَاء قريب فِي الورى وغريب)
([أَلا فاستعتن واستعن بِاللَّه إِنَّه ... لفتح بِتَقْدِير الرَّقِيب قريب)
وَلَهُم أَيّدهُم الله فِي اسْتِقْبَال حَضرتهمْ الْعلية من بعض غزواتهم الميمونة
(تقر جفون عَيْنك بالقرار ... وَمن شَرط الْهوى رعى االذراري)
(ألاح الْبَرْق مُعْتَرضًا فغارت ... نُجُوم الْأُفق من مَاء ونار)
(خفى يسرى وظل الدمع يجرى ... فواحرباه من سَار وجار)
(وهاب الْبَدْر أَن يفرى دجاه ... فَمَال عَن الشرار إِلَى السرَار)
(وساءل مُسْندًا يرويهِ عني ... فحدثه الزَّفِير عَن إدكار)
(سقى أَعْلَام تونس فالحنايا ... فمقتبل العشية والعرار)
(فواكبداه من شوق تناءت ... نهايته على قرب المزار)
(وأبرح مَا يكون الشوق يَوْمًا ... إِذا دنت الديار من الديار)
1 / 5
وَمن قلائدهم المزرية بقلائد العقيان المربية على فرائد الجمان
(وحوراء تستعلى بنهدين أشرعا ... وَلَا غرو أَن يَدْعُو هَواهَا فَأتبعهُ)
(تَقول وَقد رقت لما بِي أجازع ... وَأَنت جرئ ولأسنة مشرعه)
(فَقلت لَهَا جفناك عزا تجلدي ... ونهداك هَذَا نفس هيمان موجعه)
(وَمَا زلت ألقِي الْقرن يعسل رمحه ... فَمن لي بِمن يلقى الْفُؤَاد بأربعه)
صدر هَذَا عَنْهُم دَامَت سعادتهم وَقد أنْشد بمجلسهم العلى للْقَاضِي أبي بكر بن الْعَرَبِيّ فِي مداعب لَهُ من فتيَان الملثمة هز رمحه عَلَيْهِ وَأَوْمَأَ بِهِ إِلَيْهِ
(يهز على الرمْح ظَبْي مهفهف ... لعوب بألباب الْبَريَّة عابث)
(فَلَو كَانَ رمحا وَاحِدًا لاتقيته ... وَلكنه رمح وثان وثالث)
كَذَا قَرَأت فِي ديوَان شعرهم أدام الله تأييد أَمرهم وهما عِنْدِي للْقَاضِي أبي مُحَمَّد عبد الْحق بن غَالب بن عَطِيَّة أنشدنيهما القَاضِي أَبُو سُلَيْمَان دَاوُود ابْن سُلَيْمَان بن حوط الله الْأنْصَارِيّ الْحَارِثِيّ بِمَدِينَة بلنسية وَهُوَ إِذْ ذَاك يتَوَلَّى
1 / 6
قضاءها قَالَ أنشدنا الشَّيْخ أَبُو الْحُسَيْن سراج بن عبد الله العثماني مَرَّات للفقيه القَاضِي أبي مُحَمَّد عبد الْحق بن عَطِيَّة وَذكر الْبَيْتَيْنِ إِلَّا أَن صدر أَولهمَا فِي هَذِه الرِّوَايَة يهددني بِالرُّمْحِ ظَبْي مهفهف وَصدر ثَانِيهمَا فَلَو كَانَ رمحا وَاحِدًا لَا تقيته وباقيهما سَوَاء وَلمن كَانَ مِنْهُمَا ذَلِك فقد عدل بِهِ عَن جادة الإجادة وَالزِّيَادَة
وَمن لزومياتهم السّنيَّة فِي غزلياتهم السُّلْطَانِيَّة
(بَدَت لَك فِي ثوب يشف منجم ... أزيرق يالله لِلْحسنِ أزرقا)
(ولاحت وَبدر الْأُفق فِي الْأُفق كَامِل ... فَلم أدر أَي راعني حِين أشرق)
(خلا أَنه لما رأى حسن وَجههَا ... تأنى قَلِيلا حِين شام فأبرقا)
(ودونهما صفو الغدير مسلسلًا ... فأقسم لَوْلَا رقة الْوَصْل أحرقا)
(وَلما رنا نَحْو السجنجل وَجههَا ... أطل على متن الغدير فأطرقا)
(وزرت عَلَيْهِ الشهب ثوب سمائه ... فقارب فِي التَّشْبِيه منهاا وأغرقا)
(ونازعها ثوبا ولونًا ورفعة ... وبعدًا وإشراقًا ووجهًا ترقرقا)
وَمن رفيع الرصف وبديع الْوَصْف قَوْلهم لاا زَالَ يجاري الأقدار عدلهم ويباري الأمطار طولهم
(أعد نظرا حَيْثُ الرياض كَأَنَّهَا ... خدود الغواني أَو قدود الكواعب)
1 / 7
(تميل وَلَيْسَت بَين كأس وقينة ... وَلكنهَا بَين الصِّبَا والجنائب)
(وسال نمير المَاء بَين أخضرارها ... فجَاء كَمثل الْفرق بَين الذوائب)
(وَإِلَّا كَمَا شقّ الكنهور بارق ... وَإِلَّا كَمثل الصُّبْح بَين الغياهب)
(قد أطردت فِيهِ المذانب دَائِما ... وَلم تَرَ حسنا كأطراد المذانب)
(وللنرجس النَّضر أصفرار تخاله ... كشمس أصيل بَين بيض السحائب)
(يدب إِلَيْك الْحسن فِي جنباتها ... بعقرب أصداغ من الآس لَا سبّ)
(وللياسمين الغض فِي خضر بسطها ... نثائر در أَو سبائك ساكب)
(وللسوسن المبيض إصغاء آلف ... يحن فيحنو خَاشِعًا نَحْو شَارِب)
(وَقد كللت أَغْصَان نارنجها فَقل ... مجامر تبر جامد غير ذائب)
(وعطر مِنْهَا النشر مَا بَلل الندى ... فَنمت بِأَنْفَاسِ الرِّيَاح الغرائب)
(وللماء فِي الدولاب إِن رمت وَصفه ... سِهَام قسى أَو مخاريق لاعب)
(تضمن سقى الرَّوْض رفهًا يعله ... وَفَاء فعد القَوْل عَن قَوس حَاجِب)
(معطرة الأردان يفعم نفحها ... يُحْيِيك عرف الطّيب من كل جَانب)
(سَمَاء وَجرى المَاء فِيهَا مجرة ... وَمن زهرها المفتر زهر الْكَوَاكِب)
(فدونكها تختال زهوًا ونضرة ... وترفل تيهًا فِي برود الْعَجَائِب)
وَلَهُم خلد الله سلطانهم فِي طبق مَمْلُوء نثائر زهر النارنج والخابور وَأكْثر هَذَا التَّشْبِيه على البديهة
(بعثتها وذكى الْعرف ألحقها ... بردين من وضح الإصباح والشفق)
(كَأَنَّمَا الزهر والخابور جزعه ... شذر تناثر فِي در من الْعُنُق)
(قد راق منظره حسنا لملتفت ... ورق مخبره عرفا لمنتشق)
1 / 8
وَلَهُم ظَاهر الله نعمه لديهم مِمَّا كتبته بَين الكريمتين يديهم
(خُذْهَا كَمَا تمّ عرف الرَّوْض بِالسحرِ ... وَأَيْقَظَ الطل رَبًّا نَائِم الزهر)
(حَمْرَاء ترفل فِي أَثوَاب بهجتها ... تفتر عَن لُؤْلُؤ عذب وَعَن أشر)
(زفقتها ورواق اللَّيْل منسدل ... كَأَنَّهَا شفق فِي هَالة الْقَمَر)
وَمن ألغازهم وَسمعت مِنْهُم ﵃
(زقفتها سحرت أعين الجآذر لبّى ... وأستباحت حمى فُؤَادِي وقلبي)
([] مِنْهَا أشتباه ... فأنظرن التَّصْحِيف من بعد قلب)
وَقد أستوفوا حُرُوف المعجم فِي هَذَا الْبَاب فَأتوا أَيّدهُم الله بِمَا فِيهِ عِبْرَة لأولى الْأَلْبَاب
وَلَهُم فِي الرثاء أدام الله أيامهم كَمَا جعل مَفَاتِيح الأقاليم سيوفهم وأقلامهم
(تصبر فَإِن الصَّبْر أولى بِذِي حجر ... وَإِن كَانَ حجرا فالملام إِلَى الْحجر)
(وَمَا زَالَت الْأَيَّام تَغْدُو على الْفَتى ... فطورًا على بشر وطورا على بسر)
(وَإِن سالمت واالظلم مِنْهَا سجية ... فَلَا بُد يَوْمًا أَن تغر وَأَن تغرى)
(مرى الْحزن دمعى أَن أَمر حباله ... وَكَانَ قَدِيما لَا يمر وَلَا يمرى)
(وعهدي بِهَذَا الدمع ياعين وافيًا ... فَهَل لَك فِي الْغدر المبرح من عذر)
(أَلا من لعين لَا ينهنه غربها ... أَلا من لسحر لَا يمل من السحر)
(أَلا تِلْكَ شمس الجو فِي الدو فَأُعْجِبُوا ... أَلا تلكم إدمانة العفر فِي القفر)
1 / 9
(أأسلو وَهَذَا شخصها حَشْو مقلتي ... وأنسى وَمَا تنفك مني على ذكر)
(لَئِن ضم مِنْك اللَّحْد ذاتًا زكية ... لقد حنيت منى الضلوع على جمر)
(سأبكيك مَا أَنْت فقيدة بكرها ... وحنت إِلَى وكر مطوفة النَّحْر)
(أطارحها شجوى فيسعد شجوها ... فتحسبنا إلفى مصاب لَدَى وكر)
(وَمَالِي وَمَا للعيد لَوْلَا تحفل ... يكلفني مَالا أُطِيق من الصَّبْر)
(فَمن كَانَ ذَا هدى وَهدى لعيده ... فعندي هدى من مدامعي الْحمر)
(يغادونها قربى لنحر ثَلَاثَة ... ودمعي من تسكابه الدَّهْر فِي بَحر)
(وَعِنْدِي وَلَا رد زفير مردد ... تهد لظاه جَانب الْبشر)
(وتصديق إِيمَان وَإِقْرَار موقن ... وَتَسْلِيم مربوب لذى الْخلق وَالْأَمر)
وَمن تصنيف لَهُم فِي الزّهْد جليل هُوَ على أنفرادهم فِي الْكَمَال وسحر الْكَلَام أوضح دَلِيل
(يعجل الْإِنْسَان بالشَّيْء وَهل ... خلق الْإِنْسَان إِلَّا من عجل)
(ولذى الْعدْل قَضَاء فِي الورى ... بتقاضاه كتاب وَأجل)
(إِن ظفر اللَّيْث يدمى من ردى ... مثل خد الخود يدمى من خجل)
(وأخو الْغَفْلَة فِي غفلته ... إِن بَكت وَرْقَاء غنى وأرتجل)
وَإِنَّمَا أورد مِنْهُ الفرائد وأقصد إِلَيْهِ من القصائد وَهَا هِيَ تضيق عَنْهَا المهارق وتضىء مِنْهَا المغارب والمشارق وَإِنَّمَا هَذَا إلماع بِمَا أعوز الْعلمَاء وإسماع لما أسكت الْحُكَمَاء
وَلما ظَفرت من هَذَا الْمَقْصُود الأحمد وسبقت إِلَيْهِ سبق الْجواد إِذا استولى على الأمد قصرته على مُلُوك إفريقية وبلاد الْمغرب المضافة إِلَيْهَا وقدمت
1 / 10
القادمين فِي الْمِائَة الأولى من السّلف الأول عَلَيْهَا لِأَنَّهَا من أَوَائِل فتوح الْإِسْلَام ثمَّ من منَازِل بدر التَّمام مَوْلَانَا الْخَلِيفَة الإِمَام أدام الله لَهُم نصر الألوية والأعلام
(وَفِي الْمِائَة الثَّانِيَة صَارَت الأندلس دَار إِيمَان فواليت ذكر ولاتها من ذَلِك الزَّمَان ليوقف على جلالة شَأْنهمْ وَيعرف تمكن محلهم من البلاغة ومكانهم وَذكرت أَبْنَاءَهُم وأختصرت أنباءهم هربا من التَّطْوِيل ورهبًا للتثقيل إِلَّا نكتًا لَهَا بأنتخابها أحسن المواقع وعيونًا هِيَ بأقتضابها أجول فِي المحافل وأولج فِي المسامع وَرُبمَا عرض مَا يَدْعُو إِلَى الْبسط فأنتقض حكم هَذَا الشَّرْط وَلَا غرو أَن أواقع الْمَحْذُور فللكلام اضطرار يُبِيح الْمَحْظُور
وأبرزته مسوقًا على الحقب منسوقا بِحَسب الرتب أعين للصدور صدر كل مائَة وَأبين من تميز فِي جمَاعَة أَو تحيز إِلَى فِئَة ليستوفى المتأدبين حَتَّى من المتوثبين
وَالَّذين مَا عثرت على أشعارهم أفردت بَابا لأخبارهم وَلم أعرض لمن أَعرَضت عَنْهُم الدولة الحفصية بالخلعان وأنتزعت مَا كَانَ بِأَيْدِيهِم تراثًا لَهَا من الْملك وَالسُّلْطَان ثمَّ
[] الأسم الَّذِي من خَصَائِصه التَّأْمِين والتأمير وأشبهه [] النَّضِير والمشرع النمير حَضْرَة مَوْلَانَا الْأَمِير [] الأسعد الأطهر الأرضى أَبُو يحيى ولي عهد الْمُؤمنِينَ وعهد الولى فِي مُتَتَابِعَات السنين
1 / 11
والملى وَقد [] مَكَارِم الْآبَاء بإنجاب كرام الْبَنِينَ أجهد فِي الأستظهار على شكر نعْمَته وأجهر آنَاء اللَّيْل وأطراف النَّهَار بِأَن يكون الْعَمَل خَادِم النِّيَّة فِي خدمته وأقصى المأمول أَن تَأذن لَهُ سيادته فِي الْقرب من سدته وتقابل وفادته بِالْقبُولِ ليسعد مداه بسعادة مدَّته أبقاه الله وَلِوَاؤُهُ مَنْصُور وكرم الْخلال فِيهِ مَحْصُور وَشرف الْكَمَال عَلَيْهِ مَقْصُور والعيون والقلوب إِلَيْهِ ميل وصور يمنه
1 / 12
الْمِائَة الأولى من الْهِجْرَة
١ - عَمْرو بن العاصى أَبُو عبد الله
قَرَأت بِخَط أَحْمد بن يحيى بن جَابر البلاذرى فِي كتاب أَنْسَاب الْأَشْرَاف من تأليفه قَالَ مُحَمَّد بن سعد قَالَ الْوَاقِدِيّ من خبر عَمْرو ابْن العاصى إِنَّه قدم على النَّبِي ﷺ مُسلما فِي صفر سنة ثَمَان قبل فتح مَكَّة بأشهر وَكَانَ الْفَتْح فِي شهر رَمَضَان فوجهه رَسُول الله ﷺ فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَمَان إِلَى ذَات السلَاسِل فِي سَرِيَّة وَمَعَهُ أَبُو بكر وَعمر وَأَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح رضى الله عَن جَمِيعهم قَالَ ثمَّ بعث بِهِ إِلَى ابْني الجلندى بعمان فَأَسْلمَا وَكَانَ أَمِيرا عَلَيْهَا فَلم يزل عَمْرو بعمان حَتَّى قبض رَسُول الله ﷺ
قَالَ وَعَمْرو بن العاصى هُوَ الَّذِي فتح مصر ونواحيها فِي خلَافَة عمر وعزله عُثْمَان عَنْهَا
وَقَالَ غير البلاذرى ثمَّ صَار من مصر حَتَّى قدم برقة فَصَالح أَهلهَا على ثَلَاثَة عشر ألف دِينَار يؤدونها إِلَيْهِ جِزْيَة على أَن يبيعوا من أبنائهم
1 / 13
فِي [جزيتهم مَا أَحبُّوا بَيْعه] [وعَلى يَدَيْهِ تمّ فتح الْمُسلمين] لبرقة ثمَّ غزا فِي سنة ثَلَاث وَعشْرين إطرابلس فحاصرها شهرا لَا يقدر مِنْهَا على شَيْء ثمَّ أفتتحها فِي قصَّة غَرِيبَة ذكرهَا أَبُو الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن عبد الحكم فِي تَارِيخه وغنم مَا فِيهَا وَلم يفلت الرّوم إِلَّا بِمَا خف لَهُم فِي مراكبهم وَأَرَادَ أَن يُوَجه إِلَى الْمغرب فَكتب إِلَى عمر رضى الله عَنهُ إِن الله ﷿ فتح علينا إطرابلس وَلَيْسَ بَينهَا وَبَين إفريقية إِلَّا تِسْعَة أَيَّام فَإِن رأى أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن يغزوها ويفتحها الله على يَدَيْهِ فعل فَكتب إِلَيْهِ عمر ينهاه عَن ذَلِك
الظَّاهِر من هَذَا الْخَبَر تحيز إطرابلس من إفريقية وَلم تزل من أَعمالهَا قَدِيما وحديثًا قَالَ ابْن عبد الحكم كَانَ سُلْطَان جرجير من إطرابلس إِلَى طنجة وَبِهَذَا الأعتبار سَاغَ لي ذكر عَمْرو رضى الله عَنهُ فِي هَذَا الْكتاب
وَمن شعره يُخَاطب عمَارَة بن الْوَلِيد أَخا خَالِد بن الْوَلِيد عِنْد النَّجَاشِيّ
1 / 14
وَكَانَت قُرَيْش بعثتهما إِلَيْهِ يكلمانه فِي من قدم عَلَيْهِ من الْمُهَاجِرين رضى الله عَنْهُم
(تعلم عمار أَن من شَرّ شُبْهَة ... لمثلك أَن يدعى ابْن عَم لَهُ أنتمى)
(لَئِن كنت ذَا بردين أحوى مرجلًا ... فلست برَاء لِابْنِ عمك محرما)
(إِذا الْمَرْء لم يتْرك طَعَاما يُحِبهُ ... وَلم ينْه قلبًا هائمًا حَيْثُ يمما)
(قضى وطرًا مِنْهُ وغادر سبة ... إِذا ذكرت أَمْثَالهَا تملأ الفما)
وَقَالَ أَيْضا فِي حروب صفّين
(شبت الْحَرْب فأعددت لَهَا ... مفرغ الحارك محبوك السبج)
1 / 15
(يصل الشد بشد فَإِذا ... ونت الْخَيل من الشد معج)
(جرشع أعظمه جفرته ... فَإِذا ابتل من المَاء حدج)
وَقَالَ يُخَاطب مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان رضى الله عَنهُ
(معاوى إِنِّي بِعْت ديني وَلم أنل ... بِهِ مِنْك دنيا فأنظرن كَيفَ تصنع)
(وَمَا الدّين وَالدُّنْيَا سَوَاء وإنني ... لآخذ مَا تُعْطى ورأسي مقنع)
(فَإِن تعطنى مصرا فأربح بصفقة ... أخذت بهَا شَيخا يضر وينفع)
قَالَ عَمْرو وَهَذَا لِأَنَّهُ شَرط على مُعَاوِيَة لما تحير إِلَيْهِ وَكَانَ مَعَه فِي حروبه لعَلي رضى الله عَنْهُم أَن يوليه إِذا ظهر مصر طعمة فوفى لَهُ بذلك
وروى أَن عتبَة بن أبي سُفْيَان دخل على مُعَاوِيَة أَخِيه وَهُوَ يكلم عمرا فِي مصر وَعَمْرو يَقُول لَهُ إِنَّمَا بِعْتُك بهَا ديني فَقَالَ لَهُ عتبَة أثمن الرجل بِدِينِهِ فَإِنَّهُ صَاحب من أَصْحَاب مُحَمَّد
1 / 16
فَأَقَامَ على مصر إِلَى أَن توفى فِي خلَافَة مُعَاوِيَة وَمِمَّا يعزى إِلَيْهِ
(وأغضى على أَشْيَاء لَو شِئْت قلتهَا ... وَلَو قلتهَا لم أبق للصلح موضعا)
(فَإِن كَانَ عودي من نضار فإنني ... لأكْره يَوْمًا أَن أحطم خروعا)
وَأنْشد لَهُ ابْن إِسْحَاق صَاحب الْمَغَازِي فِي يَوْم أحد مالم أر وَجها لذكره
٢ - ابْنه عبد الله بن عَمْرو بن االعاصي أَبُو مُحَمَّد
ذكره أَبُو بكر عبد الله بن مُحَمَّد الْمَالِكِي فِي الداخلين إفريقية من الصَّحَابَة ﵃ وهم قريب من ثَلَاثِينَ رجلا وَكَانَ يخلف أَبَاهُ على إِمَارَة مصر إِذْ وَليهَا عَمْرو فِي خلَافَة عمر بن الْخطاب وَفِي خلَافَة مُعَاوِيَة وَهُوَ صلى على أَبِيه عِنْد وَفَاته ثمَّ صلى بِالنَّاسِ يَوْم الْفطر وَلم يكن بَينه وَبَين أَبِيه فِي السن إِلَّا أثنتا عشرَة سنة وَأسلم قبله وَكَانَ أحد فُقَهَاء الصَّحَابَة وفضلائهم والمكثرين من الحَدِيث عَن النَّبِي ﷺ
1 / 17
قَالَ أَبُو مُحَمَّد بن حزم الْفَقِيه روى عبد الله بن عَمْرو بن العاصى سَبْعمِائة حَدِيث
وَفِي تَارِيخ ابْن عبد الحكم أَن عُثْمَان ﵁ كتب إِلَى عبد الله بن سعد بن أبي سرح يؤمره على مصر سنة خمس وَعشْرين فَجَاءَهُ االكتاب بالفيوم بقرية مِنْهَا تدعى دموشة فَجعل لأهل الْجَواب جعلا على أَن يصبحوا بِهِ الْفسْطَاط فِي موكبه فقدموا بِهِ الْفسْطَاط قبل أَن يصبح الصُّبْح فَأَشَارَ إِلَى الْمُؤَذّن فَأَقَامَ الصَّلَاة حِين طلع الْفجْر وَعبد الله بن عَمْرو بن العاصى ينْتَظر الْمُؤَذّن يَدعُوهُ إِلَى الصَّلَاة لِأَنَّهُ كَانَ خَليفَة أَبِيه فأستنكر الْإِقَامَة فَقيل لَهُ صلى عبد الله بن سعد بِالنَّاسِ
قَالَ ابْن عبد الحكم يَزْعمُونَ أَن عبد الله بن سعد أقبل من غربي الْمَسْجِد بَين يَدَيْهِ شمعة وَأَقْبل عبد الله بن عَمْرو من نَحْو دَاره بَين يَدَيْهِ شمعة فألتفت عِنْد الْقبْلَة فَأقبل عبد الله بن عَمْرو حَتَّى وقف على عبد الله بن سعد فَقَالَ هَذَا بغيك ودسك فَقَالَ عبد الله بن سعد مَا فعلت وَقد كنت أَنْت وَأَبُوك تحسداني على الصَّعِيد فتعال حَتَّى أوليك الصَّعِيد وَأولى أَبَاك أَسْفَل الأَرْض وَلَا أحسدكما عَلَيْهِ
وَكَانَ عزل عَمْرو بن العاصى عَن مصر وتولية عبد الله بن سعد فِي سنة خمس وَعشْرين صدر خلَافَة عُثْمَان ﵁ وَمن شعر عبد الله بن عَمْرو فِي صفّين
(فَلَو شهِدت جمل مقَامي ومشهدي ... بصفين يَوْمًا شَاب مِنْهُ الذوائب)
(عَشِيَّة حبا أهل الْعرَاق كَأَنَّهُمْ ... سَحَاب ربيع دَفعته الجنائب)
1 / 18
(وجئناهم نردى كَأَن صُفُوفنَا ... من الْبَحْر مد موجه متراكب)
(إِذا قلت قد ولوا سرَاعًا بَدَت لنا ... كتائب مِنْهُم فأرجحنت كتائب)
(فدارت رحانا وأستدارت رحاهم ... سراة النَّهَار مَا تولى المناكب)
(وَقَالُوا لنا إِنَّا نرى أَن تبايعوا ... عليا فَقُلْنَا بل نرى أَن تضاربوا)
هَكَذَا وجدت هَذَا الشّعْر مَنْسُوبا إِلَيْهِ وَخلاف هَذِه الْحَال كَانَ على أَن أَبَا الْفتُوح الطَّائِي الْبَغْدَادِيّ قد حكى فِي كِتَابه الْأَرْبَعين حَدِيثا من جمعه أَن عبد الله بن عَمْرو شهد مَعَ أَبِيه صفّين وَكَانَ يضْرب بسيفين وَالأَصَح هُوَ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو عمر بن عبد الْبر فِي خبر يسْندهُ إِلَى ابْن
1 / 19
أبي مليكَة أَن عبد الله بن عَمْرو بن العاصى كَانَ يَقُول مَالِي ولصفين مَالِي ولقتال الْمُسلمين وَالله لَوَدِدْت أَنِّي مت قبل هَذَا بِعشر سِنِين ثمَّ يَقُول أما وَالله مَا ضربت فِيهَا بِسيف وَلَا طعنت بِرُمْح وَلَا رميت بِسَهْم ولوددت أَنِّي لم أحضر شَيْئا مِنْهَا وَأَسْتَغْفِر الله ﷿ من ذَلِك وَأَتُوب إِلَيْهِ قَالَ أَبُو عمر إِلَّا أَنه ذكر أَنه كَانَت بِيَدِهِ الرَّايَة يَوْمئِذٍ فندم ندامة شَدِيدَة على قِتَاله مَعَ مُعَاوِيَة قَالَ أقسم أَنه إِنَّمَا شَهِدَهَا لعزمة أَبِيه عَلَيْهِ فِي ذَلِك وَأَن رَسُول الله ﷺ قَالَ لَهُ أطع أَبَاك ذكر أَبُو عمر هَذَا فِي كتاب الأستيعاب فِي الصَّحَابَة من تأليفه وَلَكِن الشّعْر مَعَ هَذَا مَذْكُور لَهُ فِي مُصَنف أبي بكر بن أبي شيبَة وَغَيره
٣ - عبد الله بن عَبَّاس أَبُو الْعَبَّاس
غزا إفريقية مَعَ عبد الله بن سعد بن أبي سرح فِي خلَافَة عُثْمَان سنة سبع وَعشْرين وَشهد فتحهَا ذكر ذَلِك أَبُو سعيد بن يُونُس فِي تَارِيخه ثمَّ ولى إِمَارَة الْبَصْرَة فِي خلَافَة عَليّ ﵁ حِين أسْتَعْمل أَخَوَيْهِ عبيد الله على الْيمن ومعبدًا على مَكَّة وَكَانَ لعبد الله بن الْعَبَّاس من عمر بن الْخطاب مَكَان وَقَالَ لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَقد كَلمه فِي حظوته لَدَيْهِ إِنَّه من حَيْثُ علمت
1 / 20
وَكَانَ يَقُول ابْن عَبَّاس فَتى الكهول لَهُ لِسَان سؤول وقلب عقول وَيَقُول إِذا سَأَلَ ابْن عَبَّاس فِي الْأَمر يعرض مَعَ جلة أَصْحَاب رَسُول الله ﷺ كَيفَ تَلُومُونَنِي عَلَيْهِ بعد مَا ترَوْنَ
وَفِي كتاب الأغاني لأبي الْفرج الْأَصْبَهَانِيّ أَن عُيَيْنَة بن مرداس ابْن فسوة الشَّاعِر وَهُوَ الْمَعْرُوف بِأبي فسوة أَتَى عبد الله بن الْعَبَّاس وَهُوَ عَامل لعَلي بن أبي طَالب على الْبَصْرَة وَتَحْته يَوْمئِذٍ شميلة بنت جُنَادَة بن أبي أزيهر الزهرانية وَكَانَت قبْلَة تحلت مجاشع بن مَسْعُود السلمى فَأَسْتَأْذِن عَلَيْهِ فَأذن لَهُ وَكَانَ لَا يزَال يأتى أُمَرَاء الْبَصْرَة فيمدحهم فيعطونه وَيَخَافُونَ لِسَانه فَلَمَّا دخل على ابْن عَبَّاس قَالَ لَهُ مَا جَاءَ بك إِلَى يَا ابْن فسوة فَقَالَ لَهُ وَهل دُونك مقصدًا أَو وَرَاءَك معدى جئْتُك لتعينني على مروءتي وَتصل قَرَابَتي فَقَالَ لَهُ ابْن عَبَّاس وَمَا مُرُوءَة من يعْصى الرَّحْمَن وَيَقُول الْبُهْتَان وَيقطع مَا أَمر الله بن أَن يُوصل وَالله لَئِن أَعطيتك لأعيننك على الْكفْر والعصيان أَنطلق فَأَنا أقسم بِاللَّه لَئِن بَلغنِي أَنَّك هجوت أحدا من الْعَرَب لأقطعن لسَانك فَأَرَادَ الْكَلَام فَمَنعه من حضر وحبسه يَوْمه ذَلِك ثمَّ أخرجه عَن الْبَصْرَة فوفد إِلَى الْمَدِينَة بعد مقتل عَليّ ﵇ فلقى الْحسن بن عَليّ ﵇ وَعبد الله بن جَعْفَر ﵉ فَسَأَلَاهُ عَن خَبره مَعَ ابْن عَبَّاس فَأَخْبرهُمَا فأشتريا عرضه بِمَا أرضاه فَقَالَ يمدحهما وَيَلُوم ابْن عَبَّاس من
أَبْيَات
1 / 21
(لقِيت ابْن عَبَّاس فَلم يقْض حَاجَتي ... وَلم يرج معروفي وَلم يخْش منكري)
(فَلَو كنت من زهران لم ينس حَاجَتي ... ولكنني مولى جميل بن معمر)
(فليت قلوصي أغربت أَو رحلتها ... إِلَى حسن فِي دَاره وَابْن جَعْفَر)
(إِلَى ابْن رَسُول الله يَأْمر بالتقى ... وللدين يَدْعُو وَالْكتاب المطهر)
(إِلَى معشر لَا يخصفون نعَالهمْ ... وَلَا يلبسُونَ السبت مالم يخصر)
(فَلَمَّا عرفت الْيَأْس مِنْهُ وَقد بَدَت ... أيادي سبا الْحَاجَات للمتذكر)
(تسنمت حرجوجًا كَأَن بغامها ... أجيج ابْن مَاء فِي يراع مفجر)
(فَمَا زلت فِي التسيار حَتَّى أنختها ... إِلَى ابْن رَسُول الْأمة المتخير)
(فَلَا تدعني إِذْ رحلت إِلَيْكُم ... بنى هَاشم أَن تصدروني بمصدر)
قَالَ أَبُو الْفرج كَانَ عُيَيْنَة هَذَا شَاعِرًا خَبِيث اللِّسَان مخوف المعرة فِي جاهليته وإسلامه وَكَانَ يقدم على أُمَرَاء الْعرَاق وأشراف النَّاس فَيُصِيب مِنْهُم بِشعرِهِ قَالَ وَكَانَ حليفًا لجميل بن معمر الْقرشِي وَمن شعر عبد الله بن الْعَبَّاس وَكَانَ أَبوهُ الْعَبَّاس أَيْضا شَاعِرًا
(إِذا طارقات الْهم ضاجعت الْفَتى ... وأعمل فكر اللَّيْل وَاللَّيْل عاكر)
(وباكرني فِي حَاجَة لم يجد لَهَا ... سواى وَلَا من نكبة الدَّهْر نَاصِر)
1 / 22