هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى
محقق
محمد أحمد الحاج
الناشر
دار القلم- دار الشامية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٦هـ - ١٩٩٦م
مكان النشر
جدة - السعودية
تصانيف
العقائد والملل
مَحَبَّةُ الْآبَاءِ وَالْأَسْلَافِ وَحُسْنُ الظَّنِّ بِهِمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ مَحَبَّةُ إِلْفِهِ لِلدِّينِ الَّذِي نَشَأَ عَلَيْهِ، فَجُبِلَ بِطَبْعِهِ، فَصَارَ انْتِقَالُهُ عَنْهُ كَمُفَارِقَةِ الْإِنْسَانِ مَا طُبِعَ عَلَيْهِ، وَأَنْتَ تَرَى هَذَا السَّبَبَ كَيْفَ هُوَ الْغَالِبُ الْمُسْتَوْلِي عَلَى أَكْثَرَ بَنِي آدَمَ فِي إِيثَارِهِمْ مَا اعْتَادُوهُ مِنَ الْمَطَاعِمِ وَالْمَشَارِبِ وَالْمَلَابِسِ وَالْمَسَاكِنِ وَالدِّيَانَاتِ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ وَأَوْفَقُ بِكَثِيرٍ.
وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ التَّقْلِيدُ وَالْجَهْلُ وَهُمُ الْأَتْبَاعُ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ عِلْمٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ الْخَوْفُ مِنْ فَوَاتِ مَحْبُوبٍ أَوْ حُصُولِ مَرْهُوبٍ، فَلِمَ يَنْسُبُ هَاتَيْنِ الْأُمَّتَيْنِ إِلَى الْغَرَضِ الْمَذْكُورِ وَحْدَهُ؟
الثَّالِثُ: أَنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْأُمَمَ الَّذِينَ كَانُوا عَلَيْهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ عَدَدًا وَأَغْزَرَ عُقُولًا مِنْهُمْ، وَكُلُّهُمُ اخْتَارَ الْعَمَى عَلَى الْهُدَى، وَالْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ بَعْدَ الْبَصِيرَةِ، فَلِهَاتَيْنِ الْأُمَّتَيْنِ سَلَفٌ كَثِيرٌ وَهُمْ أَكْثَرُ الْخَلْقِ.
الرَّابِعُ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ وَمَنْ دُونِهِ إِنَّمَا أَسْلَمُوا فِي وَقْتِ شِدَّةٍ مِنَ الْأَمْرِ وَقِلَّةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَضَعْفٍ وَحَاجَةٍ، وَأَهْلُ الْأَرْضِ مُطْبِقُونَ عَلَى عَدَاوَتِهِمْ، وَالْيَهُودُ وَالْمُشْرِكُونَ هُمْ أَهْلُ الشَّوْكَةِ وَالْعُدَّةِ وَالْحَلَقَةِ وَالسِّلَاحِ، وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابُهُ إِذْ ذَاكَ قَدْ أَوَوْا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَأَعْدَاؤُهُمْ يَطْلُبُونَهُمْ فِي كُلِّ وَجْهٍ، وَقَدْ بَذَلُوا الرَّغَائِبَ لِمَنْ جَاءَهُمْ بِهِمْ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَصَاحِبُهُ وَخَادِمُهُمْ وَاسْتَخْفُوا ثَلَاثًا فِي غَارٍ تَحْتَ الْأَرْضِ، ثُمَّ خَرَجُوا بَعْدَ ثَلَاثٍ عَلَى غَيْرِ الطَّرِيقِ إِلَى أَنْ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ، وَالشَّوْكَةُ وَالْعَدَدُ وَالْعُدَّةُ فِيهَا لِلْيَهُودِ وَالْمُشْرِكِينَ، فَأَسْلَمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ حِينَ مَقْدَمِ النَّبِيِّ ﷺ الْمَدِينَةَ، لَمَّا رَأَى أَعْلَامَ النُّبُوَّةَ الَّتِي كَانَ يَعْرِفُهَا وَشَاهَدَهَا فِيهِ، وَتَرَكَ الْأَغْرَاضَ الَّتِي مَنَعَتِ الْمَغْضُوبَ عَلَيْهِمْ مِنَ
2 / 438