حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني
محقق
يوسف الشيخ محمد البقاعي
الناشر
دار الفكر
رقم الإصدار
الأولى
مكان النشر
بيروت
تصانيف
الفقه المالكي
الْجَنَّةَ فَأَعَدَّهَا) أَيْ هَيَّأَهَا وَيَسَّرَهَا (دَارَ) أَيْ مَنْزِلَ (خُلُودٍ) وَاسْتِقْرَارٍ مُؤَبَّدٍ (لِأَوْلِيَائِهِ) جَمْعُ وَلِيٍّ، وَالْمُرَادُ بِهِمْ هُنَا الْمُؤْمِنُونَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِمْ مَنْ فِيهِ صِفَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى الْإِيمَانِ بِاتِّفَاقِ الشُّيُوخِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: بَعْدُ وَخَلَقَ النَّارَ فَأَعَدَّهَا دَارَ خُلُودٍ لِمَنْ كَفَرَ بِهِ.
قَالَ ابْنُ الْقُشَيْرِيِّ: لَا يَعْلَمُ مَحَلَّهُمَا إلَّا اللَّهُ تَعَالَى.
(وَ) مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ أَنَّ اللَّهَ ﷾ (أَكْرَمَهُمْ) أَيْ أَوْلِيَاءَهُ الْمُؤْمِنِينَ (فِيهَا) أَيْ فِي الْجَنَّةِ (بِالنَّظَرِ إلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ) الْمُرَادُ بِالْوَجْهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ
ــ
[حاشية العدوي]
فَيُقَالُ: أَدْخِلْ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِك مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ» الْحَدِيثَ. وَفِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ الْمَذْكُورِ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي الْمَقْصُودِ حَيْثُ يَقُولُ: «فَأَقُولُ يَا رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي فَيُقَالُ: أَطْلِقْ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ بُرَّةٍ أَوْ شَعِيرَةٍ مِنْ إيمَانٍ» فَأَخْرِجْهُ مِنْهَا إلَخْ.
وَأَحَادِيثُ الشَّفَاعَةِ لَا تَكَادُ تَنْحَصِرُ، وَأَجْمَعَ السَّلَفُ عَلَى قَبُولِهَا وَصِحَّتِهَا اهـ. الْمُرَادُ مِنْهُ فَمِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْفَاكِهَانِيُّ حَيْثُ قَالَ: وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ «إنِّي ادَّخَرْت شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي» . تَتِمَّةٌ لَا مَفْهُومَ لِمَا ذَكَرَهُ بَلْ وَرَدَتْ الْأَحَادِيثُ بِشَفَاعَةِ الْإِسْلَامِ وَالْقُرْآنِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَالْمَوْلَى ﷿، فَيَشْفَعُ فِي جَمَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَمَلُ خَيْرٍ قَطُّ وَالْأَوْلَادُ الصِّغَارُ يَشْفَعُونَ لِآبَائِهِمْ.
[قَوْلُهُ: وَاسْتِقْرَارٍ مُؤَبَّدٍ] أَتَى بِهِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْخُلُودِ طُولَ الْمُكْثِ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ، وَأَفَادَ اللَّقَانِيُّ أَنَّ الْخُلُودَ مَتَى أُطْلِقَ لَا يَنْصَرِفُ إلَّا لِلتَّأْبِيدِ الَّذِي هُوَ الْحَقِيقَةُ، وَاسْتَحَقُّوا التَّأْبِيدَ؛ لِأَنَّ نِيَّتَهُمْ الْبَقَاءُ عَلَى الْإِيمَانِ مَا دَامُوا فِي الدُّنْيَا. [قَوْلُهُ: جَمْعُ وَلِيٍّ] فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ، أَيْ مَنْ تَوَلَّى اللَّهَ فَلَمْ يَجْحَدْهُ أَوْ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ أَيْ مَنْ تَوَلَّاهُ اللَّهُ فَلَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ حِرْزِهِ بِحَيْثُ يَخْلُدُ فِي النَّارِ بَلْ فِي حِفْظِهِ مِنْ حَيْثُ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِهِمْ هُنَا الْمُؤْمِنُونَ] أَيْ مِنْ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ إذْ الصَّحِيحُ كَمَا قَالَ اللَّقَانِيُّ: أَنَّ الْجِنَّ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَيَنْعَمُونَ فِيهَا بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَغَيْرِهِمَا، وَقِيلَ: لَا يَدْخُلُونَهَا بَلْ يَكُونُ ثَوَابُهُمْ أَنْ يَنْجُوا مِنْ النَّارِ. ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ: كُونُوا تُرَابًا كَالْبَهَائِمِ هَذَا فِي الْمُؤْمِنِ الطَّائِعِ، وَأَمَّا الْعَاصِي مِنْ الْجِنِّ فَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُعَذَّبُ فِي جَهَنَّمَ، وَأَمَّا الْمَلَائِكَةُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُمْ لَا يُثَابُونَ فِي الْجَنَّةِ وَلَوْ كَانُوا سَاكِنِينَ بِهَا، كَمَا أَنَّهُمْ لَا يَنَالُونَ عَذَابَ النَّارِ مَعَ كَوْنِهِمْ خَزَنَتُهَا، وَأَنَّ مَعْنَى كَوْنِهِمَا دَارَيْ ثَوَابٍ وَعِقَابٍ أَنَّ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ لَا يَكُونَانِ إلَّا فِيهِمَا.
قَالَ اللَّقَانِيُّ: وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ كَلَامَ هَذَا الْبَعْضُ وَرَدَ فِي بَعْضِ الْآثَارِ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا لَهُ، وَأَنَّ الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَتَحَرَّرُ بِالْبِنَاءِ عَلَى تَكْلِيفِ الْمَلَائِكَةِ وَعَدَمِهِ اهـ.
[قَوْلُهُ: مَنْ فِيهِ صِفَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى الْإِيمَانِ] بَيَّنَ التَّتَّائِيُّ تِلْكَ الصِّفَةَ بِقَوْلِهِ: مِنْ سَلَامَةِ لِسَانِهِ مِنْ الْمُهْلِكَاتِ وَقَلْبِهِ مِنْ الشُّبُهَاتِ وَعَمَلِهِ مِنْ الْمُبْطِلَاتِ.
[قَوْلُهُ: يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدُ إلَخْ] وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ لَمَّا قَابَلَهُ بِالْكَافِرِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مُطْلَقُ الْمُؤْمِنِ. [قَوْلُهُ: قَالَ ابْنُ الْقُشَيْرِيِّ إلَخْ] ذِكْرُهُ لِكَلَامِ ابْنِ الْقُشَيْرِيِّ يَدُلُّ عَلَى اعْتِمَادِهِ وَأَنَّ الْحَقَّ تَفْوِيضُ عِلْمِ مَحَلِّ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ إلَى عِلْمِ الْعَلِيمِ الْخَبِيرِ، لَكِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: وَلَكِنَّ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ قَدْ وَرَدَتْ بِأَنَّ الْجَنَّةَ فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، وَذَهَبَ إلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ حَيْثُ قَالُوا: إنَّ الْجَنَّةَ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَتَحْتَ الْعَرْشِ، وَإِنَّهُ سَقْفُهَا وَلَمْ يَصِحَّ فِي مَكَانِ النَّارِ شَيْءٌ، وَقِيلَ: إنَّ النَّارَ تَحْتَ الْأَرْضِينَ السَّبْعِ، وَقِيلَ: إنَّهَا مُحِيطَةٌ بِالدُّنْيَا وَالْجَنَّةُ بَعْدَهَا اهـ.
[قَوْلُهُ: أَيْ أَوْلِيَاءَهُ الْمُؤْمِنِينَ فِيهَا] أَيْ وَأَمَّا الْكَافِرُ فَلَا يَدْخُلُهَا فَلَا تُعْقَلُ لَهُ رُؤْيَةٌ فِيهَا، وَيَرَاهُ الْمُؤْمِنُ فِي الْمَوْقِفِ أَيْضًا دُونَ الْكَافِرِ. وَقِيلَ: يَرَاهُ ثُمَّ يُحْجَبُ لِيَكُونَ عَلَيْهِ حَسْرَةٌ [قَوْلُهُ: صِفَةٌ لِلَّهِ] أَيْ كَالْقُدْرَةِ
1 / 84