حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني
محقق
يوسف الشيخ محمد البقاعي
الناشر
دار الفكر
رقم الإصدار
الأولى
مكان النشر
بيروت
تصانيف
الفقه المالكي
الْفَوْرِ عَلَى الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ مَنْ أَخَّرَهَا عَصَى ثَبَتَ وُجُوبُهَا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، وَتَوْبَةُ الْكَافِرِ مَقْبُولَةٌ قَطْعًا إجْمَاعًا، وَاخْتُلِفَ فِي تَوْبَةِ الْمُؤْمِنِ الْعَاصِي هَلْ هِيَ مَقْبُولَةٌ شَرْعًا أَيْ ظَنًّا وَصَحَّحَ أَوْ قَطْعًا وَشُهِرَ.
وَاخْتُلِفَ إذَا أَذْنَبَ التَّائِبُ هَلْ تَعُودُ إلَيْهِ ذُنُوبُهُ أَمْ لَا؟ وَالصَّحِيحُ لَا. وَلِلتَّوْبَةِ شُرُوطٌ ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّل النَّدَمُ عَلَى مَا مَضَى مِنْهُ مِنْ الْمَعْصِيَةِ لِرِعَايَةِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، فَمَنْ تَرَكَ الْمَعْصِيَةَ مِنْ غَيْرِ نَدَمٍ لَا يَكُونُ تَائِبًا شَرْعًا وَكَذَلِكَ مَنْ نَدِمَ عَلَيْهَا لِكَوْنِهَا
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: مَنْ أَخَّرَهَا عَصَى] أَيْ وَيَجِبُ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ مِنْ تَأْخِيرِهَا قَالَهُ ابْنُ قَاسِمٍ أَيْ وَلَوْ كَانَ الذَّنْبُ صَغِيرَةً فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَوْبَتَانِ قَالَ فِي شَرْحِ الْعَقِيدَةِ: فَيَلْزَمُ بِتَأْخِيرِ التَّوْبَةِ عَنْ مَعْصِيَةِ لَحْظَةٍ أَيْ بِقَدْرِ مَا يُمْكِنُ فِيهِ التَّوْبَةُ ذَنْبٌ آخَرُ وَهُوَ ذَنْبُ التَّأْخِيرِ الْمُحَرَّمِ بِالْإِجْمَاعِ فَتَجِبُ التَّوْبَةُ مِنْ هَذَا التَّأْخِيرِ أَيْضًا كَمَا وَجَبَتْ مِنْ الْمَعْصِيَةِ الْأُولَى وَهَلُمَّ جَرًّا حَتَّى ذَكَرُوا أَنَّ تَأْخِيرَ التَّوْبَةِ مِنْ الْكَبِيرَةِ زَمَنًا وَاحِدًا يَلْزَمُ كَبِيرَتَانِ: الْمَعْصِيَةُ وَتَرْكُ التَّوْبَةِ مِنْهَا، وَزَمَانَيْنِ أَرْبَعٌ الْأُولَيَانِ وَتَرْكُ التَّوْبَةِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَثَلَاثُ أَزْمَانٍ ثَمَانُ كَبَائِرَ، وَأَرْبَعَةُ أَزْمَانٍ سِتَّةَ عَشَرَ، وَهَكَذَا تَتَضَاعَفُ الْكَبَائِرُ حَسَبَ تَضَاعُفِ بُيُوتِ الشِّطْرَنْجِ فِي فَنِّ الْحِسَابِ، فَمَهْمَا زَادَ فِي التَّأْخِيرِ زَمَنًا زَادَ فِي الْكَبَائِرِ ضَعْفُ مَا حَصَلَ قَبْلَ ذَلِكَ اهـ.
وَأَقَرَّهُ عج وَرَدَّهُ اللَّقَانِيُّ بِأَنَّ هَذِهِ طَرِيقَةُ الْمُعْتَزِلَةِ عَلَى مَا نَقَلَهُ عَنْ السَّعْدِ قَائِلًا أَيْ اللَّقَانِيُّ فَإِنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ أَئِمَّتِنَا أَنَّ تَأْخِيرَ التَّوْبَةِ مَعْصِيَةٌ وَاحِدَةٌ يَجِبُ مِنْهَا التَّوْبَةُ، وَلَا يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ أَزْمِنَةِ الِاسْتِمْرَارِ عَلَيْهَا، لَكِنْ لَمْ أَقِفْ عَلَى تَصْرِيحٍ بِهِ فِي كَلَامِ مَنْ وَقَفَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ اهـ.
[قَوْلُهُ: وَتَوْبَةُ الْكَافِرِ] أَيْ مِنْ كُفْرِهِ وَأَمَّا مَنْ غَيْرَهُ فَكَالْمُؤْمِنِ الْعَاصِي كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اللَّقَانِيُّ. [قَوْلُهُ: مَقْبُولَةٌ قَطْعًا] أَيْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا﴾ [الأنفال: ٣٨] إلَخْ.
وَقَالَ ﵊: «الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» وَهَلْ يُشْتَرَطُ مَعَ الْإِيمَانِ النَّدَمُ عَلَى الْكُفْرِ وَبِهِ قَالَ الْإِمَامُ وَرَجَّحَهُ اللَّقَانِيُّ وَجَزَمَ بِهِ الْقُرْطُبِيُّ أَوْ لَا؟ . وَبِهِ قَالَ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ كُفْرَهُ يُمْحَى بِإِيمَانِهِ وَإِقْلَاعِهِ.
[قَوْلُهُ: هَلْ هِيَ مَقْبُولَةٌ شَرْعًا] أَيْ فَاتَّفَقُوا عَلَى قَبُولِهَا شَرْعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ﴾ [الشورى: ٢٥] وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي الْقَطْعِ وَالظَّنِّ. [قَوْلُهُ: ظَنًّا] أَيْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ﴾ [التوبة: ١٥] فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إلَيْهِ إنْ شَاءَ، وَمَا زَالَتْ الصَّحَابَةُ وَالسَّلَفُ يَرْغَبُونَ فِي قَبُولِهِمْ طَاعَاتِهِمْ وَلَوْ كَانَتْ مَقْبُولَةً قَطْعًا لَمَا طَلَبُوا قَبُولَهَا، فَإِنْ قِيلَ قَالَ تَعَالَى ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ﴾ [الشورى: ٢٥] إلَخْ قُلْنَا: لَا عُمُومَ فِيهَا وَلَوْ سُلِّمَ فَيُحْتَمَلُ التَّخْصِيصُ بِبَعْضِ النَّاسِ أَوْ بِبَعْضِ الذُّنُوبِ فَلَا قَطْعَ.
[قَوْلُهُ: وَصَحَّحَ] أَيْ قِيلَ وَهُوَ الصَّحِيحُ [قَوْلُهُ: أَوْ قَطْعًا] لَا يُقَالُ: إنَّ هَذَا الْقَوْلَ يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ أَنَّ اللَّهَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَأَنَّ لَهُ أَنْ يُثِيبَ الْعَاصِيَ وَيُعَاقِبَ الطَّائِعَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا مُنَافَاةَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ بِاعْتِبَارِ الْعَقْلِ وَأَنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَفْعَلَ مَا يَشَاءُ، وَالْقَطْعُ الْمَحْكُومُ بِهِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ وَعْدِ الْمَوْلَى ﵎.
[قَوْلُهُ: وَشُهِرَ] أَيْ قِيلَ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَشْهُورَ قَدْ قِيلَ فِيهِ مَا كَثُرَ قَائِلُهُ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ التَّصْحِيحِ كَوْنُهُ مَشْهُورًا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ مَشْهُورًا أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا لِجَوَازِ أَنْ يَصِحّ قَوْلُ الْأَقَلِّ. [قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ لَا] ظَاهِرُهُ وَلَوْ عَادَ لِمَجْلِسِ التَّوْبَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَكِنْ يُجَدِّدُ تَوْبَةً لِمَا اقْتَرَفَ، وَإِذَا تَابَ مِنْ بَعْضِ الذُّنُوبِ دُونَ بَعْضٍ فَالصَّحِيحُ الْقَبُولُ بِدَلِيلِ صِحَّةِ إيمَانِ الْكَافِرِ مَعَ إدَامَتِهِ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ [قَوْلُهُ: النَّدَمُ] هُوَ تَحَزُّنٌ وَتَوَجُّعٌ عَلَى أَنْ فَعَلَ وَتَمَنَّى كَوْنَهُ لَمْ يَفْعَلْ وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا كَمَا ذَكَرَهُ اللَّقَانِيُّ وَعِجْ.
[قَوْلُهُ: لِرِعَايَةِ حَقِّ اللَّهِ] أَيْ لِكَوْنِهَا مَعْصِيَةً كَمَا عَبَّرَ سَعْدُ الدِّينِ، وَأَمَّا النَّدَمُ لِخَوْفِ النَّارِ أَوْ لِلطَّمَعِ فِي الْجَنَّةِ فَفِيهِ تَرَدُّدٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَا ذُكِرَ هَلْ يَكُونُ نَدَمًا عَلَيْهَا لِقُبْحِهَا وَلِكَوْنِهَا مَعْصِيَةً أَوْ لَا؟ وَكَذَا النَّدَمُ عَلَيْهَا لِقُبْحِهَا مَعَ غَرَضٍ آخَرَ، وَالْحَقُّ أَنَّ جِهَةَ الْقُبْحِ إنْ كَانَتْ بِحَيْثُ لَوْ انْفَرَدَتْ لَتَحَقَّقَ النَّدَمُ فَتَوْبَةٌ وَإِلَّا فَلَا يَكُون تَوْبَةً كَمَا إذَا كَانَ الْغَرَضُ مَجْمُوعَ الْأَمْرَيْنِ لَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ذَكَرَهُ اللَّقَانِيُّ عَنْ سَعْدِ الدِّينِ، وَتُقْبَلُ التَّوْبَةُ فِي الْمَرَضِ الْمَخُوفِ مَا لَمْ تَظْهَرْ عَلَامَاتُ الْمَوْتِ.
قَالَ سَعْدُ الدِّينِ: هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ ﷺ
1 / 79