حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني
محقق
يوسف الشيخ محمد البقاعي
الناشر
دار الفكر
رقم الإصدار
الأولى
مكان النشر
بيروت
تصانيف
الفقه المالكي
بِمَعْنَى الْمُحْكَمِ أَيْ الَّذِي أُحْكِمَتْ فِيهِ عُلُومُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، أَوْ لِأَنَّهُ أُحْكِمَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَقَعُ فِيهِ اخْتِلَافٌ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا﴾ [النساء: ٨٢] (وَشَرَحَ) بِمَعْنَى فَتَّحَ وَوَسَّعَ (بِهِ) أَيْ بِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ (دِينَهُ) أَيْ دِينَ الْإِسْلَامِ (الْقَوِيمَ) أَيْ الْمُسْتَقِيمَ (وَهَدَى بِهِ) أَيْ بِالنَّبِيِّ ﷺ (الصِّرَاطَ) الْمُرَادُ بِهِ هُنَا دِينُ الْإِسْلَامِ (الْمُسْتَقِيمَ) أَيْ الَّذِي لَا اعْوِجَاجَ فِيهِ.
(وَ) مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ (أَنَّ السَّاعَةَ) وَهِيَ الْقِيَامَةُ أَيْ انْقِرَاضُ الدُّنْيَا (آتِيَةٌ) أَيْ جَائِيَةٌ (لَا رَيْبَ) أَيْ لَا شَكَّ (فِيهَا) فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَرُسُلِهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ، مَنْ كَذَّبَ بِذَلِكَ فَهُوَ كَافِرٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا﴾ [الفرقان: ١١] وَلَا يَعْلَمُ وَقْتَ مَجِيئِهَا عَلَى الْحَقِيقَةِ
ــ
[حاشية العدوي]
إنَّمَا أُلْقِيَ الْمَعْنَى عَلَى قَلْبِ النَّبِيِّ ﷺ عَبَّرَ عَنْهُ أَفَادَ ذَلِكَ عج. [قَوْلُهُ: أَيْ الَّذِي أُحْكِمَتْ فِيهِ] أَيْ جُمِعَتْ فِيهِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْمُحْكَمَ، أَصْلُهُ الْمُحْكَمُ فِيهِ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الْحَذْفِ وَالْإِيصَالِ. [قَوْلُهُ: عُلُومُ الْأَوَّلِينَ] أَيْ مَا قَبْلَ نَبِيِّنَا وَالْآخِرِينَ هُمْ أُمَّةُ نَبِيِّنَا أَيْ جُمِعَتْ فِيهِ تِلْكَ الْعُلُومُ يُدْرِكُهَا مِنْهُ مَنْ نَوَّرَ اللَّهُ بَصِيرَتَهُ.
[قَوْلُهُ: أَوْ لِأَنَّهُ أُحْكِمَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَقَعُ فِيهِ اخْتِلَافٌ] أَيْ أُتْقِنَ عَلَى وَجْهٍ [قَوْلُهُ: لَا يَقَعُ فِيهِ] أَيْ الْقُرْآنِ، هَذَا تَفْرِيعٌ بِحَسَبِ الْمَعْنَى عَلَى مَا قَبْلَهُ، أَيْ أُتْقِنَ عَلَى وَجْهٍ عَظِيمٍ فَصَارَ لَا يَقَعُ فِيهِ اخْتِلَافٌ أَصْلًا أَيْ تَنَاقُضٌ مِنْ حَيْثُ التَّحْرِيمُ وَالتَّحْلِيلُ، وَإِنَّمَا قُلْنَا أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ تَعُمُّ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﷿ ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ﴾ [النساء: ٨٢] إلَخْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَضْلًا عَنْ الْقَلِيلِ لَكِنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَلَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافٌ أَصْلًا لَا كَثِيرًا وَلَا قَلِيلًا.
[قَوْلُهُ: بِمَعْنَى فَتَّحَ وَوَسَّعَ] هَذَا مَعْنَاهُ لُغَةً، وَالْقَصْدُ مِنْهُ لَازِمُ ذَلِكَ وَهُوَ الْبَيَانُ وَالْإِظْهَارُ فَهُوَ مَجَازٌ مِنْ إطْلَاقِ الْمَلْزُومِ وَإِرَادَةِ اللَّازِمِ، وَالْمَعْنَى وَأَظْهَرَ وَبَيَّنَ دِينَ الْإِسْلَامِ أَيْ الْأَحْكَامَ اعْتِقَادِيَّةً وَفَرْعِيَّةً عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ﷺ[قَوْلُهُ: أَيْ الْمُسْتَقِيمَ] أَيْ فَقَوْلُهُ الْقَوِيمَ تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ بِحَذْفِ الْكَافِ أَيْ الَّذِي هُوَ كَالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ أَوْ اسْتِعَارَةٌ، وَلَكِنَّ هَذَا إذَا كَانَتْ الِاسْتِقَامَةُ حَقِيقَةٌ فِي الطَّرِيقِ الْحِسِّيَّةِ وَمَعْنَى مُسْتَقِيمٍ أَنَّهُ لَا اعْوِجَاجَ فِيهِ [قَوْلُهُ: وَهَدَى بِهِ] يُحْتَمَلُ وَبَيَّنَ بِهِ إلَخْ. فَيَكُونُ عَيْنُ الْجُمْلَةِ الْأُولَى وَقَصْدُهُ التَّثْبِيتُ الْمُبْتَدِئُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَعْنَى وَهَدَى النَّاسَ إلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ أَيْ وَفَّقَهُمْ إلَيْهِ بِسَبَبِ نَبِيِّهِ ﷺ فَيَكُونُ الصِّرَاطُ مَنْصُوبًا عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ. [قَوْلُهُ: الْمُرَادُ بِهِ هُنَا دِينُ الْإِسْلَامِ] أَيْ لَا الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ، فَشَبَّهَ دِينَ الْإِسْلَامِ بِالصِّرَاطِ وَاسْتُعِيرَ اسْمُ الْمُشَبَّهِ بِهِ لِلْمُشَبَّهِ فَهِيَ اسْتِعَارَةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ وَقَوْلُهُ: الْمُسْتَقِيمَ وَصْفٌ لِلصِّرَاطِ بِحَسَبِ مَعْنَاهُ الْأَصْلِيِّ فَلْيَكُنْ تَرْشِيحًا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ دِينُ الْإِسْلَامِ أَيْ هَذَا التَّرْكِيبُ الْإِضَافِيُّ صَارَ عَلَمًا عَلَى تِلْكَ الْأَحْكَامِ.
[قَوْلُهُ: أَيْ انْقِرَاضُ الدُّنْيَا إلَخْ] اعْلَمْ أَنَّهُ سَيَأْتِي لِلشَّارِحِ أَنَّ أَوَّلَ السَّاعَةِ النَّفْخَةُ الثَّانِيَةُ إلَى أَنْ تَسْتَقِرَّ النَّاسُ فِي الدَّارَيْنِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ أَوْ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى لَا مِنْ الْأَوْلَى خِلَافًا لتت، فَإِذَا عَلِمْت أَنَّهَا مِنْ النَّفْخَةِ الثَّانِيَةِ فَتَعْلَمُ أَنَّهَا بَعْدَ انْقِرَاضِ الدُّنْيَا لَا أَنَّهَا نَفْسُ انْقِرَاضِ الدُّنْيَا وَالنَّفْخَةُ الْأُولَى لِلْإِمَاتَةِ وَالثَّانِيَةُ لِلْإِحْيَاءِ وَبَيْنَهُمَا أَرْبَعُونَ سَنَةً، وَقِيلَ: ثَلَاثٌ: نَفْخَةُ الْفَزَعِ وَنَفْخَةُ الْمَوْتِ وَنَفْخَةُ الْإِحْيَاءِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ.
[قَوْلُهُ: أَيْ جَائِيَةٌ] الْإِتْيَانُ حَقِيقَةٌ فِي الْأَجْرَامِ مَجَازٌ فِي غَيْرِهَا، فَإِسْنَادُ الْمَجِيءِ إلَيْهَا مَجَازٌ عَقْلِيٌّ: [قَوْلُهُ: أَيْ لَا شَكَّ فِيهَا] أَرَادَ بِهِ مُطْلَقَ التَّرَدُّدِ فَيَشْمَلُ الظَّنَّ وَالْوَهْمَ.
[قَوْلُهُ: فِي عِلْمِ اللَّهِ] أَيْ فِي مَوْصُوفِ عِلْمِ اللَّهِ أَيْ الَّذِي هُوَ الذَّاتُ الْعَلِيَّةُ، أَيْ أَنَّ الذَّاتَ الْعَلِيَّةَ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا لَيْسُوا مَوْصُوفِينَ بِالشَّكِّ، وَهَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: إنَّهُ قَدْ شَكَّ فِيهَا كَثِيرٌ، وَخُلَاصَةُ الْجَوَابِ أَنَّ نَفْيَ الشَّكِّ بِحَسَبِ ذَاتِ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَمَلَائِكَتِهِ، وَأُجِيبُ بِجَوَابٍ آخَرَ بِأَنَّ الْمَعْنَى مَا حَقُّهَا أَنْ يُرْتَابَ فِيهَا. [قَوْلُهُ: مَنْ كَذَّبَ بِذَلِكَ] أَيْ أَوْ تَرَدَّدَ، فَلَعَلَّ الْآيَةَ وَارِدَةٌ فِيمَنْ كَذَّبَ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْحَقِيقَةِ] أَيْ وَأَمَّا عَلَى الْإِجْمَالِ فَهِيَ مَعْلُومَةٌ مِنْ حَيْثُ حُصُولُ الْأَمَارَاتِ. [قَوْلُهُ: لَكِنْ لَهَا أَشْرَاطٌ] أَيْ عَلَامَاتٌ
1 / 74