حاشية محيي الدين زاده على تفسير القاضي البيضاوي
تصانيف
تغلب المستعلية لما فيها من التكرير . وغشاوة رفع بالابتداء عند سيبويه وبالجار والمجرور عند الأخفش، ويؤيده العطف على الجملة الفعلية. وقرىء بالنصب على تقدير وجعل والكسائي رحمه الله في رواية الدوري عنه يميلانها. قال في الشاطبية:
وفي الفات قبل راطرف أتت ... بكسر أمل تدعى حميد أو تقبلا
كأبصارهم والدار ثم الحمار مع ... حمارك والكفار واقتس لتنضلا
والمعنى أوقع الإمالة في الفات واقعة قبل راء متطرفة مكسورة «تدعى» أي تسمى محمودا وتقبل ولا ترد ولا يرد ما قرأت به، والتاء في قوله: «تدعى» رمز الدوري عن الكسائي رحمهما الله، والحاء في قوله: «حميدا» رمز أبي عمرو، وقوله رحمه الله: «واقتس لتنضلا» معناه قس على هذه الأمثلة ما شابهها فأمله لهما «لتنضلا» أي لتغلب في النضال يقال: ناضل القوم فنضلهم إذا راماهم فغلبهم في الرمي. وعلة إمالة ذلك طلب الخفة لأن الألف التي بعدها كسرة إذا أميلت قربت من الياء وقربت الفتحة التي قبلها من الكسرة فعمل اللسان عملا واحدا مستقلا، وذلك أخف من أن يعمل متصعدا بالفتحة والألف ثم يهبط مستقلا بالكسرة لا سيما كسرة الراء قويت وقامت مقام كسرتين من حيث إن الراء حرف تكرير قائم مقام حرفين فغلبت على الصاد المستعلية لذلك. والله أعلم. قوله: (ويؤيده) أي يؤيد رأي الأخفش رحمه الله. ووجه التأييد أن الكلام على رأيه يكون جملة ظرفية والفعل أصل في العمل، فلذلك ذهب أكثر النحاة رحمهم الله إلى أن الظرف مقدر بالفعل، فالتقدير في الآية الشريفة: واستقرت على أبصارهم غشاوة، فيحصل التناسب في ذلك بين المعطوف والمعطوف عليه بخلاف ما إذا حمل الكلام على الجملة الإسمية كما هو رأي سيبويه رحمه الله. قوله: (وقرىء بالنصب) أي بنصب لفظ غشاوة بكسر الغين المعجمة. ذكر لنصبه وجهين: الأول: إضمار فعل مناسب للمقام يدل عليه ختم أي وجعل أو أحدث على أبصارهم غشاوة. وقد صرح بهذا العامل في قوله سبحانه وتعالى: وجعل على بصره غشاوة [الجاثية: 23] فيكون الكلام من قبيل قوله:
يا ليت زوجك قد غدا ... متقلدا سيفا ورمحا
أي وحاملا رمحا. وقوله:
علفتها تبنا وماء باردا
أي وسقيتها ماء باردا، ولا تسلك هذه الطريقة حال السعة والاختيار. والثاني: انتصابه بنزع الخافض فيكون قوله سبحانه وتعالى: وعلى أبصارهم معطوفا على ما قبله،
صفحة ٢٤٩