وأما تلك الكمالات الزائدة، فإنما تكون باعتبار قرب المكلف إلى الله تعالى بسبب استشعاره لعظمة الله تعالى وكبريائه وشمول قدرته وعلمه، وذلك لإشراق نفسه واطلاعها على ما في مصنوعات الله تعالى من الأحكام والاتقان والحكم والمصالح.
فإن النفس إذا لاحظت هذه البدائع الغريبة العظيمة التي تحار في تعقلها مع علمها بأنها تشترك في الإمكان والافتقار إلى صانع يبدعها ويبديها متوحد في ذاته بذاته، انكشف عليها كبرياء ذلك الصانع وعظمته وجلاله وإحاطته بكل شئ، فيكثر خوفها وخشيتها واحترامها لذلك الصانع، حتى كأنها لا تشاهد سواه ولا تخشى غيره، فتنقطع عن غيره إليه، وتسلم أزمة أمورها إليه، حيث علمت أن لا رب غيره، وأن المبدأ منه والمعاد إليه.
فلا تزال شاخصة منتظرة لأمره حتى تأتيها، فتفر إليه من ضيق الجهالة إلى سعة مغفرته (1) ورحمته ولطفه، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
وكذا ما ورد في السنة مما يشعر بقبوله الزيادة والنقصان يمكن حمله على ما ذكرناه، كحديث الجوارح ذكره في الكافي في باب طينة المؤمن والكافر عن علي بن إبراهيم عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن قاسم بن بريد (2) قال: حدثنا أبو عمرو الزبيري عن أبي عبد الله عليه السلام بعد كلام طويل قال قلت له: صفه (3) - يعني الإيمان - جعلت فداك حتى أفهمه.
فقال: الإيمان حالات ودرجات وطبقات ومنازل، فمنه التام المنتهي تمامه، ومنه الناقص البين نقصانه.
صفحة ١٠٠