هميان الزاد إلى دار المعاد

اطفيش ت. 1332 هجري
189

هميان الزاد إلى دار المعاد

تصانيف

إلخ { أن الله يعلم ما يسرون } ما يخفيه الذين يحدثون المؤمنين من كل ما يخفونه. { وما يعلنون } وما يظهرونه مما حدثوا به المؤمنين وغيرهم فهم محجوبون مقطوعوا العذر، سواء حدثوا المؤمنين أو لم يحدثوهم، ويجوز عود الواو من يعلمون ويسرون إلى الذين يقولون آمنا إذا لقوا الذين آمنوا. أو إلى القائلين أتحدثونهم، أو إلى الفريقين، أو إلى المحرفين. ومن جملة ما أسروا صفة محمد صلى الله عليه وسلم وما حرفوا من كلام الله وما أخفوه من الكفر وأظهروا الإيمان، ومن جملة ما أظهروه إيمان النفاق، وما بقى من التوراة غير محرف ولم يدعهم داع إلى إخفائه، وما بدلوا به ما فى التوراة.

[2.78]

{ ومنهم } أى من اليهود. { أميون } لا يكتبون ولا يقرءون الكتابة، باقون على حالهم التى خرجوا عليها من بطون أمهاتهم، لم يتعلموا كتابة ولا قراءة كتابة، فذلك نسبة إلى الأم، ويجوز أن يكون نسبوا إلى الأم لأن من شأن النساء ألا يكتبن ولا يقرأن كتابة لا إلى الأب، لأن من شأن الرجال أن يكتبوا ويقرءوا الكتابة كما قيل فى النبى الأمى صلى الله عليه وسلم أنه نسب إلى أمة العرب لقلة الكتابة فيهم، وقرأتها حين بعث صلى الله عليه وسلم، وقيل إنما ذلك فى اللغة، وأما فى العرف فالأميون العوام، وأقول هو خارج عما ذكرت لأن الكاتب الذى يقرأ الكتاب قد خرج عن العامة بالكتابة والقراءة، وغيره من العامة باعتبار عدمهما، ولو كان من الخاصة بسبب آخر فعلى ما ذكرته يكون قوله { لا يعلمون الكتاب } تأكيدا فى المعنى لقوله أميون، أو تفسيرا له، وأما على أن الأميين العوام فهذا تفسير له باللازم، والكتاب مصدر بمعنى الكتابة، أى لا يعرفون الكتابة فضلا عن أن يطالعوا التوراة فيتحققوا ما فيها، ويجوز أن يكون الكتاب بمعنى التوراة، أى لم يعلموا معانيها وأحكامها، سواء علموا الكتابة أو لم يعلموا وحفظوا بعض ألفاظ التوراة أو لم يحفظوا. { إلا أمانى } جمع أمنية بضم الهمزة وإسكان الميم وكسر النون وتشديد الياء، وهو مفرد بمعنى الخصلة القريبة المتمناة كأصطورة وأضحوكة وأحدوثة وأصله أمنوية أبدلت الواء ياء وأدغمت الياء فى الياء وأبدلت الضمة على النون كسرة، والاستثناء منقطع، أى لكن أمانى تمنوها وطمعوا فيها غير صادقة، أخذوها تقليلا من المحرفين، واعتقدوها صادقة، وهى أن الجنة لا يدخلها إلا من كان هودا، والله يعفو عنهم ويرحمهم، ولا يؤاخذهم بخطاياهم، وأن آباءهم الأنبياء يشفعون لهم، وأن من يدخل منهم النار يخرج منها بعد أيام معدودة، ويجوز أن تكون الأمانى بمعنى الأكاذيب، يقال تمنى أم صدق، أى أكذب أم صدق، قال أعرابى لابن دأب فى شئ حدث به هذا شئ رويته أم تمنيته، أى افتريته وهى الأكاذيب التى قلدوا فيها المحرفين، وقد مر ذكرها ومن ذلك قولهم إن محمدا رسول إلى العرب خاصة، ويجوز أن يكون المعنى إلا قراءات عارية من معرفة المعنى وتدبره بالقلب، وكل ذلك من منى إذا قدر، فإن من يطمع فى شئ ويتمناه يقدره فى نفسه، ويحرزه ويشتغل بتفاصيله، وكذا المفترى، وأما القارئ فيقدر أن كلمة كذا بعد كذا، ولا يقال هذا لا يناسب وصفهم بأنهم أميون، لأنا نقول هم أميون لا يكتبون ولا يقرءون ما كتب، لكن يقرءون بالإملاء لا بالنظر فى التكاب، أو لما كانوا لا يتدبرون ما يقرءون نظرا جعلوا كمن لا يقرأ كتابه، ومن التمنى بمعنى القراءة قول مادح عثمان بعد موته

تمنى كتاب الله أول ليلة تمنى داود الزبور على رسل

أى على مهل، وفى رواية

تمنى كتاب الله أول ليلة وآخره لاقى حمام المقادر

{ وإن هم } أى ما هم. { إلا يظنون } ما سمعوه من المحرفين حقا أو مكتوبا فى التوراة، وليس بحق ولا هو مكتوب فيها، وهم رجعوا أنه حق مكتوب فيها كما هو ظاهر الظن، أو جزموا بأنه حق مكتوب فيها، فإن الظن قد يطلق على الاعتقاد الجازم سواء أصاب المعتقد أم لم يصب.

[2.79]

{ فويل } قال ابن عباس رضى الله عنهما الويل شدة العذاب، وأخرج الترمذى عن أبى سعيد الخذري وقال حديث غريب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

" الويل واد فى جهنم يهوى فيه الكافر أربعين خريفا قبل أن يبلغ قعره "

صفحة غير معروفة