فكانت هذه حالهم(1) بغير مزية حتى جد أمرنا في الخروج إلى نحو الجهة الشهابية(2) فخرجوا للفساد معنا بعد أن قضى جمهورهم، وتفرقت أمورهم، وتسللوا لواذا، واتخذوا الخداع اتجارا(3)، فلما وصلنا قرب البلاد(4) أرسلوا إلى إخوانهم من أهل العناد ألا يهولكم ما نحن عليه من الإبراق والإرعاد، فهو حظنا مع صاحبنا أن لا يريد القتال ولا الجلاد، فأخذوا(5) في التخذيل، وتزهيد الناس فيما نحن عليه جيلا بعد جيل، حتى تضعضعت أمور المسلمين، وظهرت(6) سمات الغلب(7) على الصالحين، وحالفوا قوما على قتالنا(8) ونحن وهم في مكان واحد، فبدرناهم واحتسبنا ما قد عملوه من مكرهم، فصدروا خاذلين، وولوا على أعقابهم منقلبين، وهذه خليقة لا يرتضيها مسلم(9)، ولا يظاهر بمثلها(10) مجرم؛ لأن كثيرا من الكفار وإن تظاهروا بأعمال أهل النار تتنزه عن أن يكون بصفة(11) الغدار، وقبل هذا ما صور(12) ولد أميرهم، وسليل رئيسهم وكبيرهم كور الإسلام بما فعل(13) مع أهل تنعم(14) الأباة الكرام من بيع ثغره بألف مثقال، فصدروه عنه على أقبح حال يتبختر في ثوب الغدر، ويتحلى بحلية أهل المكر، ويجيب عند عتابه بأن أباه أرسل إليه وخرج(1) في تخلية سد ذلك الثغر عليه، فهذا هو النكث على الحقيقة، والبوار العاجل(2) عند هذه الخليقة، أتأمرون الناس بالوفاء وشيمتكم مع المسلمين ظاهرة لا عن خفاء(3) {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون}[البقرة:44].
أتعيروننا بقلة الوفاء بالعقود ولكم ما تقدم من الفعلات بعد العهود المؤكدة، والأيمان المغلظة.
صفحة ٧٦