واختلف أصحابنا في الأرطال، فمنهم من قال عراقية، ومنهم من قال مدنية (1) والأول أظهر في الروايات، والثاني تقتضيه طريقة الاحتياط، لأن الرطل المدني أزيد من العراقي.
فأما مياه الآبار فإنها تنجس بكل ما يقع فيها من النجاسات، قليلا كان ماؤها أو كثيرا على ما قدمناه بالإجماع، وأيضا فلا خلاف بين الصحابة والتابعين في أن ماء البئر يطهر بنزح بعضه.
وهذا يدل على حكمهم بنجاسته على كل حال من غير اعتبار بمقداره، وأن حكمه في ذلك بخلاف حكم ماء الأواني والغدران (2).
ولا يمتنع أن يكون الوجه في اختلاف حكمها، أن ماء البئر يشق نزح جميعه، لبعده عن الأيدي، ولتجدده مع النزح، وليس كذلك ماء الأواني والغدران، ولهذا وجب غسل الأواني بعد إخراج الماء منها لما تيسر وسقط ذلك في الآبار لما تعذر.
وإذا خفف حكم البئر بالحكم بطهارة مائها عند نزح بعضه، وأسقط إيجاب غسلها بخلاف الأواني والغدران، فما المنكر من تغليظ حكمها من وجه آخر؟! وهو إسقاط اعتبار الكثرة في مائها (وما جرى مجراها وهو إيجاب نزحها) (3) بخلاف الأواني والغدران.
فقد صار ما غلظ به حكم الآبار وهو ترك اعتبار الكثرة في مائها، ساقطا في الأواني والغدران وما غلظ به حكم الأواني وما جرى مجراها وهو إيجاب غسلها ساقطا في الآبار وتساويا في باب التغليظ والتخفيف.
صفحة ٤٧