349

الغنية لطالبي طريق الحق

محقق

أبو عبد الرحمن صلاح بن محمد بن عويضة

الناشر

دار الكتب العلمية

الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م

مكان النشر

بيروت - لبنان

تصانيف

(فصل: في فضائل ليلة القدر)
قوله تعالى: ﴿إنا أنزلناه في ليلة القدر ...﴾ [القدر: ١] إلى آخر السورة، فأنزلناه كناية عن القرآن أنزله الله تعالى من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا إلى السفرة، وهم الكتبة من الملائكة، فكان ينزل في تلك الليلة من اللوح المحفوظ على قدر ما ينزل به جبريل ﵇ بإذن الله تعالى إلى النبي ﷺ -في السنة كلها، إلى مثلها من قابل، حتى نزل القرآن كله في ليلة القدر من شهر رمضان إلى سماء الدنيا.
وقال ابن عباس ﵄ -وغيره: ﴿إنا أنزلناه في ليلة القدر﴾ [القدر: ١] يعني أنزلنا جبريل بهذه السورة وجملة القرآن في ليلة القدر على الكتبة ثم نزل بعد ذلك نجمًا نجمًا على رسول الله ﷺ -في ثلاث وعشرين سنة، في سائر الشهور والأيام والليالي والأوقات.
قوله تعالى: ﴿في ليلة القدر﴾ أي في ليلة عظيمة، وقيل: في ليلة الحكم، وسميت ليلة القدر تعظيمًا لها ولقدرها لأن الله تعالى يقدر فيها ما يكون من أمر السنة إلى مثلها من العام المقبل.
ثم قال: ﴿وما أدراك ما ليلة القدر﴾ [القدر: ٢﴾ يا محمد لولا أن الله أعلمك بعظمتها، فكل ما في القرآن ﴿وما أدراك﴾ فقد أعلمه، وما فيه ﴿ومما يدريك﴾ فلم يدره، ولم يطلعه عليه كقوله ﷿: ﴿وما يدريك لعل الساعة تكون قريبًا﴾ بالأحزاب: ٦٣] وما بين له وقتها.
قوله تعالى: ﴿ليلة القدر﴾ أي ليلة العظمة والحكمة.
وقيل: هي الليلة المباركة التي قال الله ﷿: ﴿إنا أنزلناه في ليلة مباركة ... * فيها يفرق كل أمر حكيم﴾ [الدخان: ٣ - ٤] ثم قال ﷿: ﴿ليلة القدر خير من ألف شهر﴾ [القدر: ٣] يعني العمل فيها خير من ألف شهر ليس فيها ليلة القدر.
ويقال أن الصحابة ﵃ -لم يفرحوا بشيء كفرحهم بقوله تعالى: ﴿خير من ألف شهر﴾ وذلك أن رسول الله ﷺ -ذكر يومًا لأصحابه أربعة من بني إسرائيل بأنهم عبدوا الله ثمانين عامًا لم يعصوه طرفة عين، وذكر أيوب وزكريا وحزقيل ويوشع ابن نون ﵈، فعجب أصحاب رسول الله ﷺ -من ذلك، فأتاه جبريل -عليه

2 / 16