غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

محمد بن أحمد السفاريني ت. 1188 هجري
84

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

الناشر

مؤسسة قرطبة

رقم الإصدار

الثانية

سنة النشر

١٤١٤ هجري

مكان النشر

مصر

تصانيف

التصوف
أَنْظُرُ إلَيْهِ، فَقَالَ يَا بُنَيَّ لَتَجِدَنَّ غِبَّهَا وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ، فَبَقِيت عِشْرِينَ سَنَةً وَأَنَا أُرَاعِي ذَلِكَ الْغِبَّ، فَنِمْت لَيْلَةً وَأَنَا مُتَفَكِّرٌ فِيهِ فَأَصْبَحْتُ وَقَدْ نَسِيت الْقُرْآنَ كُلَّهُ. وَفِي تَارِيخِ مَكَّةَ لِلْأَزْرَقِيِّ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَحْمَدَ بْنُ نَصْرٍ الدَّقَّاقُ الْكَبِيرُ قَدَّسَ اللَّهُ سِرَّهُ: جَاوَرْت بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ فَكُنْت أَشْتَهِي اللَّبَنَ، فَغَلَبَتْنِي نَفْسِي فَخَرَجْت إلَى عُسْفَانَ وَاسْتَضَفْت حَيًّا مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ، فَنَظَرْت إلَى جَارِيَةٍ حَسْنَاءَ بِعَيْنِي الْيُمْنَى فَأَخَذَتْ بِقَلْبِي، فَقُلْت لَهَا قَدْ أَخَذَ كُلُّكَ بِكُلِّي فَمَالِي لِغَيْرِك مَطْمَعٌ، قَالَتْ تُفْتَحُ بِكَ الدَّوَايَ الْغَالِبَةُ، لَوْ كُنْت صَادِقًا لَذَهَبَتْ عَنْك شَهْوَةُ اللَّبَنِ، قَالَ: فَقُلِعَتْ عَيْنِي الْيُمْنَى الَّتِي نَظَرْت بِهَا إلَيْهَا، فَقَالَتْ مِثْلُك مَنْ نَظَرَ لِلَّهِ تَعَالَى، فَرَجَعْت إلَى مَكَّةَ وَطُفْت أُسْبُوعًا ثُمَّ نِمْت فَرَأَيْت فِي مَنَامِي يُوسُفَ الصِّدِّيقَ ﵇، فَقُلْت يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَقَرَّ اللَّهُ عَيْنَيْك لِسَلَامَتِك مِنْ زُلَيْخَا، فَقَالَ لِي يَا مُبَارَكُ بَلْ أَنْتَ أَقَرَّ اللَّهُ عَيْنَيْك بِالسَّلَامَةِ مِنْ الْعُسْفَا، ثُمَّ تَلَا ﵇ ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾ [الرحمن: ٤٦] فَصِحْت مِنْ طِيبِ تِلَاوَتِهِ وَرَخَامَةِ صَوْتِهِ وَانْتَبَهْت وَإِذَا بِعَيْنِي الْمَقْلُوعَةِ صَحِيحَةٌ. وَفِي تَبْصِرَةِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ بِسَنَدِهِ إلَى أَبِي بَكْرٍ الْكَتَّانِيِّ قَالَ: رَأَيْت بَعْضَ أَصْحَابِنَا فِي الْمَنَامِ فَقُلْت مَا فَعَلَ اللَّهُ بِك؟ قَالَ عَرَضَ عَلَيَّ سَيِّئَاتِي فَقَالَ فَعَلْت كَذَا وَكَذَا، فَقُلْت نَعَمْ، قَالَ وَفَعَلْت كَذَا وَكَذَا، فَاسْتَحْيَيْت أَنْ أُقِرَّ، فَقُلْت: فَمَا كَانَ ذَلِكَ الذَّنْبُ؟ قَالَ مَرَّ بِي غُلَامٌ حَسَنُ الْوَجْهِ فَنَظَرْت إلَيْهِ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الزَّرَّادِ أَنَّهُ رُئِيَ فِي الْمَنَامِ فَقِيلَ لَهُ مَا فَعَلَ اللَّهُ بِك؟ قَالَ: غَفَرَ لِي كُلَّ ذَنْبٍ أَقْرَرْت بِهِ إلَّا ذَنْبًا وَاحِدًا اسْتَحْيَيْت أَنْ أُقِرَّ بِهِ، فَأَوْقَفَنِي فِي الْعَرَقِ حَتَّى سَقَطَ لَحْمُ وَجْهِي، قِيلَ مَا الذَّنْبُ؟ قَالَ: نَظَرْت إلَى شَخْصٍ جَمِيلٍ. وَقَدْ أَنْهَيْت الْكَلَامَ بِمَا لَعَلَّ فِيهِ كِفَايَةً فِي هَذَا الْبَابِ فِي كِتَابِي قَرْعِ السِّيَاطِ فِي قَمْعِ أَهْلِ اللِّوَاطِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. مَطْلَبٌ: فِي نِكَاتٍ لَطِيفَةٍ وَأَخْبَارٍ ظَرِيفَةٍ (الْمَقَامُ الثَّالِثُ) فِي نِكَاتٍ لَطِيفَةٍ، وَأَخْبَارٍ ظَرِيفَةٍ، تَتَعَلَّقُ بِمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ.

1 / 91