غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

محمد بن أحمد السفاريني ت. 1188 هجري
64

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

الناشر

مؤسسة قرطبة

رقم الإصدار

الثانية

سنة النشر

١٤١٤ هجري

مكان النشر

مصر

تصانيف

التصوف
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ دَخَلُوا عَلَى بَعْضِ الصَّحَابَةِ فِي مَرَضِهِ وَوَجْهُهُ يَتَهَلَّلُ فَسَأَلُوهُ عَنْ سَبَبِ تَهَلُّلِ وَجْهِهِ، فَقَالَ مَا مِنْ عَمَلٍ أَوْثَقُ عِنْدِي مِنْ خَصْلَتَيْنِ، كُنْتُ لَا أَتَكَلَّمُ فِيمَا لَا يَعْنِينِي، وَكَانَ قَلْبِي سَلِيمًا لِلْمُسْلِمِينَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: مِنْ عَلَامَةِ إعْرَاضِ اللَّهِ عَنْ الْعَبْدِ أَنْ يَجْعَلَ شُغْلَهُ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ. وَقَالَ سَهْلٌ التُّسْتَرِيُّ: مَنْ تَكَلَّمَ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ حُرِمَ الصِّدْقَ. وَقَالَ مَعْرُوفٌ: كَلَامُ الْعَبْدِ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ خِذْلَانٌ مِنْ اللَّهِ ﷿. وَمَرَّ رَجُلٌ بِلُقْمَانَ الْحَكِيمِ وَالنَّاسُ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَلَسْت عَبْدَ بَنِي فُلَانٍ؟ قَالَ بَلَى، قَالَ الَّذِي كُنْت تَرْعَى عِنْدَ جَبَلِ كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ بَلَى، قَالَ فَمَا بَلَغَ بِك مَا أَرَى؟ قَالَ صِدْقُ الْحَدِيثِ، وَطُولُ السُّكُوتِ عَمَّا لَا يَعْنِينِي. وَمِنْهَا كَثْرَةُ الْكَلَامِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَنْ عَلِمَ أَنَّ كَلَامَهُ مِنْ عَمَلِهِ قَلَّ كَلَامُهُ إلَّا فِيمَا يَعْنِيهِ. وَقَدْ قَالَ النَّخَعِيُّ: يَهْلِكُ النَّاسُ فِي فُضُولِ الْكَلَامِ وَالْمَالِ. وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «لَا تُكْثِرْ الْكَلَامَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الْكَلَامِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ تُقَسِّي الْقَلْبَ، وَإِنَّ أَبْعَدَ النَّاسِ عَنْ اللَّهِ الْقَلْبُ الْقَاسِي» . وَقَالَ عُمَرُ: مَنْ كَثُرَ كَلَامُهُ كَثُرَ سَقَطُهُ، وَمَنْ كَثُرَ سَقَطُهُ كَثُرَتْ ذُنُوبُهُ، وَمَنْ كَثُرَتْ ذُنُوبُهُ كَانَتْ النَّارُ أَوْلَى بِهِ. وَخَرَّجَهُ الْعُقَيْلِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ. وَكَانَ سَيِّدُنَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَأْخُذُ بِلِسَانِهِ وَيَقُولُ: هَذَا الَّذِي أَوْرَدَنِي الْمَوَارِدَ. فَقَدْ رَوَى مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ ﵁ دَخَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ﵁ وَهُوَ يَجْبِذُ لِسَانَهُ، فَقَالَ عُمَرُ: مَهْ غَفَرَ اللَّهُ لَك، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذَا أَوْرَدَنِي الْمَوَارِدَ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ: هَذَا أَوْرَدَنِي شَرَّ الْمَوَارِدِ. إنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْجَسَدِ إلَّا يَشْكُو ذَرَبَ اللِّسَانِ عَلَى حِدَّتِهِ» . وَذَرَبُ اللِّسَانِ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ جَمِيعًا هُوَ حِدَّتُهُ وَشَرُّهُ وَفُحْشُهُ. وَقَالَ ابْنُ بُرَيْدَةَ: رَأَيْت ابْنَ عَبَّاسٍ ﵄ أَخَذَ بِلِسَانِهِ وَهُوَ يَقُولُ وَيْحَك قُلْ خَيْرًا تَغْنَمْ أَوْ اُسْكُتْ عَنْ شَرٍّ تَسْلَمْ، وَإِلَّا فَاعْلَمْ أَنَّك

1 / 71