202

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

الناشر

مؤسسة قرطبة

رقم الإصدار

الثانية

سنة النشر

١٤١٤ هجري

مكان النشر

مصر

تصانيف

التصوف
تَعَالَى وَالتَّخَلُّصِ مِنْ النِّفَاقِ؟ فَقَالَ النِّفَاقُ هُوَ إظْهَارُ الْجَمِيلِ وَإِبْطَانُ الْقَبِيحِ وَإِضْمَارُ الشَّرِّ مَعَ إظْهَارِ الْخَيْرِ لِإِيقَاعِ الشَّرِّ، وَاَلَّذِي تَضَمَّنَتْهُ الْآيَةُ إظْهَارُ الْحَسَنِ فِي مُقَابَلَةِ الْقَبِيحِ لِاسْتِدْعَاءِ الْحُسْنِ. قَالَ فِي الْآدَابِ: فَخَرَجَ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنَّ النِّفَاقَ إبْطَانُ الشَّرِّ وَإِظْهَارُ الْحُسْنِ لِإِيقَاعِ الشَّرِّ الْمُضْمَرِ، وَمَنْ أَظْهَرَ الْجَمِيلَ وَالْحُسْنَ فِي مُقَابَلَةِ الْقَبِيحِ لِيَزُولَ الشَّرُّ فَلَيْسَ بِمُنَافِقٍ لَكِنَّهُ يَسْتَصْلِحُ، أَلَا تَسْمَعُ إلَى قَوْله تَعَالَى ﴿فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ [فصلت: ٣٤] فَهَذَا اكْتِسَابُ اسْتِمَالَةٍ وَدَفْعُ عَدَاوَةٍ وَإِطْفَاءٌ لِنِيرَانِ الْحَقَائِدِ، وَاسْتِنْمَاءِ الْوُدِّ وَإِصْلَاحُ الْعَقَائِدِ. فَهَذَا طَلَبُ الْمَوَدَّاتِ وَاكْتِسَابُ الرِّجَالِ. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا «حُبُّك لِلشَّيْءِ يُعْمِي وَيُصِمُّ»، وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ «أَحْبِبْ حَبِيبَك هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَك يَوْمًا مَا، وَأَبْغِضْ بَغِيضَك هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَك يَوْمًا مَا» قَالَ فِي الْآدَابِ: إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ ﵁ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا وَالصَّحِيحُ وَقْفُهُ. وَأَنْشَدَ بَعْضُهُمْ: وَأَبْغِضْ بَغِيضَك بُغْضًا رُوَيْدًا ... إذَا أَنْتَ حَاوَلْت أَنْ تَحْكُمَا وَأَحْبِبْ حَبِيبَك حُبًّا رُوَيْدًا ... فَلَيْسَ يَغُولُك أَنْ تَصْرُمَا وَقَالَ آخَرُ: وَأَحْبِبْ إذَا أَحْبَبْت حُبًّا مُقَارِبًا ... فَإِنَّك لَا تَدْرِي مَتَى أَنْتَ نَازِعُ وَأَبْغِضْ إذَا أَبْغَضْت بُغْضًا مُقَارِبًا ... فَإِنَّك لَا تَدْرِي مَتَى أَنْتَ رَاجِعُ (تَتِمَّةٌ) التَّوَدُّدُ إلَى النَّاسِ مَطْلُوبٌ شَرْعًا مُسْتَحْسَنٌ طَبْعًا. قَالَ تَعَالَى ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ [آل عمران: ١٥٩] وَقَالَ ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [المؤمنون: ٩٦] . وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ بَعْدَ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ التَّوَدُّدُ إلَى النَّاسِ» . وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ ﵄ مَرْفُوعًا «الِاقْتِصَادُ فِي النَّفَقَةِ نِصْفُ الْمَعِيشَةِ، وَالتَّوَدُّدُ إلَى النَّاسِ نِصْفُ الْعَقْلِ، وَحُسْنُ السُّؤَالِ نِصْفُ الْعِلْمِ» .

1 / 209