128

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

الناشر

مؤسسة قرطبة

رقم الإصدار

الثانية

سنة النشر

١٤١٤ هجري

مكان النشر

مصر

تصانيف

التصوف
«الْحَرْبُ خُدْعَةٌ» وَالْكَافِرِينَ جَمْعُ كَافِرٍ مِنْ الْكُفْرِ وَهُوَ ضِدُّ الْإِيمَانِ وَبِفَتْحٍ كَالْكَفُورِ وَالْكُفْرَان بِضَمِّهِمَا وَكَفَرَ نِعْمَةَ اللَّهِ وَبِهَا كَفُورًا وَكُفْرَانًا جَحَدَهَا وَسَتَرَهَا (بِحَرْبِهِمْ) أَيْ فِي أَمْرِ حَرْبِهِمْ وَجِهَادِهِمْ وَمَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى خِذْلَانِهِمْ وَفَشَلِهِمْ. (وَ) الْمَوْضِعُ الثَّانِي إذَا كَانَ لِغَيْرِ (الْعِرْسِ) يَعْنِي وَهِيَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْعِرْسُ بِالْكَسْرِ امْرَأَةُ الرَّجُلِ وَرَجُلُهَا جَمْعُهُ أَعْرَاسٌ. وَالْمَوْضِعُ الثَّالِثُ: مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (أَوْ) يَكُونُ الْكَذِبُ لِغَيْرِ (إصْلَاحِ) ذَاتِ بَيْنِ (أَهْلِ التَّنَكُّدِ) بِمَا يُذْهِبُ وَغْرَ صُدُورِهِمْ وَيَجْمَعُ شَمْلَهُمْ وَيَضُمُّ جَمَاعَتَهُمْ وَيُزِيلُ فُرْقَهُمْ. وَالْإِصْلَاحُ ضِدُّ الْإِفْسَادِ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الصَّلَاحُ ضِدُّ الْفَسَادِ، وَأَصْلَحَهُ ضِدُّ أَفْسَدَهُ، وَالتَّنَكُّدُ التَّعَاسُرُ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: تَنَاكَدَا تَعَاسَرَا. وَنَاكَدَهُ عَاسَرَهُ، وَأَصْلُ النَّكِدِ الشِّدَّةُ وَالْعُسْرَةُ، يُقَالُ نَكِدَ كَفَرِحَ، وَرَجُلٌ نَكَدٌ شُومٌ، وَقَوْمٌ أَنْكَادٌ وَمَنَاكِيدُ. وَأَمَّا قَوْلُ كَعْبٍ ﵁ مِنْ بَانَتْ سُعَادُ: قَامَتْ فَجَاوَبَهَا نُكْدٌ مَثَاكِيلُ، فَالْمُرَادُ بِالنَّكَدِ فِي كَلَامِهِ اللَّاتِي لَا يَعِيشُ لَهُنَّ وَلَدٌ، الْوَاحِدَةُ نُكْدَى كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ ابْنُ هِشَامٍ. رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ ﵂ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «لَا يَصْلُحُ الْكَذِبُ إلَّا فِي ثَلَاثٍ: الرَّجُلُ يَكْذِبُ فِي الْحَرْبِ وَالْحَرْبُ خُدْعَةٌ، وَالرَّجُلُ يَكْذِبُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمَا، وَالرَّجُلُ يَكْذِبُ لِلْمَرْأَةِ لِيُرْضِيَهَا بِذَاكَ» قَالَ الْإِمَامُ بْنُ مُفْلِحٍ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: وَيَحْرُمُ الْكَذِبُ لِغَيْرِ إصْلَاحٍ وَحَرْبٍ وَزَوْجَةٍ وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَضَابِطُهُ أَنَّ كُلَّ مَقْصُودٍ مَحْمُودٍ لَا يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ إلَيْهِ إلَّا بِالْكَذِبِ فَهُوَ مُبَاحٌ إنْ كَانَ ذَلِكَ الْمَقْصُودُ مُبَاحًا، وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا فَهُوَ وَاجِبٌ. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَهُوَ مُرَادُ الْأَصْحَابِ. وَمُرَادُهُمْ هُنَا لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَضَرُورَةٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْكَذِبُ إذَا كَانَ فِيهِ عِصْمَةُ مُسْلِمٍ مِنْ الْقَتْلِ. وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ يَحْرُمُ أَيْضًا لَكِنْ يَسْلُكُ أَدْنَى الْمَفْسَدَتَيْنِ لِدَفْعِ أَعْلَاهُمَا. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هُوَ حَسَنٌ حَيْثُ جَازَ لَا إثْمَ لِي فِيهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ: يَجُوزُ كَذِبُ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ إذَا لَمْ يَتَضَمَّنْ ضَرَرَ ذَلِكَ الْغَيْرِ إذَا كَانَ يَتَوَصَّلُ بِالْكَذِبِ إلَى حَقِّهِ، كَمَا كَذَبَ الْحَجَّاجُ بْنُ عِلَاطٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حَتَّى أَخَذَ مَالَهُ مِنْ مَكَّةَ مِنْ غَيْرِ مَضَرَّةً لَحِقَتْ بِالْمُسْلِمِينَ مِنْ ذَلِكَ الْكَذِبِ، وَأَمَّا مَا

1 / 135