غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

محمد بن أحمد السفاريني ت. 1188 هجري
111

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

الناشر

مؤسسة قرطبة

رقم الإصدار

الثانية

سنة النشر

١٤١٤ هجري

مكان النشر

مصر

تصانيف

التصوف
وَقَدْ ذَكَرَ مَنْ أَضْجَرَهُ كَتْمُ الْأَسْرَارِ وَأَنَّهَا تَغْلِي فِي قَلْبِهِ غَلَيَانَ النَّارِ، مَا ذَاعَ وَشَاعَ فِي النَّثْرِ وَالْأَشْعَارِ، فَمِنْهُ: وَلَا أَكْتُمُ الْأَسْرَارَ لَكِنْ أَبُثُّهَا ... وَلَا أَدَعُ الْأَسْرَارَ تَقْتُلُنِي غَمَّا وَإِنَّ سَخِيفَ الرَّأْيِ مَنْ بَاتَ لَيْلَهُ ... حَزِينًا بِكِتْمَانٍ كَأَنَّ بِهِ حُمَّى وَفِي بَثِّك الْأَسْرَارَ لِلْقَلْبِ رَاحَةٌ ... وَتَكْشِفُ بِالْإِفْشَاءِ عَنْ قَلْبِك الْهَمَّا وَقَالَ آخَرُ: وَلَا أَكْتُمُ الْأَسْرَارَ لَكِنْ أُذِيعُهَا ... وَلَا أَدَعُ الْأَسْرَارَ تَغْلِي عَلَى قَلْبِي وَإِنَّ ضَعِيفَ الْقَلْبِ مَنْ بَاتَ لَيْلَهُ ... تُقَلِّبُهُ الْأَسْرَارُ جَنْبًا عَلَى جَنْبِ وَقَدْ قِيلَ: لَا تُطْلِعُوا النِّسَاءَ عَلَى سِرِّكُمْ يَصْلُحُ لَكُمْ أَمْرُكُمْ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ عَلَى الْعَاقِلِ كِتْمَانَ السِّرِّ، وَاَللَّهُ وَلِيُّ الْأَمْرِ. وَقَالَ آخَرُ: لَا تُودِعَن وَلَا الْجَمَادَ سَرِيرَةً ... فَمِنْ الْجَوَامِدِ مَا يُشِيرُ وَيَنْطِقُ وَإِذَا الْمُحَكُّ أَذَاعَ سِرَّ أَخٍ لَهُ ... وَهُوَ الْجَمَادُ فَمَنْ بِهِ يَسْتَوْثِقُ مَطْلَبٌ: فِي كَرَاهَةِ التَّحَدُّثِ لِكُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ بِمَا صَارَ بَيْنَهُمَا (فَرْعٌ): يُكْرَهُ لِكُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ التَّحَدُّثُ بِمَا صَارَ بَيْنَهُمَا وَلَوْ لِضَرَّتِهَا، جَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ، وَحَرَّمَهُ سَيِّدُنَا الْإِمَامُ الْكَبِيرُ وَلِيُّ اللَّهِ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ ﵁، لِأَنَّهُ مِنْ السِّرِّ، وَإِفْشَاءُ السِّرِّ حَرَامٌ، وَذَكَرَهُ فِي الْإِقْنَاعِ، وَكَذَا حَرَّمَهُ الْأَدَمِيُّ الْبَغْدَادِيُّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَهُوَ أَظْهَرُ. انْتَهَى. وَقَدْ أَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ ﵂ «أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ قُعُودٌ عِنْدَهُ فَقَالَ لَعَلَّ رَجُلًا يَقُولُ مَا فَعَلَ بِأَهْلِهِ، وَلَعَلَّ امْرَأَةً تُخْبِرُ بِمَا فَعَلَتْ مَعَ زَوْجِهَا، فَأَرَمَّ الْقَوْمُ أَيْ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَيْ سَكَتُوا مِنْ خَوْفٍ وَنَحْوِهِ، فَقُلْت أَيْ وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُمْ لَيَفْعَلُونَ وَإِنَّهُنَّ لِيَفْعَلْنَ. قَالَ لَا تَفْعَلُوا فَإِنَّمَا مِثْلُ ذَلِكَ مِثْلُ شَيْطَانٍ لَقِيَ شَيْطَانَةً فَغَشِيَهَا وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ» . وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ﵁ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «إنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً

1 / 118