136

** البحث الرابع

** هدى للمتقين

** الأولى :

وقيل : بشرط كونها موصلة إلى البغية بدليل وقوعه في مقابل الضلالة ( أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى ) [البقرة : 16] ولأنه يقال مهدي في معرض المدح . فلو احتمل أن يقال هدى فلم يهتد لم يكن مدحا ، ولأن مطاوعه «اهتدى» فيلزمه. وأجيب بأن مقابل الضلالة الاهتداء لا الهدى. وبأن قولنا «مهدي» إنما أفاد المدح لأنه من المعلوم أن الوسيلة إذا لم تفض إلى المقصود كانت كالعدم ، وبالمنع من أن اهتدى لازم هدى لزوما كليا إذ يصح في العرف أن يقال : هديته فلم يهتد ، قال عز من قائل : ( وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى ) [فصلت : 17] وقال بعضهم : الهدى الاهتداء ، فإن زعم مطلقا فخطأ لوقوع صفة للقرآن ، وإن زعم حينا فصحيح لوقوعه في مقابلة الضلالة.

** الثانية :

وجئها إذا أصابها طلع من غلظ الأرض ورقة الحافر فهو يقي حافره أن يصيبه أدنى شيء. وهو في الشرع المؤتمر للمأمورات المجتنب عن المحظورات. واختلف في الصغائر أنه إذا لم يتقها فهل يستحق هذا الاسم؟ روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : «لا يبلغ العبد درجة المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به بأس» فحقيقة التقوى الخشية ( يا أيها الناس اتقوا ربكم ) [لقمان : 33] وقد يراد بها الإيمان ( وألزمهم كلمة التقوى ) [الفتح : 26] أي التوحيد. وقد يراد التوبة ( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا ) [الأعراف : 96] أي تابوا. وقد يراد الطاعة ( أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون ) [النحل : 2] وقد يراد ترك المعصية ( وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله ) [البقرة : 189] وقد يراد الإخلاص ( فإنها من تقوى القلوب ) [الحج : 32] أي من إخلاصها والتقوى مقام شريف ( إن الله مع الذين اتقوا ) [النحل : 128] ( وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ) [البقرة : 197] ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) [الحجرات : 13]. وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «من أحب أن يكون أكرم الناس فليتق الله ، ومن أحب أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله ، ومن أحب أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله أوثق منه بما في يده» وقال علي عليه السلام : التقوى ترك الإصرار على المعصية ، وترك الاغترار بالطاعة . وعن إبراهيم بن أدهم : أن لا يجد الخلق في لسانك عيبا ، ولا الملائكة المقربون في أفعالك عيبا ، ولا ملك العرش في سرك عيبا. الواقدي : أن تزين سرك للحق كما زينت ظهرك للخلق. ويقال : التقوى أن لا يراك مولاك حيث نهاك. ولله در القائل : خل الذنوب صغيرها. وكبيرها فهو التقي.

صفحة ١٣٨