المجلد الاول
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
خلافة ابى بكر
قال الشيخ الإمام العالم العلامة لوط أحمد بن محمد بن أعثم[ (1) ]الكوفي عفا الله عنه:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد خاتم النبيين والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما توفي قام بالأمر بعده الإمام أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وكان قد بويع له بالخلافة في اليوم الذي مات[ (2) ]فيه النبي صلى الله عليه وسلم بسقيفة بني ساعدة، ولذلك قصة عجيبة نذكرها بتمامها، ونذكر ما فتحه المسلمون في أيامه وأيام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنهما من الفتوحات، وقتال أهل [الردة][ (3) ]، وذلك أن المسلمين اجتمعوا وبكوا على فقد رسول الله، فقال لهم أبو بكر: إن دمتم على هذه الحال فهو والله الهلاك والبوار.
[ (1) ]في اسم المؤلف خلاف-وقد تطرقنا إلى مختلف الأقوال في ذلك في مقدمة التحقيق-والأرجح أنه أحمد بن محمد بن علي المعروف بابن الأعثم الكوفي. وهو ما ورد في النسخة المطبوعة من الترجمة الفارسية لأحمد بن محمد المستوفي.
[ (2) ]قال خليفة في تاريخه: توفي رسول الله (ص) يوم الاثنين لاثنتي عشرة خلت من شهر ربيع الأول، ويقال لليلتين خلتا منه ودفن ليلة الأربعاء (ص) . انظر ص 94 والطبري 3/200 ومروج الذهب 2/303 والبداية والنهاية 5/275 ابن الأثير 2/9 ونقل عن أبي نعيم الفضل بن دكين أنه (ص) توفي: يوم الاثنين مستهل ربيع الأول سنة إحدى عشرة. والأكثر على القول الأول.
[ (3) ]ما بين معكوفين سقطت من الأصل، استدركت للإيضاح.
صفحة ٥
ذكر ابتداء سقيفة بني ساعدة وما كان من المهاجرين والأنصار
قال: ثم أقبل أبو بكر الصديق رضي الله عنه على المسلمين فقال: أيها الناس!إنه من كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، ومن كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، والله!لقد نعى الله نبيه محمدا عليه السلام نفسه فقال تبارك وتعالى إنك ميت وإنهم ميتون [ (1) ]ثم قال وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون*`كل نفس ذائقة الموت [ (2) ]ثم قال وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين [ (3) ]ألا!وإن محمدا عليه السلام قد مضى لسبيله، ولا بد لهذا الأمر من قائم يقوم به، فدبروا وانظروا وهاتوا رأيكم-رحمكم الله[ (4) ]. قال: فناداه الناس من كل جانب: نصبح وننظر في ذلك إن شاء الله، و لا قوة إلا بالله. قال: فانصرف الناس يومهم ذلك، فلما كان من غد انحازت طائفة من المهاجرين إلى أبي بكر رضي الله عنه، وانحازت طائفة من الأنصار إلى سعد بن عبادة الخزرجي في سقيفة بني ساعدة. قال: وجلس علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في منزله مغموما بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وعنده نفر من بني هاشم وفيهم الزبير بن العوام. قال: فاجتمع الناس من جميع جنبات المدينة يستمعون ما يكون من كلام المهاجرين والأنصار[ (5) ]، وكان أول من تكلم من الأنصار يومئذ خزيمة بن... [ (6) ]ذو [ (1) ]سورة الزمر: 30.
[ (2) ]سورة الأنبياء: 34-35.
[ (3) ]سورة آل عمران: 144.
[ (4) ]جاء كلام أبي بكر هذا بعد ما اختلف الصحابة فيما بينهم فمن قائل يقول: مات رسول الله (ص) ، ومن قائل: لم يمت. وكان عمر بن الخطاب قد قام في الناس يقول: إن رجالا من المنافقين يزعمون أن رسول الله (ص) توفي وأنه والله ما مات ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران، والله ليرجعن رسول الله (ص) ، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم زعموا أنه مات. وكان أبو بكر غائبا ببيته في السنح، فاستدعي سريعا فجاء، فقام في الناس وقال ما قال، وأزاح الجدل وأزال الإشكال.
(الطبري 3/202 البداية والنهاية 5/265 الكامل لابن الأثير 2/11) .
[ (5) ]قارن ما جرى يوم السقيفة مع الطبري 3/205 وما بعدها وابن الأثير 2/13 والبداية والنهاية 5/ 265.
[ (6) ]كذا بياض بالأصل. وهو خزيمة بن ثابت، ذو الشهادتين، ابن الفاكه بن ثعلبة بن ساعدة بن عامر بن
صفحة ٦
الشهادتين وقال : يا معشر الأنصار!إنكم إذ قدمتم اليوم..... [ (1) ]إلى يوم القيامة، وأنتم الأنصار في كتاب الله تعالى، وإليكم كانت الهجرة وفيكم قبر النبي (صلى الله عليه وسلم وآله) ، فأجمعوا أمركم على رجل تهابه قريش وتأمنه الأنصار.
قال: فقالت الأنصار: صدقت يا خزيمة!إن القول لعلى ما تقول، قد رضينا بصاحبنا سعد بن عبادة. قال: فقلب المهاجرون ونظر بعضهم إلى بعض، ثم وثب أسيد بن حضير الأنصاري الأوسي[ (2) ]-وكان مقبول القول عند الأنصار وأهل الطاعة فيهم-فقال: يا معشر الأنصار!إنه قد عظمت نعم الله عليكم إذ سماكم «الأنصار» [ (3) ]وجعل إليكم الهجرة، وفيكم قبض الرسول محمد عليه السلام، فاجعلوا ذلك شكرا الله فإن هذا الأمر في قريش دونكم، فمن قدموه فقدموه ومن أخروه فأخروه. قال: فوثب إليه نفر من الأنصار فأغلظوا له في القول وسكتوه فسكت، ثم وثب بشير بن سعد الأنصاري الأعور[ (4) ]-وكان أيضا من أفاضل الأنصار-فقال: يا معشر الأنصار!إنما أنتم بقريش وقريش بكم، ولو كان ما تدعون حقا لما اعترض عليكم فيه، فإن قلتم بأنا آوينا ونصرنا فما أعطاهم خير مما أعطيتم، فلا تكونوا كالذين بدلوا نعمت الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار. قال: ثم وثب عويم بن ساعدة الأنصاري-وهو من النفر الذين أنزل الله عز وجل فيهم هذه الآية في مسجد قباء فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين [ (5) ]-فقال:
يا معشر الأنصار!إنكم أول من قاتل عن هذا الدين فلا تكونوا أول من قاتل أهله عليه، فإن الخلافة لا تكون إلا لأهل النبوة فاجعلوها حيث جعلها الله عز وجل، فإن [ () ]غيان بن عامر بن خطمة بن جشم بن مالك بن الأوس جعل رسول الله (ص) شهادته بشهادة رجلين (أسد الغابة 2/114) .
[ (1) ]بياض بالأصل.
[ (2) ]كان سعد بن عبادة سيد الخزرج وكان أسيد بن حضير (أسيد بضم الهمزة، وحضير بضم أوله وآخره راء) من نقباء الأوس وقد خافوا من تأمير الأوس فقالوا لبعضهم البعض: والله لئن وليتها الخزرج مرة لا زالت لهم عليكم بذلك الفضيلة ولا جعلوا لكم فيها نصيبا أبدا (الكامل لابن الأثير 2/14 الإمامة والسياسة 1/9) .
[ (3) ]كلمة «أنصار» وردت ثماني مرات في القرآن الكريم.
[ (4) ]كان بشير بن سعد من سادة الخزرج ورؤسائهم، وقد نفر من تأمير قومه سعد بن عبادة وحسده (الإمامة والسياسة 1/8) وقارن ما قاله مع الأصل (الطبري 3/221 ابن الأثير 2/14) .
[ (5) ]سورة التوبة: 108 وعويم من الأوس، مات على الصحيح في خلافة عمر بن الخطاب وله خمس أو ست وستون سنة.
صفحة ٧
لهم دعوة إبراهيم عليه السلام، قال: ثم وثب معن بن عدي الأنصاري فقال:
يا معشر الأنصار!إن كان هذا الأمر لكم من دون قريش فخبروهم بذلك حتى يبايعوكم عليه، وإن كان لهم من دونكم فسلموا لهم، فوالله!ما مات رسول الله (صلى الله عليه وسلم وعلى آله) حتى صلى بنا أبو بكر رضي الله عنه فعلمنا أنه قد رضيه لنا[ (1) ]، لأن الصلاة عماد الدين. قال: فبينا الأنصار كذلك في المحاورة إذ أقبل أبو بكر وعمر وعثمان وأبو عبيدة بن الجراح وجماعة من المهاجرين رضي الله عنهم فإذا هم بسعد بن عبادة[ (2) ]. [ (3) ]ينصره الله فهو مخذول، ألا!فاهتدوا بهدي الله ربكم وما جاء به نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم فإنه من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا [ (4) ]، وقد بلغني رجوع من رجع منكم عن دينه بعد أن أقر بالإسلام، وعمل بشرائعه اغترارا بالله عز وجل وجهالة بأمره وطاعة للشيطان، و الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السعير [ (5) ]وبعد!فقد وجهت إليكم خالد بن الوليد في جيش من المهاجرين والأنصار وأمرته أن لا يقاتل أحدا حتى يدعوه إلى الله عز وجل ويعذر إليه وينذر، فمن دخل في الطاعة وسارع إلى الجماعة ورجع عن المعصية إلى ما كان يعرف من دين الله ثم تاب إلى الله وعمل صالحا قبل الله منه ذلك وأعانه عليه، ومن أبى أن يرجع إلى الإسلام بعد أن يدعوه خالد بن الوليد ويعذر إليه فقد أنذرته وأمرته أن يقاتله أشد القتال بنفسه ومن معه من أنصار دين الله وأعوانه، ثم لم يترك أحدا قدر عليه إلا أحرقه بالنار إحراقا، ويسبي الذراري والنساء، ويأخذ الأموال وقد أعذر من أنذر[ (6) ]، والسلام على عباد الله المؤمنين، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. قال: ثم [ (1) ]إشارة إلى تأميره (ص) أبا بكر بالصلاة في الناس في مرض موته. انظر ما ذكر في ذلك دلائل البيهقي 7/189 و7/194 وما بعدها.
[ (2) ]كذا بالأصل. ولم يذكر المؤلف تتمة بيعة أبي بكر في سقيفة بني ساعدة.
[ (3) ]هذا من كتاب أبي بكر الصديق إلى قبائل العرب التي ارتدت، وقد سقط من الأصل أول الكتاب.
قال الطبري 3/250 أنه كتب إلى قبائل العرب المرتدة كتابا واحدا. وفي ابن الأثير 2/21 «نسخة واحدة» وبينهما وبين ما ذكر من الكتاب هنا بعض اختلاف.
[ (4) ]سورة الكهف: 17.
[ (5) ]سورة فاطر: 6.
[ (6) ]وفي الكتاب: وقد أمرت رسولي أن يقرأ كتابي في كل مجمع لكم، والداعية الأذان، فإذا أذن المسلمون فأذنوا كفوا عنهم، وإن لم يؤذنوا عاجلوهم وإن أذنوا اسألوهم ما عليهم، فإن أبوا عاجلوهم، وإن أقروا قبل منهم، وحملهم على ما ينبغي لهم. (عن الطبري 3/251) .
صفحة ٨
طوى أبو بكر الكتاب وختمه ودفعه إلى خالد بن الوليد وأمره أن يعمل بما فيه[ (1) ].
قال: فسارع خالد بن الوليد إلى أهل الردة بمن معه من المهاجرين والأنصار يريد طليحة بن خويلد.
ذكر مسير خالد بن الوليد إلى أهل الردة
قال: فسار خالد وكان معه جماعة يومئذ من بني أسد من المؤمنين الذين لم يرتدوا، وكتب رجل منهم يقال له ضرار بن الأزور إلى بني عمه من بني أسد كتابا، قال: فلم يبق مع خالد بن الوليد رجل من بني أسد يعرف بالصلاح إلا كتب إلى قومه يحذرهم مقدم خالد بن الوليد عليهم ويعذلهم على ارتدادهم عن دين الإسلام، وآخر من كتب إليهم جعونة بن مرثد الأسدي.
ذكر الفجاءة بن عبد ياليل السلمي وما فعل بالمسلمين وكيف أحرق بالنار
قال: وسار خالد بن الوليد يريد بني أسد فأقبل إلى أبي بكر الصديق رضي [ (1) ]يستفاد من الطبري وابن الأثير واليعقوبي أن أبا بكر أمر أمراء وعقد لهم بالمسير لقتال المرتدين، وعقد لهم الألوية، فعقد أحد عشر لواء لأحد عشر أميرا، منهم خالد بن الوليد.
وقد كتب أبو بكر للأمراء عهودا بذلك-نسخة العهد كما وردت عند الطبري 3/251: بسم الله الرحمن الرحيم. هذا عهد من أبي بكر خليفة رسول الله (ص) لفلان حين بعثه فيمن بعثه لقتال من رجع عن الإسلام، وعهد إليه أن يتقي الله ما استطاع في أمره كله سره وعلانيته، وأمره بالجد في أمر الله، ومجاهدة من تولى عنه، ورجع عن الإسلام إلى أماني الشيطان بعد أن يعذر إليهم فيدعوهم بداعية الإسلام!فإن أجابوه أمسك عنهم، وإن لم يجيبوه شأن غارته عليهم حتى يقروا له، ثم ينبئهم بالذي عليهم والذي لهم، فيأخذ ما عليهم، ويعطيهم الذي لهم، لا ينظرهم، ولا يرد المسلمين عن قتال عدوهم، فمن أجاب إلى أمر الله عز وجل وأقر له قبل ذلك منه وأعانه عليه بالمعروف. وإنما يقاتل من كفر بالله على الإقرار بما جاء من عند الله، فإذا أجاب الدعوة لم يكن عليه سبيل، وكان الله حسيبه بعد فيما استسر به، ومن لم يجب داعية الله قتل وقوتل حيث كان، وحيث بلغ مراغمه، لا يقبل من أحد شيئا أعطاه إلا الإسلام، فمن أجابه وأقر قبل منه وعلمه، ومن أبى قاتله، فإن أظهره الله عليه قتل منهم كل قتلة بالسلاح والنيران، ثم قسم ما أفاء الله عليه، إلا الخمس فإنه يبلغناه، وأن يمنع أصحابه العجلة والفساد وألا يدخل فيهم حشوا حتى يعرفهم ويعلم ما هم لا يكونوا عيونا، ولئلا يؤتى المسلمون من قبلهم، وأن يقتصد بالمسلمين ويرفق بهم في السير والمنزل ويتفقدهم، ولا يعجل بعضهم عن بعض، ويستوصي بالمسلمين في حسن الصحبة ولين القول.
صفحة ٩
الله عنه رجل من بني سليم يقال له الفجاءة[ (1) ]بن عبد ياليل فدخل عليه وسلم ثم قال:
يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم!أنا رجل مسلم وعلى دين الإسلام مذ كنت ما غيرت ولا بدلت وقد رغبت في قتال أهل الردة[ (2) ]وقد أحببت أن تعينني بقوة من خيل وسلاح حتى أفرقه في قومي وبني عمي من بني سليم، وألحق بالقوم بخالد بن الوليد وأقاتل معه طليحة بن خويلد وأصحابه، قال: فدفع إليه أبو بكر رضي الله عنه عشرة من الخيل ودفع إليه سلاحا كثيرا من سيوف ورماح وقسي وسهام، ووجه معه بعشر نفر من المسلمين. قال: فخرج الفجاءة من المدينة كأنه يريد إلى خالد بن الوليد ثم ترك الطريق إلى خالد وعطف إلى دار بني سليم فأرسل إلى قوم منهم ودعاهم فأجابوه فعطف بهم على هؤلاء العشرة الذين وجه بهم معه أبو بكر رضي الله عنه فقتلهم عن آخرهم، ثم أنه فرق تلك الخيل وذلك السلاح الذي قد أعطاه أبو بكر رضي الله عنه على من اتبعه من سفهاء قومه[ (3) ]، ثم سار فجعل يقتل الناس يمنة ويسرة فلا يبقي على قومه ولا غيرهم. قال: فجعل الفجاءة يفعل ما يفعل ويلتئم إليه الناس من أهل الدعارة والفساد.
قال: وبلغ ذلك أبا بكر رضي الله عنه فأعرضه على من كان عنده من بني سليم وغيرهم من قيس غيلان وخبرهم بما صنع الفجائة، قال: فاغتم لذلك بنو سليم خاصة غما شديدا وقالوا: والله يا خليفة رسول الله (صلى الله عليه وسلم وآله) !لقد حدثتنا أنفسنا ببعض ذلك وقد قلدنا عدو الله بفعاله عارا لا يغسل عنا أبدا. قال: ثم وثب الضحاك بن سفيان الكلابي[ (4) ]-وكان شيخ بني كلاب وفارسهم وعميدهم وشاعرهم وكانت له صحبة مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم وآله) -فقال: والله يا خليفة رسول الله!لقد كان عدو الله يريد الفساد، وما كنت أظن أنه يقدم على مثل هذا الفعال، ولقد كنت أحذر قومي من بني ذكوان أن يسمعوا منه، ويأخذوا برأيه [ (1) ]قيل اسمه: إياس بن عبد ياليل، وقيل: إياس بن عبد الله بن عبد ياليل بن عميرة بن خفاف، من بني سليم. (الطبري 3/264-265 البداية والنهاية 6/351) .
[ (2) ]في الطبري: وقد أردت جهاد من ارتد من الكفار.
[ (3) ]كان معه نجبة (نخبة) بن أبي الميثاء من بني الشريد.
[ (4) ]هو الضحاك بن سفيان بن عوف بن كعب بن أبي بكر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة العامري الكلابي، يكنى أبا سعيد. كان من الشجعان الأبطال ذكره العباس بن مرداس السلمي في شعره:
وكان النبي (ص) قد بعثه في سرية:
إن الذين وفوا بما عاهدتهم # جيش بعثت عليهم الضحاكا
صفحة ١٠
فأبى الله تبارك وتعالى إلا ما أراد. قال: ثم كتب أبو بكر رضي الله عنه كتابا إلى خالد بن الوليد يخبره بما صنع الفجاءة وما أخذ من الخيل والسلاح وما قتل من المسلمين، وأمره أن يوجه إليه بقوم يطلبونه فيأتون به حيث ما كان، فلما ورد الكتاب ..... [ (1) ]يا سوداء[ (2) ]!من يقول هذا الشعر؟فقالت: والله!ما أدري غير أني سمعت دويا من هذا الغدير وقائلا يقول هذا الشعر. قال: فاغتم عيينة بن حصن وانكسر لذلك انكسارا شديدا، ثم أقبل على طليحة بن خويلد وهو جالس في بني عمه فقال له: أبا عامر!أتاك جبريل منذر نزلت هذا المنزل؟قال طليحة: لا، قال: فهل ترجو أن يأتيك؟قال: نعم، ولم سألت عن ذلك؟قال: إني سمعت هذه الأمة السوداء تزعم أنها سمعت من هذا الغدير كذا وكذا، قال: فضحك طليحة ثم قال: ترى أن سحر قريش وصل إلينا من المدينة. قال: ثم أقبل قرة بن هبيرة القشيري على بني عامر بن صعصعة فقال: يا بني عامر!هذا خالد بن الوليد قد أظلكم في المهاجرين والأنصار وقد تقارب من أرضكم فلو صاح بخيله صيحة لصبحكم فاتقوا الله ربكم وارجعوا عن هذا الذي أنتم عليه فإنكم قتلتم بالأمس المنذر بن عمرو الساعدي[ (3) ]وكان من خيار أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ثم إنكم حقرتم ذمة أبي بكر ورددتم عامر بن الطفيل عن دين الإسلام وإني خائف على طليحة بن خويلد أن..... [ (4) ]خالد غدا قد هلك وهلكنا معه. قال: فأبى قومه أ[ن يطيعوه-][ (5) ] [ (1) ]بياض بالأصل، سقطت معه تتمة الكلام على الفجاءة بن عبد ياليل. وفي الطبري روايتان عن نهاية الفجاءة: عن سيف، عن سهل وأبي يعقوب قالا: وبلغ ذلك أبا بكر، فأرسل إلى طريفة بن حاجز يأمره أن يجمع له وأن يسير إليه، وبعث إليه عبد الله بن قيس الجاسي عونا، ففعل، ثم نهضا إليه وطلباه، فجعل يلوذ منهما حتى لقياه على الجواء، فاقتتلوا، فقتل نجبة وهرب الفجاءة، فلحقه طريقة فأسره، ثم بعث به إلى أبي بكر، فقدم به على أبي بكر، فأمر فأوقد له نارا في مصلى المدينة على حطب كثير، ثم رمى به فيها مقموطا (3/264 ابن الأثير 2/27 البداية والنهاية 6/351) .
[ (2) ]كذا بالأصل، ويظهر أن هناك نقصا في الكلام، ويظهر أن القصة تتعلق بموضوع طليحة وردته.
[ (3) ]وكان رسول الله (ص) قد أرسله في نفر من خيار المسلمين إلى نجد يدعونهم إلى الإسلام حتى نزلوا ببئر معونة وهي أرض بين بني عامر وحرة بني سليم، فقتلتهم قبائل سليم وذلك في صفر على رأس أربعة أشهر من أحد (تاريخ خليفة ص 76 وانظر حديث بئر معونة في سيرة ابن هشام 2/184 وصحيح البخاري 5/134) .
[ (4) ]بالأصل غير واضح.
[ (5) ]بالأصل مطموس. وما أضفناه لاستقامة المعنى.
صفحة ١١
ثم قالوا: لا نعطي الدنية في ديننا أبدا ونحن أحق[ (1) ]من ابن أبي قحافة. قال: فقال لهم ابن سلمة...... [ (2) ]تعطوا الدنية في دينكم أن يسفكوا دماءكم بإجماعكم ..... [ (3) ]قال: فأبى القوم أن يطيعوه ولجوا في طغيانهم. قال: ودنا خالد بن الوليد من أرض بني أسد ثم دعا ابن محصن الأسدي[ (4) ]وثابت بن أرقم[ (5) ]الأنصاري وسعيد بن عمرو المخزومي فقال لهم: انطلقوا وتجسسوا إلي الخبر عن طليحة بن خويلد وأصحابه ولا تبطلوا علي. قال: فمضى هؤلاء الثلاثة وجعلوا يتجسسون ويسألون عن طليحة وعن موضع عسكره. قال: فبينما هم كذلك إذ وقع عليهم نفر من أصحاب طليحة فقتلوهم[ (6) ]-رحمة الله عليهم. قال: وخالد بن الوليد لا يعلم بشيء من ذلك غير أنه انطوى عليه خبرهم كأنه أنكر أمرهم فركب في نفر من أصحابه وساروا فإذا هم بالقوم قتلى، فاغتم خالد والمسلمون لذلك غما شديدا ثم أمر بهم فحملوا ودفنوا في عسكر المسلمين . قال: وبلغ بني أسد أن خالد بن الوليد قد دنا من أرضهم فأقبلوا على طليحة بن خويلد فقالوا: يا أبا عامر!إنا نظن أن هذا الرجل قد سار إلى ما قبلنا وذلك أنا قتلنا ثلاثة نفر من أصحابه فلو بعثت من يتجسس لنا عن خبره. قال: قال طليحة: نعم، أرأيتم[إن][ (7) ]بعثتم بفارسين بطلين على فرسين عتيقين أدهمين أغرين محجلين من بني نصر بن قعين[ (8) ]أتياكم من القوم بعين، فقال له بعض أصحابه: أبا عامر!أشهد أنك نبي حقا فليس هذا الكلام إلا من كلام [ (1) ]بالأصل مطموس. «كلمة» ولعله: ونحن أحق بالخلافة.
[ (2) ]بالأصل غير واضح.
[ (3) ]بالأصل مطموس، ولم نصل إليه.
[ (4) ]هو عكاشة بن محصن الأسدي. (عكاشة بضم أوله وتشديد الكاف وتخفيفها أيضا: الإصابة) من السابقين الأولين، وشهد بدرا.
[ (5) ]كذا، وهو تحريف، وهو ثابت بن أقرم بن ثعلبة بن عدي بن العجلان، شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله (ص) .
[ (6) ]في تاريخ خليفة ص 102: فانتهوا إلى قطن (ماء في أرض بني أسد من ناحية فيد-ياقوت) فصادفوا بها حبالا متوجها إلى طليحة (أخيه) بثقله، فقتلا حبالا وأخذا ما معه، فخرج طليحة وسلمة ابنا خويلد فلقيا عكاشة وثابتا (إشارة هنا إلى أن خليفة والطبري لم يذكرا سعيد بن عمرو المخزومي معهما) فقتلا عكاشة وثابتا.
[ (7) ]زيادة ليستقيم المعنى. وفي المطبوعة: إن شئتم.
[ (8) ]بنو نصر بن قعين بن الحارث بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة. وهم أولاد عم طليحة بن خويلد، وهو من بني نضلة بن الأشتر بن حجوان بن فقعس بن طريف بن عمرو. وعمرو ونصر ابنا قعين.
(جمهرة النسب للكلبي ص 169-170) .
صفحة ١٢
الأنبياء. قال: ثم بعث القوم..... [ (1) ]على وصف طليحة بن خويلد ليتجسسا الأخبار بخالد.... [ (2) ]رجعا يركضان وهما يقولان: هذا خالد بن الوليد أقبل ..... [ (2) ]والأنصار، قال: فازداد القوم فتنة إلى فتنتهم..... [ (3) ]يشجع أصحابه ويقول: يا معشر بني أسد!لا يهولنكم..... [ (2) ]إلى خالد بن الوليد من هذا الجيش فإنهم على باطل وغرور، وأخرى فإنهم قد لهجوا بهذه الصلاة فهم يظنون أنهم محسنون ، ولقد أتاني جبريل يخبرني عن ربي: أنه ليس يحتاج إلى تعفر وجوهكم، وفتح[ (4) ]أدباركم، ولا يريد منكم ركوعا وسجودا وإنما يريد منكم أن تذكروه قياما وقعودا، فانظروا أن تمنعوا القوم أموالكم كما منعتموها في جاهليتكم، وأما عيينة بن حصن فقد خبرني عنه جبريل أنه قد خاف من حرب القوم، وأيم الله! لو كانت له نية صادقة لما خاف من أحد أبدا إذا كان على هذا الدين. قال: ثم تقدم إلى طليحة جماعة من أصحابه فقالوا: يا أبا عامر!إنه قد أضر بنا العطش فهل عندك من حيلة؟فقال طليحة: نعم اركبوا علالا، واضربوا أميالا، وجاوزوا الرمالا، وشارفوا الجبالا، ويمموا التلالا، تجدوا هناك قلالا[ (5) ]. قال: فركب بعض بني أسد فرسا لطليحة يقال له: علال، ثم سار إلى ذلك الموضع الذي وصف طليحة فإذا هو بماء عذب زلال!فشرب منه وملأ سقاء كان معه، ثم رجع إلى قومه فخبرهم بذلك، قال: فمضوا إلى ذلك الموضع فأسقوا وازدادوا فتنة إلى فتنتهم بطليحة بن خويلد. قال: وجعل خالد بن الوليد يتأنى بطليحة ويرسل إليه الرسل ويحذره سفك دماء أصحابه[ (6) ]، وطليحة يأبى ذلك ولج في طغيانه، قال: فعندها عزم خالد على حرب القوم.
أول حرب أهل الردة
قال: وزحف إليهم خالد حتى وافاهم بأرض يقال لها: بزاخة[ (7) ]، وإذا [ (1) ]كلمة غير واضحة بالأصل. ويتضح مما يلي أن الكلمة المطموسة: «رجلين أو فارسين» انظر الطبري 3/261.
[ (2) ]مطموس بالأصل قدر كلمتين.
[ (3) ]مطموس بالأصل، ويتضح مما يلي أنه «وراح طليحة» .
[ (4) ]كذا بالأصل. وفي المطبوعة «وقبح» أصوب.
[ (5) ]القلال جمع قلة وهي أعلى الجبل. وقلة كل شيء: أعلاه. والقلة: مزادة كبيرة من الماء، وقد سميت قلال لأنها تقل (اللسان) .
[ (6) ]وكان ذلك-من خالد-وفقا لما جاء في عهد أبي بكر إليه، وقد مر قريبا نسخة عنه.
[ (7) ]بزاخة: ماء لبني أسد. وما أثبتناه عن تاريخ خليفة، وبالأصل براحه.
صفحة ١٣
طليحة قد عبى أصحابه وعبى خالد أصحابه، وكان على ميمنته عدي بن حاتم الطائي، وعلى ميسرته زيد الخيل، وعلى الجناح الزبرقان بن بدر التميمي، ودنا القوم بعضهم من بعض واختلط القوم فاقتتلوا، فقتل من الفريقين جماعة، وجعلت بنو أسد وغطفان وفزارة يقاتلون بين يدي طليحة بن خويلد أشد القتال وهم ينادون: لا نبايع أبا الفصيل-يعنون أبا بكر الصديق رضي الله عنه، وجعل عدي بن حاتم يحمل عليهم في أصحابه فيقاتلهم وهو يقول: والله!لنقاتلنكم أبدا أو تكنونه بالفحل الأكبر[ (1) ]. قال: وجعل عدي بن حاتم وزيد الخيل وقبائل طيء يقاتلون بين يدي خالد بن الوليد قتالا لم يقاتلوا قبله في يوم من أيامهم التي سلفت، ومدحهم خالد بن الوليد. قال: واشتد القتال وعظم الأمر وعظت[ (2) ]الحرب الفريقين جميعا، فأقبل عيينة بن حصن إلى طليحة بن خويلد وهو واقف على باب خيمة من شعر[ (3) ] وفرسه علال إلى جانبه وامرأته نوار جالسة بين يديه[ (4) ]فقال له عيينة: أبا عامر!هل أتاك جبريل؟قال طليحة: لا، فرجع عينية إلى الحرب فقاتل ساعة ثم رجع إليه فقال: هل أتاك جبريل بعد؟فقال: لا، فرجع فلم يزل يقاتل حتى بلغ منه الجهد واشتد به الأمر ثم رجع إلى طليحة فقال: أبا عامر!هل أتاك جبريل؟قال: لا، قال عيينة: حتى متى ويحك!بلغ منا الجهد واشتد بنا الأمر وأحجم الناس عن الحرب، ثم رجع فلم يزل يقاتل هو وبنو عمه من فزارة حتى ضجوا من الطعان والضراب، ثم رجع فقال له: أبا عامر!هل أتاك جبريل بعد؟قال: نعم قد أتاني، قال عيينة: الله أكبر!هات الآن ما عندك وما الذي قال لك جبريل!قال طليحة: نعم قد قال جبريل عليه السلام: إن رجاء لا تقوم لرجاه وإن لك وله حديثا لا تنساه الناس أبدا[ (5) ]. قال: ثم أقبل عيينة على أهله وبني عمه من فزارة فقال:
ويحكم يا بني عمي!هذا والله رجل كذاب!والله صح عندي كذبه لتخليطه في كلامه!قال: ثم ولى عيينة بن حصن منهزما مع بني عمه من فزارة وانهزمت بنو أسد وغطفان وسيوف المسلمين في أقفيتهم كأنها الصواعق!فقال طليحة بن خويلد:
[ (1) ]في الطبري 3/255 أبا الفحل الأكبر.
[ (2) ]أي اشتدت، وكانت شديدة فيها عسف وعنف (اللسان) .
[ (3) ]في الطبري: وطليحة متلفف في كساء له بفناء بيت له من شعر.
[ (4) ]زيد في الطبري: يتنبأ لهم، والناس يقتتلون، فلما هزت عيينة الحرب، وضرس القتال، كر على طليحة.
[ (5) ]في الطبري: «إن لك رحا كرحاه، وحديثا لا تنساه» .
صفحة ١٤
ويحكم!ما بالكم منهزمين؟فقال رجل منهم: أنا أخبرك يا أبا عامر: لم لا ننهزم؟ نحن قوم نقاتل ونريد البقاء، وهؤلاء قوم يقاتلون ويحبون الفناء. قال: فقالت نوار امرأة طليحة: أما إنه لو كانت لكم نية صادقة لما انهزمتم عن نبيكم!فقال لها رجل منهم: يا نوار!لو كان زوجك هذا نبيا حقا لما خذله ربه. قال: فلما سمع طليحة ذلك صاح بامرأته: ويلك يا نوار!اقتربي مني فقد اتضح الحق وزاح الباطل. قال:
ثم استوى طليحة على فرسه وأردف امرأته من ورائه ومر منهزما مع من انهزم[ (1) ]، واحتوى خالد ومن معه من المسلمين على غنائم القوم وعامة نسلهم وأولادهم.
قال: فجمع خالد غنائم القوم فوكل نفرا من المسلمين يحفظونها، ثم خرج في طلب القوم يتبع آثارهم حتى وافاهم بباب الأجرب[ (2) ]فاقتتلوا قتالا شديدا، فأسر عيينة بن حصن الفزاري وأسر معه جماعة من بني عمه، وأفلت طليحة بن خويلد فمر هاربا على وجهه نحو الشام حتى صار إلى بني جفنة[ (3) ]فلجأ إليهم واستجار بهم فأجاروه. قال: ثم جمع خالد الأسارى بأجمعهم من بني أسد وغطفان وفزارة وعزم أن يوجه بهم إلى أبي بكر رضي الله عنه.
ذكر الأسارى الذين وجه بهم خالد بن الوليد إلى أبي بكر وما كان من أمرهم
قال: ثم أمر خالد بالمجامع فوضعت في أعناق هؤلاء الأسارى[ (4) ]ووجه بهم مع الغنائم إلى المدينة، فلما أشرفت الغنائم على المدينة خرج الناس ينظرون إلى الأسارى، فإذا هم بعيينة بن حصن على بعير ويده مجموعة إلى عنقه[ (5) ]، فجعل المسلمون يشتمونه ويلعنونه وهو ساكت لا ينطق بشيء، قال: وجعل أهل المدينة ينخسونه بالعسبان[ (6) ]ويقولون له: يا عدو الله!أكفرت بعد إيمانك وقاتلت المسلمين ؟قال: فأشرف عليهم من فوق البعير فقال: والله!ما آمن ذلك الرجل بالله [ (1) ]العبارة في الطبري: وقال (لأصحابه) : من استطاع منكم أن يفعل مثل ما فعلت وينجو بأهله فليفعل. ثم سلك الحوشية حتى لحق بالشام وارفض جمعه.
[ (2) ]الأجرب: اسم موضع يذكر مع الأشعر من منازل جهينة بناحية المدينة.
[ (3) ]في تاريخ اليعقوبي: لحق طليحة بالشام وجاور بني حنيفة.
[ (4) ]كانوا ثلاثين أسيرا وعيينة بن حصن (اليعقوبي 2/129) .
[ (5) ]عند اليعقوبي: وهو مكبل بالحديد.
[ (6) ]العسبان جمع عسيب وهو جريدة من النخل مستقيمة دقيقة يكشط خوصها (اللسان) وفي الطبري:
ينخسه غلمان المدينة بالجريد.
صفحة ١٥
ساعة قط-يعني عن نفسه. قال: ثم أتي به حتى أدخل على أبي بكر رضي الله عنه فأوقفه بين يديه، فقال له أبو بكر: يا عدو الله!أسلمت وأقرأت القرآن ثم رجعت عن دين الإسلام كافرا!لأضربن عنقك صبرا، فقال عيينة: يا خليفة رسول الله (صلى الله عليه وسلم وآله) !إن الجميل أجمل، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرف بي منك لم يخف عليه شيء من أمري، ولقد خرج من الدنيا وإني لمقيم على النفاق[ (1) ]، غير أني تائب إلى الله عز وجل وإليك في يومي هذا فاعف عني عفا الله عنك!فعفا عنه أبو بكر رضي الله عنه وصفح عن بني عمه وأحسن إليهم وكساهم.
قال: ثم قدم قرة بن سلمة[ (2) ]بن هبيرة القشيري حتى أوقف بين يدي أبي بكر رضي الله عنه ويده مجموعة إلى عنقه، فقال أبو بكر رضي الله عنه: اضربوا عنقه، فقال قرة: يا خليفة رسول الله!إني رجل مسلم يشهد لي بذلك عمرو بن العاص، وذلك أنه مر بي منصرفا من عمان[ (3) ]فقربته وأكرمته ودللته على الطريق، وهو عارف بإسلامي، قال: فدعا أبو بكر عمرو بن العاص، قال له: يا أبا عبد الله!ما الذي عندك من الشهادة لقرة بن هبيرة؟فإنه يزعم أنك تشهد له بالإسلام!فقال عمرو بن العاص: نعم يا خليفة رسول الله!عندي من الشهادة أني مررت به، وأنا منصرف من عمان فلما نزلت عليه سمعته يقول: والله!لئن لم يتجاف أبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن زكاة أموالنا فما له في أعناقنا طاعة، فقال قرة بن هبيرة: لم يكن القول على ما تقول يا عمرو!فقال عمرو: بلى والله يا خليفة رسول الله!لقد سمعته يقول هذا المقال[ (4) ]وعلمت أنه قد عزم على العصيان ومنع الزكاة، فهذا والله [ (1) ]كذا. وقد ورد فيه أنه أسلم قبل الفتح-وقيل بعده-وشهده وشهد حنينا والطائف، وكان من المؤلفة قلوبهم، وكان من الأعراب الجفاة، فيه جفاء سكان البوادي. ولم نجد عند من ترجم ما يشير إلى ذلك والنبي حيا (أسد الغابة-الإصابة- الاستيعاب) فقط هناك إشارة في حديث قال عنه النبي (ص) : أحمق مطاع سيد قومه. ونعته ابن أخيه في مجلس عمر بن الخطاب أنه من الجاهلين.
[ (2) ]كذا ورد قرة بن سلمة بن هبيرة خطأ، وقد مر قريبا صوابا: قرة بن هبيرة. ترجم له في أسد الغابة والإصابة.
[ (3) ]وذلك بعد وفاة رسول الله (ص) . وكان رسول الله (ص) قد استعمله على عمان ومات (ص) وهو أميرها. (الطبري-الإصابة) .
[ (4) ]عبارة الطبري 3/259 فلما أراد الرحلة، خلا به قرة، فقال: يا هذا، إن العرب لا تطيب لكم نفسا بالإتاوة، فإن أنتم أعفيتموها من أخذ أموالها فستسمع لكم وتطيع، وإن أبيتم فلا أرى أن تجتمع عليكم.
صفحة ١٦
يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان من مقالتي ومقالته ثم إني رحلت عنه فلما قربت فرسي وركبته سمعته يقول: إن أتيتنا-فعضض على الأنامل[ (1) ]، قال قرة بن هبيرة: يا هذا! فإن كان هذا ذكرت فكم إلى كم هذا التحريض، قال: فسكت عمرو بن العاص وتكلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: سوءا لك يا عمرو!رجل نزلت عليه فأواك وأحسن ضيافتك وأطعمك وسقاك ثم تكلم بكلام بينك وبينه فأجبته على كلامه ثم رحلت عنه، فالآن لما نظرت إليه في مثل هذه الحالة أسيرا قد جمعت يداه إلى عنقه وثبت قائما على قدميك تخطب عليه بجهدك!فاستحيا عمرو وندم على ما تكلم، والتفت عمر إلى أبي بكر فقال: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم!هذا رجل من سادات العرب وأشراف بني عامر وما أولاك بالصفح عنه بعد إذ قدرت عليه!فقد كان منه ما كان من غيره فاعف عنه كما عفوت عن غيره[ (2) ]!قال أبو بكر: قد عفوت عنه، ثم أطلقه رضي الله عنه وكساه وأحسن إليه وأطلق من كان معه من بني عمه.
قال: وبلغ طليحة بن خويلد الأسدي أن عيينة بن حصن وقرة بن هبيرة قد حملا إلى المدينة وقد عفا عنهما أبو بكر رضي الله عنه، فندم على ما كان منه أشد الندامة، ثم إنه وجه إلى أبي بكر رضي الله عنه من الشام مع بعض النوادر[ (3) ]، قال: فلما انتهى إلى أبي بكر كتابه وقرئ عليه رق له أبو بكر رقة شديدة وعلم أنه قد ندم على ما كان منه. قال: وجعل طليحة بن خويلد يتقدم في الرجوع إلى دار الإسلام ويتأخر إلى أن توفي أبو بكر ومضى لسبيله رحمة الله عليه ثم استخلف بعده عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقدم عليه طليحة بن خويلد مسلما تائبا، فلما رآه عمر قطب في وجهه ثم قال: يا طليحة!كيف ترجو النجاة من النار وقتلت مثل [ (1) ]وكان عمرو بن العاص-على رواية الطبري-قد قال لقرة: فوالله لأوطئن عليك بالخيل.
[ (2) ]في الإصابة أن قرة بن هبيرة اعتذر إلى أبي بكر عن ارتداده بأنه كان له مال وولد فخاف عليهم، ولم يرتد في الباطن.
[ (3) ]عند اليعقوبي 2/129 وبعث بشعر إلى أبي بكر يعتذر إليه، ويراجع الإسلام، يقول فيه:
فهل يقبل الصديق أني مراجع # ومعط بما أحدثت من حدث يدي
وأني من بعد الضلالة شاهد # شهادة حق لست فيها بملحد
وفي رواية عند الطبري 3/261 أنه راجع إسلامه بعد ما بلغه أن أسد وغطفان وعامرا قد أسلموا «ثم خرج نحو مكة معتمرا في إمارة أبي بكر ومر بجنبات المدينة، فقيل لأبي بكر: هذا طليحة . فقال:
ما أصنع به!خلوا عنه، فقد هداه الله للإسلام» .
صفحة ١٧
ثابت بن أرقم[ (1) ]الأنصاري وعكاشة بن محصن الأسدي؟قال طليحة: يا أمير المؤمنين!ذلك رجلان أكرمهما الله عز وجل بالجنة وساق إليهما الشهادة على يدي ولم يقتلني[ (2) ]بأيديهما فأكون في النار!قال: فأعجب عمر مقالته فقربه وأدناه، وأقام طليحة عند أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى أن تحركت الفرس بعد ذلك فوجهه عمر بن الخطاب مع سعد بن أبي وقاص، فقاتل بالعراق قتالا شديدا وقاتل أيضا بنهاوند، ولم يزل ناصرا لدين الإسلام حتى لحق بالله. فهذا ما كان من كفر طليحة بن خويلد الأسدي وارتداده وخروجه على أبي بكر وتوبته.
ثم رجعنا إلى مسير خالد بن الوليد إلى مالك بن نويرة، قال: فلما فرغ خالد بن الوليد من حرب بني أسد وغطفان وفزارة وأمكنه الله منهم أقبل على من كان معه من المسلمين فقال لهم: إنكم تعلمون أن خليفة رسول الله (ص) قد كان أمرني بالبطاح[ (3) ]من أرض بني تميم إلى مالك بن نويرة وأصحابه وأنا سائر[ (4) ]، فما الذي عندكم من الرأي؟قال: فقالت له الأنصار: يا أبا سليمان!إنك لست عندنا بمتهم غير أن أبا بكر لم يعهد إلينا بشيء في ذلك[ (5) ]عهدا فإن كان أمرك بالمسير إلى بني تميم فسر راشدا فإنا غير سائرين معك، قال خالد: لست أكرهكم على شيء وأنا سائر بمن معي من المهاجرين حتى أنفذ أمر أبي بكر. قال: ثم سار خالد بمن معه من المهاجرين[ (6) ]يريد أرض بني تميم وأقامت الأنصار في مواضعها، حتى إذا سار خالد يومه كأنه اغتم على تخلف الأنصار عنه، قال: وتلاومت[ (7) ]الأنصار أيضا، ثم قال بعضهم لبعض: والله، لئن كان غدا في هذا الجيش مصيبة فإنه لعار علينا!ليقولن الناس بأنكم خذلتم المهاجرين وأسلمتموهم لعدوهم[ (8) ]، ولئن أصابوا [ (1) ]كذا بالأصل، وهو تحريف، وهو أقرم وقد تقدم.
[ (2) ]في الطبري: ولم يهني.
[ (3) ]البطاح بضم أوله-منزل لبني يربوع، وقيل: البطاح ماء في ديار بني أسد بن خزيمة، وهناك كانت الحرب بين المسلمين وأميرهم خالد بن الوليد وأهل الردة (معجم البلدان) .
[ (4) ]في تاريخ خليفة أنه بعد هزيمة غطفان وأسد ببزاخة قال خالد: والله لا أنتهي حتى أناطح مسيلمة.
[ (5) ]في الطبري: إن الخليفة عهد إلينا إن نحن فرغنا من البزاخة... أن نقيم حتى يكتب إلينا.
[ (6) ]زيد في الطبري: والتابعين بإحسان.
[ (7) ]في الطبري: وندمت الأنصار، وتذامروا. وفي الأغاني 15/300 وبرمت الأنصار وتذامروا.
[ (8) ]في الطبري والأغاني: ولئن أصابتهم مصيبة ليجتنبنكم الناس.
صفحة ١٨
فتحا فإنه خير حرمتموه، ولكن سيروا فالحقوا بإخوانكم. قال: فسارت الأنصار حتى لحقت خالد بن الوليد فصار القوم جميعا واحدا، وتوسط خالد بن الوليد أرض البطاح، وبالبطاح يومئذ رجل من أشراف بني تميم يقال له: الجفول[ (1) ]، لأنه جفل إبل الصدقة، ومنع الزكاة وجعل يقول لقومه: يا بني تميم!إنكم قد علمتم بأن محمد بن عبد الله قد كان جعلني على صدقاتكم قبل موته[ (2) ]، وقد هلك محمد ومضى لسبيله، ولا بد لهذا الأمر من قائم يقوم به، فلا تطمعوا أحدا في مالكم فأنتم أحق بها من غيركم. قال: فلامه بعض قومه على ذلك وحمده بعضهم وسدد له رأيه بما قال[ (3) ]، فلما بلغ كلامه أبا بكر والمسلمين فازدادوا عليه حنقا وغيظا، وأما خالد بن الوليد فإنه حلف وعاهد الله عز وجل لئن قدر عليه ليقتلنه وليجعلن رأسه أثفية للقدور.
قال: ثم ضرب خالد عسكره بأرض بني تميم، وبث السرايا في البلاد يمنة ويسرة. قال: فوقعت سرية من تلك السرايا على مالك بن نويرة فإذا هو في حائط له ومعه امرأته وجماعة من بني عمه[ (4) ]، قال: فلم يرع مالك إلا والخيل قد أحدقت به فأخذوه أسيرا وأخذوا امرأته معه وكانت بها مسحة من جمال. قال: وأخذوا كل من كان من بني عمه فأتوا بهم إلى خالد بن الوليد حتى أوقفوا بين يديه. قال: فأمر خالد بضرب أعناق بني عمه بديا. قال: فقال القوم: إنا مسلمون فعلى ما ذا تأمر بقتلنا؟قال خالد: والله!لأقتلنكم، فقال له شيخ منهم: أليس قد نهاكم أبو بكر أن تقتلوا من صلى للقبلة ؟فقال خالد: بلى قد أمرنا بذلك ولكنكم لم تصلوا ساعة قط، قال: فوثب أبو قتادة[ (5) ]إلى خالد بن الوليد فقال: أشهد أنك لا سبيل لك [ (1) ]عن الأغاني: وبالأصل: الحفول.
[ (2) ]كان مالك بن نويرة على بني يربوع-من بني حنظلة.
[ (3) ]كذا بالأصل، وفي الطبري أن مالكا قد فرق (أصحابه) في أموالهم ونهاهم عن الاجتماع، وقال: يا بني يربوع إنا قد كنا عصينا أمراءنا إذ دعونا إلي هذا الدين، وبطأنا الناس عنه فلم نفلح ولم ننجح، وإني قد نظرت في هذا الأمر، فوجدت الأمر يتأنى لهم بغير سياسة، وإذا الأمر لا يسوسه الناس، فإياكم ومناوأة قوم صنع لهم، فتفرقوا إلى دياركم وادخلوا في هذا الأمر... وخرج مالك حتى رجع إلى منزله. وانظر الأغاني 15/301.
[ (4) ]من بني ثعلبة بن يربوع، من عاصم وعبيد وعرين وجعفر.
[ (5) ]هو الحارث بن ربعي وقيل اسمه النعمان أبو قتادة الأنصاري الخزرجي، ثم من بني سلمة. فارس رسول الله (ص) . (أسد الغابة-الإصابة) .
صفحة ١٩
عليهم، قال خالد: وكيف ذلك؟قال: لأني كنت في السرية التي قد وافتهم فلما نظروا إلينا قالوا: من أين أنتم؟قلنا: نحن المسلمون، فقالوا: ونحن المسلمون، ثم أذنا وصلينا فصلوا معنا، فقال خالد: صدقت يا[أبا-][ (1) ]قتادة إن كانوا قد صلوا معكم فقد منعوا الزكاة التي تجب عليهم ولا بد من قتلهم. قال: فرفع شيخ منهم صوته وتكلم فلم يلتفت خالد إليه وإلى مقالته فقدمهم فضرب أعناقهم عن آخرهم[ (2) ]. قال: وكان أبو قتادة قد عاهد الله أنه لا يشهد مع خالد بن الوليد مشهدا أبدا بعد ذلك اليوم.
قال: ثم قدم خالد مالك بن نويرة ليضرب عنقه فقال مالك: أتقتلني وأنا مسلم أصلي إلى القبلة!فقال له خالد: لو كنت مسلما لما منعت الزكاة ولا أمرت قومك بمنعها والله!ما نلت ما في مثابتك حتى أقتلك. قال: فالتفت مالك بن نويرة إلى امرأته فنظر إليها ثم قال: يا خالد!بهذه قتلتني؟فقال خالد: بل الله قتلك برجوعك عن دين الإسلام وجفلك لإبل الصدقة وأمرك لقومك بحبس ما يجب عليهم من زكاة أموالهم. قال: ثم قدمه خالد فضرب عنقه صبرا[ (3) ]. فيقال إن خالد بن الوليد تزوج بامرأة مالك[ (4) ]ودخل بها، وعلى ذلك أجمع أهل العلم.
[ (1) ]سقطت من الأصل.
[ (2) ]كذا بالأصل، ويفهم من رواية الطبري والأغاني أن قتلهم لم يكن مقررا إنما كان لسوء فهم أمر أصدره خالد بقوله: أدفئوا أسراكم وكان في لغة كنانة إذا قالوا: دثروا الرجل فأدفئوه، دفئه أي اقتلوه من الدفء. فظن القوم-وهي في لغتهم القتل-أنه أراد القتل، فقتلوهم. وقد عبر خالد عن أسفه بقوله: إذا أراد الله أمرا أصابه (3/278 الأغاني 15/301) .
[ (3) ]كذا بالأصل، وهو ما ذهب إليه اليعقوبي، وأما في الرواية المتقدمة عن الطبري والأغاني أن ضرار بن الأزور هو الذي قتل مالكا. ويقول أخوه متمم بن نويرة يرثيه:
فعشنا بخير في الحياة وقبلنا # أصاب المنايا رهط كسرى وتبعا
وكنا كندماني جذيمة حقبة # من الدهر حتى قيل لن يتصدعا
فلما تفرقنا كأني ومالكا # لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
في أبيات (الأغاني-الكامل لابن المبرد-أدب الكاتب وقال:
نعم القتيل إذا الرياح تناوحت # خلف البيوت قتلت يا بن الأزور
أدعوته بالله ثم غدرته # لو هو دعاك بذمة لم يغدر
[ (4) ]هي أم تميم بنت المنهال بن عصمة الرياحي وهو الذي كفن مالكا- بثوبيه.
صفحة ٢٠
ذكر أمر مسيلمة الكذاب وما كان من حروبه مع خالد بن الوليد والمسلمين
قال: وأقام خالد بن الوليد بالبطاح من أرض بني تميم بعد قتل مالك بن نويرة ينتظر أمر أبي بكر رضي الله عنه[ (1) ]. وجعل مسيلمة بن حبيب الكذاب يعلو أمره باليمامة يوما بعد يوم ويقول لقومه بني حنيفة: أريد أن تخبروني بما ذا صارت قريش أحق بالنبوة والإمامة منكم، والله!ما هم بأكثر منكم ولا أنجد، وإن بلادكم لأوسع من بلادهم، وأموالكم أكثر من أموالهم، وإن جبريل عليه السلام ليأتيني في كل يوم بالذي أريده من الأمور، وينزل علي كما كان ينزل على محمد بن عبد الله من قبلي، وبعد فهذا الرحال بن نهشل[ (2) ]ومحكم بن الطفيل وهما من سادات أهل اليمامة فسلوهما هل يشهدان لي بأن محمد بن عبد الله قد أشركني في نبوته قبل وفاته[ (3) ]. قال: فأقبل قوم من أشراف بني حنيفة إلى الرحال[ (2) ]بن نهشل ومحكم بن الطفيل فقالوا لهما: إن مسيلمة بن حبيب قد ادعى النبوة بين أظهرنا منذ كذا وكذا وقد زعم لنا أنكما تشهدان له بأن محمد بن عبد الله قد أشركه في نبوته قبل وفاته وأنتما عندنا شيخان صادقان فما الذي عندكما؟قال الرحال[ (2) ]بن نهشل: صدق مسيلمة في قوله، أنا أشهد أن محمد بن عبد الله قد أشركه في نبوته قبل وفاته[ (3) ]، وقال محكم بن الطفيل: وأنا أشهد بذلك. قال: فعندها تسارع الناس إلى مسيلمة وآمنوا بنبوته إلا القليل منهم.
[ (1) ]في الطبري: أنه لما بلغ أبا بكر خبر مالك بن نويرة وما أقدم عليه خالد بن الوليد كتب إليه أن يقدم عليه، ففعل، فأخبره خبره، فعذره وقبل منه، وعنفه في التزويج الذي كانت تعيب عليه العرب من ذلك. (3/278-279 والأغاني 15/301-302) .
[ (2) ]كذا بالأصل، وهو الرجال بن عنفوة بن نهشل (وقيل هو الرحال بالحاء) واسمه نهار (عن ابن الأثير) وكان قد أسلم في قومه بني حنيفة وهاجر إلى النبي (ص) وقرأ القرآن، وفقه في الدين، فبعثه معلما لأهل اليمامة وليشغب على مسيلمة فكان أعظم فتنة على بني حنيفة من مسيلمة.
[ (3) ]وكان مسيلمة قد تنبأ سنة عشر، وكان كتب إلى رسول الله إني أشركت معك، فلك نصف الأرض، ولي نصفها، ولكن قريش قوم لا يعدلون. فكتب إليه رسول الله (ص) : من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب: أما بعد ف إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين.
صفحة ٢١
ذكر سجاح بنت الحارث[ (1) ]التميمية لما زوجت نفسها من مسيلمة
قال: وظهر أمر مسيلمة باليمامة وانتشر ذكره في الناس، وسمعت به سجاح بنت الحارث[ (1) ]التميمية وقد كانت ادعت النبوة[ (2) ]وتبعها رجال من قومها غيلان بن خرشة[ (3) ]والحارث[ (4) ]بن الأهتم وجماعة من بني تميم[ (5) ]. قال: وكان لها مؤذن[ (6) ]يؤذن بها ويقول: أشهد أن سجاح[ (1) ]نبية الله . قال: فسارت سجاح[ (1) ]هذه إلى مسيلمة الكذاب سلمت عليه بالنبوة وقالت: إنه بلغني أمرك وسمعت بنبوتك وقد أقبلت إليك وأحببت أن أتزوج بك، ولكن أخبرني ما الذي أنزل إليك من ربك؟فقال مسيلمة:
أنزل علي من ربي : لا أقسم بهذا البلد، ولا تبرح هذا البلد، حتى تكون ذا مال وولد، ووفر وصفد، وخيل وعدد، إلى آخر الأبد، على رغم من حسد. قال:
فقالت سجاح[ (1) ]: إنك نبي حقا، وقد رضيت بك وزوجتك نفسي، ولكن أريد أن تجعل لي صداقا يشبهني، قال مسيلمة: فإني قد فعلت ذلك. قال: دعا مسيلمة بمؤذنه[ (7) ]فقال: ناد في قوم هذه المرأة: ألا!إن نبيكم مسيلمة قد رفع عنكم صلاتين[ (8) ]من الخمس التي جاء بها محمد بن عبد الله، وهي صلاة الفجر وصلاة العشاء الأخيرة، فقالت سجاح[ (1) ]: أشهد أنك لقد جئت بصواب.
قال: وضج المسلمون إلى أبي بكر رضي الله عنه وقالوا: يا خليفة [ (1) ]بالأصل شجاح بنت المنذر، تحريف. وهي سجاح بنت الحارث بن سويد بن عقفان.
[ (2) ]تنبأت بعد موت رسول الله (ص) بالجزيرة في بني تغلب، فاستجاب لها الهذيل، وترك التنصر.
وتابعها جمع من عشيرتها.
[ (3) ]عن الطبري، وبالأصل حرشنة.
[ (4) ]في الطبري: وعمرو.
[ (5) ]زيد في الطبري 3/274 والزبرقان بن بدر، وعطارد بن حاجب وشبث بن ربعي.
[ (6) ]في تاريخ اليعقوبي 2/129 الأشعث بن قيس، وفي الطبري والكامل لابن الأثير: شبث بن ربعي الرياحي. وفي المعارف لابن قتيبة ص 178: مؤذنها زهير بن عمرو من بني سليط بن يربوع، ويقال أن شبث بن ربعي أذن لها.
[ (7) ]في الطبري وابن الأثير: دعا مسيلمة بمؤذنها وقال له: ناد في أصحابك...
[ (8) ]في الأغاني 18/166 «قد وضعت عنكم صلاة العصر. فبنو تميم إلى الآن بالرمل لا يصلونها، ويقولون: هذا حق لنا، ومهر كريمة منا لا نرده» .
صفحة ٢٢
رسول الله!قد انتشر من ذكر هذا الملعون الكذاب بأرض اليمامة. قال: فقال أبو بكر رضي الله عنه: لا تعجلوا فإني أرجو أن الله تبارك وتعالى قد أذن في هلاكه.
ذكر كتاب أبي بكر رضي الله عنه إلى خالد بن الوليد في أمر مسيلمة
قال: ثم كتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد رضي الله عنهما وهو يومئذ مقيم بالبطاح[ (1) ]فكتب إليه[ (2) ]:
«بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله بن عثمان خليفة رسول الله (ص) إلى خالد بن الوليد ومن معه من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان.
أما بعد يا خالد!فإني قد أمرتك بالجد في أمر الله، والمجاهدة لمن تولى عن سبيل الله إلى غيره ورجع عن دين الإسلام والهدى إلى الضلالة والردى، وعهدي إليك يا خالد أن تتقي الله وحده لا شريك له، وعليك بالرفق والتأني، [وإياك ونخوة بني المغيرة][ (3) ]، وسر نحو بني حنيفة ومسيلمة الكذاب، واعلم بأنك لم تلق قوما قط يشبهون بني حنيفةفي البأس والشدة، فإذا قدمت عليهم، فلا تبدأهم بقتال حتى تدعوهم إلى داعية الإسلام، واحرص على صلاحهم، فمن أجابك منهم، فاقبل ذلك منه، ومن أبى فاستعمل فيه السيف.
واعلم يا خالد بأنك إنما تقاتل قوما كفارا بالله وبالرسول محمد صلى الله عليه وسلم، فإذا عزمت على الحرب فباشرها بنفسك، ولا تتكل على غيرك، وصف صفوفك، واحكم بعينك[ (4) ]واجزم[ (5) ]على أمرك، واجعل على ميمنتك رجلا ترضاه، وعلى ميسرتك مثله، واجعل على خيلك رجلا عالما صابرا، واستشر من معك من أكابر[ (6) ] المسلمين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الله تبارك وتعالى موفقك بمشورتهم.
[ (1) ]تقدم أن أبا بكر كان قد استدعى خالدا بعد قتله مالك بن يربوع فقدم عليه خالد واعتذر إليه فعذره وقبل منه ثم وجهه إلى مسيلمة وأوعب معه الناس. (الطبري 3/281 الكامل لابن الأثير 2/35) .
[ (2) ]مجموعة الوثائق السياسية حميد الله ص 348 عن كتاب الردة للواقدي ص 71-72.
[ (3) ]ما بين معكوفتين سقط من مجموعة الوثائق.
[ (4) ]في مجموعة الوثائق: تعبئتك.
[ (5) ]في مجموعة الوثائق: واحزم.
[ (6) ]في مجموعة الوثائق: أكابر أصحاب.
صفحة ٢٣
واعرف للمهاجرين والأنصار حقهم وفضلهم، ولا تكسل ولا تفشل، وأعد السيف للسيف والرمح للرمح، والسهم للسهم، واستوص بمن معك من المسلمين خيرا، ولين الكلام وأحسن الصحبة واحفظ وصية نبيك محمد صلى الله عليه وسلم في الأنصار خاصة.
أن[ (1) ]تحسن إلى محسنهم وتتجاوز عن مسيئهم، وقل: لا حول ولا قوة إلا بالله» .
قال: فلما ورد الكتاب على خالد بن الوليد جميع أصحابه ثم قرأ عليهم الكتاب وقال: ما الذي ترون الآن من الرأي؟فقالوا: الرأي رأيك وليس فينا أحد يخالفك.
قال: فعندها عزم خالد على المسير إلى مسيلمة وأصحابه[ (2) ]، وكتب حسان بن ثابت الأنصاري إلى محكم بن الطفيل وزير مسيلمة يهدده، قال: فلما وصل كتابه إلى محكم بن الطفيل هذا الذي هو وزير مسيلمة وقرأه أرسل إلى وجوه أهل اليمامة فجمعهم ثم أقبل عليهم فقال: يا بني حنيفة!هذا خالد بن الوليد قد سار إليكم في جمع المهاجرين والأنصار وإنكم تلقون غدا قوما يبذلون أنفسهم دون صاحبهم، فابذلوا أنفسكم دون صاحبكم. قال: فقالت بنو حنيفة: سيعلم خالد غدا إذا نحن التقينا أنا بخلاف من لقي من العرب، فقال محكم بن الطفيل: هذا الذي أريده منكم. قال: وبلغ بني حنيفة أن خالدا قد سار إليهم في الحد والحديد والخيل والجنود فاجتمعوا إلى رجل واحد من أكابرهم يقال له ثمامة بن أثال[ (3) ]-وكان ذا عقل وفهم ورأي وكان مخالفا لمسيلمة على ما هو عليه- فقالوا له: يا أبا عامر!إنه قد سار هذا الرجل إلى مقاتلتنا يريد قتلنا وبوارنا واستئصالنا عن جدبة الأرض، فهذا مسيلمة بن حبيب بين أظهرنا وقد ادعى ما قد علمت من النبوة، فهات الذي عندكم من الرأي[ (4) ].
[ (1) ]في مجموعة الوثائق: وأن.
[ (2) ]رواية الطبري 3/280 أنه لما وجهه أبو بكر إلى مسيلمة أوعب معه الناس... وتعجل خالد حتى قدم على أهل العسكر بالبطاح، وانتظر البعث الذي ضرب بالمدينة، فلما قدم عليه نهض حتى أتى اليمامة وبنو حنيفة يومئذ كثير.
[ (3) ]من الطبري والإصابة. وبالأصل: تمامة بن أتال. وهو ثمامة بن أثال بن النعمان بن مسلمة بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدول بن حنيفة بن لجيم. حاول وهو مشرك أن يقتل رسول الله (ص) فأخذ وأمر به فربط إلى عمود من عمد المسجد ثم عفا عنه رسول الله (ص ) وتركه ثم أسلم. قال ابن إسحاق: لما ارتد أهل اليمامة عن الإسلام لم يرتد ثمامة وثبت على إسلامه هو ومن اتبعه من قومه وكان مقيما باليمامة ينهاهم عن اتباع مسيلمة وتصديقه ويقول: إياكم وأمرا مظلما لا نور فيه وأنه لشقاء. قتله بنو الحصم. (أسد الغابة) .
[ (4) ]قيل إن ثمامة كتب إلى مسيلمة ينصحه كتابا نسخته (عن مجموعة الوثائق حميد الله ص 349 عن كتاب
صفحة ٢٤