الفصول في الأصول
الناشر
وزارة الأوقاف الكويتية
رقم الإصدار
الثانية
سنة النشر
١٤١٤ هجري
مكان النشر
الكويت
تصانيف
أصول الفقه
فَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ مُجَاوَزَتُهُ.
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى ﴿لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ﴾ [البقرة: ٢٢٦] فَإِنَّهُ قَدْ بَيَّنَ (حُكْمَهُ بَعْدَ الْمُدَّةِ) فِي سِيَاقِ اللَّفْظِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٢٦] ﴿وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ﴾ [البقرة: ٢٢٧] فَلَا يَجُوزُ بَقَاءُ حُكْمِ الْمُدَّةِ مَعَ حُصُولِ أَحَدِ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ لِأَنَّ الْفَيْءَ وَهُوَ الْجِمَاعُ فِي الْمُدَّةِ يُسْقِطُ التَّرَبُّصَ إذْ لَا يَمِينَ هُنَاكَ بَعْدَ الْحِنْثِ وَتَرْكُهَا هَذِهِ الْمُدَّةَ هُوَ عَزِيمَةُ الطَّلَاقِ وَالتَّرَبُّصُ مَعَهُ سَاقِطٌ لَا اعْتِبَارَ بِهِ لِأَنَّهَا قَدْ بَانَتْ عَزِيمَةً، فَصَارَ حُكْمُ مَا بَعْدَ الْمُدَّةِ بِخِلَافِهِ فِي الْمُدَّةِ لِلدَّلَالَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا لَا بِتَحْدِيدِ الْمُدَّةِ فَحَسْبُ. وقَوْله تَعَالَى ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾ [البقرة: ٢٢٨] فَإِنَّهُ قَدْ ذَكَرَ فِي الْآيَةِ مَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ مَا بَعْدَهُ عِدَّةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ﴾ [البقرة: ٢٣٤] . وَأَيْضًا فَإِنَّ هَذَا الضَّرْبَ مِنْ الْمَقَادِيرِ لَا يَصِحُّ إثْبَاتُهَا إلَّا مِنْ طَرِيقِ التَّوْقِيفِ أَوْ اتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ (فَلَمَّا) لَمْ يَرِدْ التَّوْقِيفُ إلَّا بِهَذِهِ الْمُدَّةِ لَمْ يَجُزْ إثْبَاتُ زِيَادَةٍ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ تَوْقِيفٍ أَوْ اتِّفَاقٍ (عَلَيْهَا)، فَكَذَلِكَ هَذَا فِي الْحُدُودِ وَالْعَدَدِ وَسَائِرِ الْمَقَادِيرِ. وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى فِي الْحُدُودِ أَنَّ ظَهْرَ الْإِنْسَانِ مَحْظُورٌ فِي الْأَصْلِ فَلَا يَجُوزُ اسْتِبَاحَتُهُ إلَّا بِالْمِقْدَارِ الَّذِي يَرِدُ بِهِ التَّوْقِيفُ أَوْ يَقُومُ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ وَإِلَّا فَهُوَ بَاقٍ عَلَى أَصْلِ الْحَظْرِ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ جَمِيعَ مَا ذَكَرْت مِنْ ذَلِكَ وَارِدٌ فِي حُكْمِ الْوَاجِبِ وَصِفَتِهِ فَهُوَ (وَاجِبٌ) لَازِمٌ وَقَدْ أَفَادَتْ الْآيَةُ أَنَّ هَذَا الْمِقْدَارَ حَدٌّ يَقَعُ مَوْقِعَ الْإِجْزَاءِ فَلَمْ يَجُزْ الزِّيَادَةُ فِيهَا إلَّا بِنَصٍّ مِثْلِهِ.
1 / 312