الفصول في الأصول

الجصاص ت. 370 هجري
129

الفصول في الأصول

الناشر

وزارة الأوقاف الكويتية

رقم الإصدار

الثانية

سنة النشر

١٤١٤هـ - ١٩٩٤م

أَلَا تَرَى أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ يَسَعُ الِاجْتِهَادُ فِي مُخَالَفَتِهِ، وَلَا يَسَعُ الِاجْتِهَادُ فِي مُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ، فَكَيْفَ يَكُونُ الْإِجْمَاعُ فَرْعًا عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّأْيَ فِي نَفْسِهِ قَدْ يَسَعُ خِلَافُهُ بِرَأْيٍ مِثْلِهِ ثُمَّ إذَا (حَصَلَ مِنْ طَرِيقِ الْإِجْمَاعِ وَالرَّأْيِ) لَمْ يَسَعْ خِلَافُهُ لَا مِنْ حَيْثُ هُوَ رَأْيٌ لَكِنْ مِنْ جِهَةِ وُقُوعِ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ، فَالْإِجْمَاعُ يُصَحِّحُ خَبَرَ الْوَاحِدِ، وَيَمْنَعُ الِاعْتِرَاضَ عَلَيْهِ، كَمَا يُصَحِّحُ الرَّأْيَ وَيَمْنَعُ مُخَالَفَتَهُ، فَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا جَازَ تَخْصِيصُ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ بِخَبَرٍ قَدْ تَلَقَّاهُ النَّاسُ بِالْقَبُولِ، وَإِنْ كَانَ وُرُودُهُ مِنْ طَرِيقِ الْآحَادِ وَلَا يَلْزَمُنَا عَلَى ذَلِكَ جَوَازُ تَخْصِيصِهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ إذَا عَرِيَ مِنْ الْمَعَانِي الَّتِي وَصَفْنَا. فَإِنْ قَالَ: قَدْ خَالَفَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ فِي تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَمَّتِهَا وَوُرُودُهُ مِنْ جِهَةِ الْآحَادِ لِأَنَّ رِوَايَةَ أَبِي هُرَيْرَةَ مُخَصِّصَةٌ، قَوْله تَعَالَى ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] . قِيلَ لَهُ: قَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ جَمَاعَةٌ غَيْرُ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَ(قَدْ) تَلَقَّاهُ السَّلَفُ بِالْقَبُولِ فَصَارَ فِي مَعْنَى الْخَبَرِ

1 / 178