فصول في الثقافة والأدب

علي بن مصطفى الطنطاوي ت. 1420 هجري
148

فصول في الثقافة والأدب

الناشر

دار المنارة للنشر والتوزيع

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٢٨ هـ - ٢٠٠٧ م

مكان النشر

جدة - المملكة العربية السعودية

تصانيف

لم تحتَجْ إلى تبديل أو تعديل منذ وُجد في الدنيا تاريخ؟ بل لقد أمدَّت -بما زاد عنها من ألفاظها- أكثر لغات الأرض، ففي كل لغة منها أثر. هذه اللغة العظيمة قد أضاعها أهلوها وأهملوها، فلم يكفِهم أن قعدوا عن نشرها وتعليمها الناسَ (كما فعل أجدادهم من قبل) بل هم قد تنكّروا لها وأعرضوا عنها، وجَهِلها منهم حتى كثيرٌ ممّن يدرّسها في المدارس، وجَهِلها حتى كثيرون ممّن يُدْعَون أدباء فيها. بل لقد كان ما هو شر من هذا الجهل، هو أن هؤلاء (الأدباء) يقبّحون مُحَسّنات الكلام ويُزرون على البلغاء، ويحاربون البلاغة لعجزهم عن أن يأتوا بمثلها أولًا، ولأنها أسلوب القرآن ثانيًا، وهم يكرهون الإسلام وكل ما هو منه بسبب، ويتمنّون أن يَدَع الناس أسلوب القرآن إلى أسلوب التوراة والإنجيل، وبيانَ النابغة والحُطَيئة والبحتري إلى «بيان ...» شعراء المهجر! فصرتَ تقرأ كتبًا ومقالات لقوم من أشباه العوامّ وهم عند الناس كتّاب ومؤلفون؛ يَلْحَنون في الفاعل والمفعول وهم من أئمة الأدب وأعيان الأدباء، ما قرؤوا يومًا كتابًا في نحو ولا صرف، ولا تمرّسوا بأساليب العرب ولا عرفوا مذاهبها في كلامها، وهم أساتذة الأدب الرسميون في الثانويات والجامعات! ولا تغترّوا بما يَدْعون إليه من العُروبة وما يهرف به هذا العجوز ساطع الحصري، الذي كان يُعَدّ مفكرًا لمّا كان الحلاقُ طبيبَ الأسنان والصيدليُّ العطارَ والكتاتيبُ رياضَ الأطفال، ثم تغيّر الزمان، فلم يعد الحلاق طبيبًا ولا العطار صيدليًا ولا الكُتّاب

1 / 152