فصول في الثقافة والأدب

علي بن مصطفى الطنطاوي ت. 1420 هجري
141

فصول في الثقافة والأدب

الناشر

دار المنارة للنشر والتوزيع

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٢٨ هـ - ٢٠٠٧ م

مكان النشر

جدة - المملكة العربية السعودية

تصانيف

إننا نحبس التلاميذ ست سنين للدراسة الثانوية، ونحشو رؤوسهم بمعلومات أكثرها لا ينفع في الحياة. وماذا لعمري استفدت أنا -من دراسة المثلثات والهندسة النظرية وحفظ معادلات الكيمياء وقوانين الفيزياء- في الكتابة وتدريس الأدب والقضاء، وهذه هي أعمالي في الحياة؟ سيقول قائل: ومن الذي ضرب الرمل فعرف أنك ستكون أديبًا أو قاضيًا؟ أفما كان في الإمكان أن تكون مهندسًا أو صيدليًا أو شيخ طريقة أو قاطع طريق؟ كل ذلك ممكن، ولكن الدراسة العالية هي التي حددت طريقي في الحياة. فلماذا لم أحدده قبل ذلك بسنوات؟ لماذا لم أحدد طريقي من قبل؟ هذه هي المسألة (كما يقول شكسبير)، والآن وصلت إلى الاقتراح الذي قدمت له هذه المقدمات الطِّوال. * * * إن الدراسة العالية هي المقصودة بالذات، وما قبلها ثقافة عامة هي بمكان المقدّمة لها والتمهيد إليها. أفلا يستطيع الشاب الواعي دراسة الحقوق -مثلًا- من غير إحاطة بدقائق الكيمياء والفيزياء والمثلثات؟ أوَلا يكفيه أن يعرف عنها الشيء المُجمَل المختصر؟ وطالب الطب: هل يستحيل عليه تحصيله من غير معرفة بعلل الشعر واختلاف الكوفيين والبصريين؟ لقد شاهدنا محامين بارعين وقضاة لا يعرفون شيئًا عما

1 / 145