فصول في الثقافة والأدب
الناشر
دار المنارة للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٢٨ هـ - ٢٠٠٧ م
مكان النشر
جدة - المملكة العربية السعودية
تصانيف
التي خلقها الله، فجئت أسأل عنها مَن خلقها. وما شهدنا خلقها ولا خلق أنفسنا.
مَن شهد نفسه لمّا كان نطفة في دم أبيه؟ ثم صار جنينًا في بطن أمه؟ ثم كان وليدًا لا يعقل ولا يذكر ولا يفهم؟ إنها مرحلة من حياة آمن بها لأن أهله خبّروه بخبرها. وحياتنا طريق طويل طويل في بَيداء ممتدة واسعة، في وسطها قرية منوَّرة، فأنا لا أرى من الطيارة إلا هذه البقعة الصغيرة التي فيها الأنوار، وقبلها مراحل من الطريق وبعدها مراحل، أما ما كان قبلها فصدّقتُ خبره لمّا سمعته من أهلي، فلماذا لا أصدق خبر ما بعدها وقد خبّرني به خالقي وخالق أهلي؟
لقد علّمونا -مثلًا- أن الأرض قد انفصلت عن الشمس، وهذه هي نظرية لابلاس. ولكن القرآن الذي أنزله خالق الأرض والشمس يقول: ﴿قُلْ أَئِنَّكُم لَتَكْفُرُونَ بالذي خَلَقَ الأرْضَ في يَوْمَينِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا، ذلكَ رَبُّ العَالمين. وَجَعَلَ فيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا، وَبَارَكَ فيهَا، وَقَدَّرَ فيهَا أَقْوَاتَها في أَرْبَعَةِ أيّامٍ سَواءً للسَّائِلينَ. ثُمَّ اسْتَوَى إلى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَللأرْضِ ائْتِيَا طَوْعًَا أو كَرْهًَا، قَالَتَا: أتَيْنَا طائِعِين. فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ في يَوْمَيْنِ، وَأَوْحَى في كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا﴾؛ وهذا كلام رب العالمين صريح أن الأرض خُلقت قبل السماء، وأن السماء لمّا خُلقت الأرض كانت دُخانًا، أي غازات أو ما يشبهها، أو مادة أثيرية لا نعرف كُنهها.
وكنت أعجب كيف تكون الأرض أصل هذا الكون الواسع، وهي منه كالقطرة من البحر العظيم والرملة الواحدة من الصحراء
1 / 125