83

فن السيرة

الناشر

دار الثقافة

رقم الإصدار

٢

تصانيف

وهي أن ليس هناك حد لاستيفاء الأخبار عن هذا الشخص أو ذلك، على وجه قارب، لأن الأخبار مبعثرة في صفحات الكتب وجمعها عمل شاق ضروري معًا، وهو السبيل الوحيد لضبط التصوير والتقدير. فلو أن كاتبًا أراد أن يترجم للزبير ابن العوام، ولم يقع على الرواية التي تصور كيف كانت أمه تقسو عليه في طفولته، وتضربه ضربًا مبرحًا، لكان قد فقد شيئًا هامًا حقًا، يفيده في الحكم على طفولته البير، وعلى ما يلي فترة الطفولة. فكاتب السيرة أديب فنان كالشاعر والقصصي في طريقة العرض والبناء، إلا أنه لا يخلق الشخصيات من خياله، ولا يعتمد الشخصية الأسطورية، ككاتب المسرحية، فهو لا يستطيع أن يقول شيئًا عن أوديب أو يمليخًا أو شهرزاد، لأن شخصياته تتصل بالمكان والزمان، ولا توجد إلا بوجودهما؛ ومن ثم كان في طريقته أقرب إلى المعماري، وهو كالمؤرخ في قوة النقد، وكالعالم في القدرة على التصنيف والتقسيم. وإذا أنشأ سيرة ووفق في إنشائها حقق غاية كالتي يحققها القصصي، أو زاد عليه، لأنه يمتع قراءة بصورة الواقع الملوس. ولإعادة الحياة كما عاشها أحد الناس المرموقين في ذهن القارئ، سحر لا ينكر، ولكن العيب في شخصياته أنها غير طويلة العمر، لأنه أعاد فيها عمل الطبيعة دون أن يضيف إليه، ولم يمنح الشخصية وجودًا جديدًا إلا بمقدار محدود. وقد تعترضه مشكلة هامة إذا كان يكتب سيرة أديب أو

1 / 85