65

فن السيرة

الناشر

دار الثقافة

رقم الإصدار

٢

تصانيف

ضئيلًا ونهازًا كبيرًا، ويجرده من كل خير دون أن يسمع من ضميره منبهًا أو يجد من نفسه زاجرًا، ولكنه أراد أن يظهر بمظهر المنصف، فكانت محاولته سمة من سمات الظلم العبقري. لأنه إنما ابتدأ يحاكم شخصية معاوية، وهو مبغض له، وأول شرط في النظر إلى الأشخاص أن نحكم عليهم وقد تجردنا قدر الإمكان من الحب والبغض، أو أن نعالج سيرهم بشيء من التعاطف، أما الكراهية واعتماد الذم والتحقير، وتصغير الجوانب العظيمة في أحد الناس، فأمور منافية لروح التاريخ أولًا ولكتابة السير ثانيًا. فالعبقريات أو ما كتبه العقاد على مثالها، ليست سيرًا بالمعنى الدقيق، ولكنها تفسير لبعض مظاهر الشخصيات الكبيرة والأحداث والأقوال المتعلقة بها، على قاعدة شبيهة بالتحليل النفسي وليست هو، وإنما هي لباقة في العرض، ومهارة في اللمح والتفسير. ولا يستقصي العقاد في هذه النماذج، وإنما يتناول المتعارف المشهور بتفسير جديد، وهذا تقصير شديد إذا اغتفر في بعض النواحي فلا يغتفر في دراسة الشخصيات الإسلامية لأن الروايات عنها مبثوثة في مصادر كثيرة، وبعضها يكمل بعضًا أو ينقصه، فالاكتفاء بالحدود المشهورة لا يغني الدراسة في شيء، فكم من صور وشخصيات شوهتها الروايات المشهورة ومن خطر هذه الطريقة أن يستعملها من لم يؤت ذكاء العقاد، وقوة سفسطائيته، وشيئًا من فهمه النفسي، فتصبح كتابة السيرة

1 / 67