فن السيرة
الناشر
دار الثقافة
رقم الإصدار
٢
تصانيف
ولكن " حياة الرافعي " لا يزال يتميز بقسط كبير من الصراحة؛ وهي صفة عزيزة في كثير من السير؛ ولعل العريان من أول من شجعوا كتاب السيرة على اعتناق هذا المبدأ، حين تحدث حديثًا صريحًا عن حب الرافعي وعن بعض علاقاته بالأشخاص. وعلى الرغم من امتلاء نفسه بالحب للرافعي، استطاع أن يتحدث عن بعض عيوبه؛ ولكن هذا العطف أفقده روح التهكم والسخرية، فدافع عن تلك النقائض، وجرى معه التمويه في عرضها؛ وفاته وهو المحافظ في نظرته إلى الأشياء والناس أن ينتقد ما لا يمكن أن يفوت عين الناقد. خذ مثلًا حديثه عن موقف الرافعي في الوظيفة، وتغيبه عنها وعدم التزامه بالحضور في الساعات المعينة حيث يقول: " لم يكن للرافعي ميعاد محدود يذهب فيه إلى مكتبه أو يغادره، فأحيانًا كان يذهب في التاسعة أو العاشرة أو فيما بين ذلك، فلا يجلس إلى مكتبه إلا ريثما يتم ما أمامه من عمل على الوجه الذي يرضيه، ثم يخرج فيدور على حاجته فيجلس في هذا المتجر، وقتًا ما، وعند هذا الصديق وقتًا آخر، ثم يعود إلى مكتبه قبيل ميعاد الانصراف لينظر فيما اجتمع عليه من العمل في غيبته وقد لا يعود.... " (١) تجد أن العريان يتحدث عن شيء كأنه أمر طبيعي، دون أن يثير في نفس القارئ امتعاضًا لهذا الذي كان يحدث، أو يتهكم تهكمًا خفيًا بفهم الرافعي لمعنى حرية الأديب أو العبقري. غير أنه
(١) حياة الرافعي: ٩٣.
1 / 61