بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله
تسمية ابواب هذا الكتاب وهي ستة عشر بابا
الباب الاول في ذكر المياه واصنافها وطبائعها وتأثيرها ومعرفة ما يوافق كل ضرب من النبات من اصنافها.
الباب الثاني في ذكر الارضين وتسمية انواعها ومعرفة طبائعها والاستدلال على كرمها وخبثها مما يبدو من الوانها واحوالها.
الباب الثالث في ذكر السرقين وضروبه ومعرفة طبائعه وخواصه وكيفية تدبيره واصلاحه قبل استعماله.
الباب الرابع في اختيار الارض وتدبيرها بالعمارة واصلاحها ومعرفة ما يستدل به على كرمها وطيبها وغير ذلك من احوالها.
الباب الخامس في غرس الثمار وضروب اعمالها ومعرفة ابانها وكيفية النقل والسقي وعلاج الضروب وغير ذلك من شأنها،
الباب السادس وهو باب جامع لمعرفة كيفية ضروب الغراسات والتكابيس والملوخ والنوى وغير ذلك من احوالها.
الباب السابع في تثمير الثمار واصلاحها بعد هرمها.
صفحة ٣٧
االباب الثامن في تركيب الثمار بعضها في بعض ومعرفة ما يتركب منها وما لا يتركب والاخبار عن الاقاليم السبعة واهويتها وطبائعها.
الباب التاسع وهو باب جامع لبعض معاني التركيب واسراره وغرائب من اعماله.
الباب العاشر في زراعة الحبوب والقطانى وما اشبهها مما يستعمل في البساتين منها للحاجة اليها والتجمل بها.
الباب الحادي عشر في زراعة البزور المتخذة لاصلاح الاطعمة كالتوابل وما اشبهها.
الباب الثاني عشر في زراعة القثاء والبطيخ وما اشبهها وقارب شكلها.
الباب الثالث عشر في زراعة البقول ذوات الاصول.
الباب الرابع عشر في زراعة خضر البقول ووجوه العمل فيها في جميع الفصول.
الباب الخامس عشر في زراعة الرياحين ذوات الزهر وما شاكلها من الاحباق وسائر الشجر.
الباب السادس عشر وهو باب جامع لمعان غريبة ومنافع جسيمة من معرفة المياه والآبار واختزان الثمار وغير ذلك مما لا يستغنى اهل الفلاحة عن معرفتها اذ هي من تمام اعمالها واستكمال فائدتها
صفحة ٣٨
الباب الاول في ذكر المياه
اعلم ان المياه التي تغذو النبات ويصلح بها اربعة اصناف وهى ماء المطر وماء الانهار وماء العيون وماء الآبار، ونحن نتكلم عن كل صنف منها على حدة ان شاء الله.
فصل: فاما ماء المطر
فهو افضل المياه واحمدها يجود به جميع النبات من الخضر والثمار وغيرها وذلك لعذوبته ورطوبته واعتداله تقبله الارض قبولا حسنا ويغوص فيها بجميع اجزائه ولا يبقى له على وجهها اثر وهو يوافق الخضر التي تقوم على اصل لطيف، وتألف الهواء مثل الاكرنب والبقل والباذنجال وما اشبه ذلك موافقة حسنة جدا لان طبعه مشاكل لطبع الهواء ومضارع له.
فصل: واما مياه الانهار
فانها تختلف فى طبائعها باليبوسة والرطوبة والحروشة واللين وهى بجملتها صالحة موافقة لجميع الخضر والنبات كله والقرع والباذنجال والبصل والثوم والكرات والجزر والفجل واللفت والمقاثى وجميع الرياحين كلها جملة الا ان من شان ماء النهر ان يذهب برطوبة الارض فلذلك يحتاج ما ذكرناه من الخضر والرياحين ذوات الاصول الضعيفة الى الزبل الكثير مع ماء النهر لضعف اصولها وقلة اجتذابها الرطوبة لضعف ذهابها تحت الارض وهى محتاجة الى الماء النافع فى ثلاثة اوقات من السنة فى فصل الشتاء والخريف والربيع، وذلك انه من فصل الشتاء يحرك الخضر بدفئه ورطوبته الا ان كان للخضر زبل كثير فلا يحتاج اليه، واما فى الخريف والربيع فان الخضر تصلح بالماء النافع صلاحا بينا.
صفحة ٣٩
فصل: واما مياه العيون والآبار العذبة الحلوة
فهى موافقة لجميع الخضر وجميع ما يزرع فى الجنات من دقيق وجليل وهذا الماء فى طبعه ارضى ثقيل بخلاف ماء المطر وهذا الماء يوافق من الخضر ما له اصل مثل الجزر والفجل واللفت، لان هذا النبات يوافق الارض وهو مشاكل لمياه العيون والآبار ملائم له، لا يتم صلاحه الا به كان ارضه ثريا بماء المطر او لم يكن لا بد له من السقى على كل بماء العيون والآبار، فان عدمها فبماء النهر، ويزعق بها منه، وهذا الماء متقلب مع الفصول، فهو يكون عند شدة برد الهواء دفئا لينا يحرك الخضر اذا سقيت فى هذا الفصل وهى قد توقفت من شدة البرد وكذلك يصلحها فى فصل الحر وشدته ببرده فى ذلك صلاحا بينا، وفى هذا الماء لزوجة وبورقية يظهر ذلك منه اذا سقى به نبات فيبقى منه على وجه الارض تلك البورقية وليس يعرض ذلك فى ماء المطر، ولا فى ماء النهر، وسنذكر ذلك فيما يأتي بعد هذا ان شاء الله تعالى
صفحة ٤٠
الباب الثاني في ذكر الارضين
اعلم ان الارض التي للغراسة والزراعة تنقسم على عشرة أنواع، يوصف كل نوع منها بصفة وهى اللينة والغليظة والجبلية والرملة والسوداء المدمنة المحترقة الوجه والارض البيضاء والارض الصفراء والارض الحمرة [الحمراء] والارض الحرشاء المضرسة والارض المكدنة المايلة [المائلة] الى الحمراء [الحمرة] ولكل نوع من هذه الارضين نبات يجود فيه وعمل وتدبير ونحن نفرد الكلام على كل نوع منها ان شاء الله.
فصل: فى الارض اللينة
فالغالب على طبعها البرودة والرطوبة وطبعها اعدل طبائع الارضين الموصوفة قبل هذا يجود فيها جميع الثمار والنبات لاعتدال الرطوبة والبرودة فيها قابلة لكل ماء موافقة لكل هواء مسامها مفتوحة. فالماء يدخلها والهواء يتخللها ويصل اصول الثمار المغروسة فيها، ويتعاقب الهواء على اصولها بالحر والبرد فتصلح بذلك صلاحا شديدا، ولاعتدال هذه الارص [الارض] فى مزاجها استغنت عن الزبل الكثير فهى لا تحتاج اليه الا عند فصل الشتاء من اجل ذلك فيجددها الزبل عند ذلك ويدفع عنها افراط الهواء، وينبغى ان يكون هذا الزبل الذي يطرح فيها ذا حرارة ورطوبة واما فى فصل الحر فلا تحتاج هذه الارض من الزبل الا يسيرا، ويكون من الزبل الآدمى [الادمى؟] وشبهه ولا يكون هذا الزبل نيئا بل مدبرا وان كان من ثلاثة اعوام فهو احسن واوفق لهذه الارض فى فصل الحر، واما فى الشتاء فان طرح فيها الزبل ما له عام او اكثر فهو موافق لها لان حرارتها متمكنة فيه.
صفحة ٤١
فصل: واما الارض الغليظة
فهى تماثل الارض اللينة بعض المناسبة وتقرب منها يجود فيها اكثر الثمار، والغالب على مزاجها الحرارة والرطوبة. يدل على ذلك انه اذا زرع فيها النبات بكيرا او دخل عليه فصل البرد لم يسأل عنه ويتخلص، وربما احتاج الى اليسير من الزبل وهى ارض مدخنة قوية يخرج ودكها على وجهها وتمكث فى هذه الارض حرارة قوية تولدت فيها من اجل ان هذه الارض تنفتح وتنشق عند افراط الحر فيسرى فيها حر الهواء فاذا نزل عليها الماء انقبضت وانغلقت على تلك الحرارة وتولدت فيها حينئذ رطوبة، ويخرج ودكها على وجهها ولا يحتاج ايضا لهذه الارض الا الزبل اليسير لفضلها وحرارتها، وينبغى ان يكون زبلها سلسا مخدوما معفنا رقيقا قديما ليكون واسطة بين الارض والنبات وهذه الارض محتملة لكثير الماء لحرارتها، وهى تتعلك عند نزول المطر عليها، ولا يغوص الماء فيها سريعا بل يبقى على وجهها من اجل شحمها، وبذلك يستدل على انها مشحمة وفيها بعض ما فى هذه الارض اللينة من انفتاح مسامها وتعاقب الاهوية على باطنها وهذا يكون منها فى فصل الحر عند تشققها كما ذكرنا فيغوص فيها الهواء الحار فيطبخها وينضجها ويذهب ببرودتها فتصلح لذلك وتتجرد كل عام بهذا الامر الذي يعرض لها
فصل: واما الارض الجبلية
الغالب على طبعها البرودة واليبوسة وهى تناسب الارض اللينة فى البرودة خاصة، وليس لهذه الارض مسام مفتوحة مثل ما للارض اللينة والغليظة وهى مايلة [مائلة] الى الحروشة من اجل اليبس المكون فيها، ولا يجود فى هذه الارض كل نبات ولا يصلح فيها كل ثمر. فمن بعض ما يجود فيها من الثمار اللوز والتين والفستق والبلوط والقسطل والصنوبر وما اشبهه، وسنذكر ذلك مشروحا ان شاء الله، ويوافق هذه الارض الماء الكثير والزبل الكثير، وهى ارض شديدة قوية فى ذاتها تتداول الاهوية على ثمرها المغروسة فيها ولا يؤثر فيها الا ان يكون فى بعض الاعوام صر [حر؟] مفرط خارج عن العادة فربما اضر بها بعض الضرر لان الثمار التي فى هذه الارض مشاكلة لها فى طبعها وشدتها وهى محتاجة كما ذكرنا الى كثرة الماء والزبل الذى يصلح لها ما قربت حرارته وتمكنت رطوبته لاجل برودتها ويبوستها، ولا ينبغى ان يغفل عن هذه الارض وشبهها بالزبل بل يتعاهد به لانها تاكل الزبل وتحيله فى اقرب مدة وترده الى طبعها وما زرع فيها من النبات بكيرا لا بد له من الزبل على كل حال، كان الشتاء رطبا او باردا لا بد لهذا النبات من الزبل اول ما يزرع. الا انه ان كان فصل الشتاء رطبا ربما كفاه ما جعل فيه من الزبل اول ما زرع ويتخلص به ذلك العام ولاجل احتياجها الى الماء الكثير الذى يعين عليها ويذهب برطوبتها، فانه ان غفل عنها ثم زرع فيها الزراريع المختلفة ونبتت وارادت النهوض لم تقدر، وربما تحركت قليلا، لاجل ما فيها من يسير الزبل ونهضت حتى اذا فنيت المادة اليسيرة من الرطوبة والحرارة وهى قد بلغت ثلث مدتها او نصفها او قاربت تمامها توقعت وتقهقرت.
صفحة ٤٢
فصل: واما الارض الرملة
فالغالب على طبعها الحرارة مع برودة يدل على ذلك ان ما زرع فيها من النبات بكيرا دون ان يكون فيها زبل تحير ولم يعمل شيئا كان الهواء رطبا او يابسا، وربما نهض قليلا ان كان الهواء رطبا ثم يتوقف لان بردها يتقوى ببرد الهواء، ويضعف الحر الذى فيها، فاذا كان فى فصل الخريف تقوت حرارتها بحرارة الهواء وتضعف تلك البرودة التي فيها، فلا بد لها من الزبل ويكون زبلا مخدوما متمكنا من الحرارة والرطوبة واحسن ما تكون هذه الارض فى الاعتدالين لانها تميل عند فصول السنة بميلانها وفيها رطوبة، وكل ذلك لم يتمكن فيها كل التمكن. ويجود فى هذه الارض من الثمار شجر التين والرمان والتوت والصنوبر والسفرجل والخوخ والبرقوق والورد، وقد يجود فيها ايضا افضل ما ذكرنا الا انها مخصوصة بموافقة ما ذكرنا من الثمار لانها مشاكلة لها فى طبعها، وسنذكر ذلك مشروحا ان شاء الله واكثر الخضر تجود فى هذه الارض اذا اكثر عليها الزبل حتى يغلب على جوهرها ويستولى على ذاتها. واما الماء فلا تحتمله كغيرها من الارضين لان الماء القليل يجرى عليها ويسرى الى اعماقها بسرعة ويجود فيها المقاثى والكتان وما جرى مجراها من النبات وهى ارض مامونة لا يخشى عليها الاحتراق وان اكثر عليها بالزبل وهى قريبة المرام فى الخدمة، مامونة فى الغالب من الآفات والجوايح لا تعدو على نبات بتلك سريعا كما يفعل ساير الارضين فان بعضها تصيره حريقا من يومه وينبغى ان لا يكثر عليها بالماء لان الماء يغيب داخلها وربما ظن بها انها لم ترو وهى قد اخذت فوق حقها لان غيرها من الارضين يجرى عليها من الماء الشىء اليسير، ويبقى على وجهها ويظن بها انها [أنها؟] قد رويت وهى لم تيبس داخلها من الماء الا اليسير وينبغى ان تراعى فى سقيها وتعطش وحينئذ تسقى ولا تمكن من الماء كتمكين غيرها
صفحة ٤٣
فصل: واما الارض المدمنة السوداء المحترقة الوجه
فالغالب على طبعها الحرارة واليبوسة مع الملوحة. يدل على ذلك ان النبات اذا ركزته فيها مثل الكتان والفول وما اشبهه ودخل عليه فصل الشتاء والبرد المفرط لم يضره ذلك بل ينفعه وان كان فصل الشتاء بطيئا عفن النبات فيها وضعف. وهى قليلة التأتى فى المعالجة لافراط الحرارة التي فيها مع الملوحة، وذلك ان مزاجها استحال لكثرة تقادمه فيها فتغيرت لذلك واحترقت وذهبت رطوبتها وتولدت فيها ملوحة وهذه الملوحة هى التي تفسد النبات وتحصده فى اصله وربما كان للنبات فى هذه الارض اقبال اول مرة وما دام الهواء معتدلا عليه فاذا تغير الهواء برطوبته مع شىء من برودة وحرارة انفسد لانه اذا تمادت عليه الرطوبة انفسد وعفن، وان دخلت عليه حرارة مع يبوسة يبس سريعا واحسن ما يكون نبات هذه الارض عند افراط البرد لان البرد يكسر من حرارتها وملوحتها فتعتدل عند ذلك، وان كان النبات الذي فيها قد جاز قطافه كان حسنا لذيذ الطعم والذي يجود فى هذه الارض غاية الجودة من النبات الفول والحرف والخردل والكزبر وما اشبه ذلك، ويجود فيها جميع الخضر فى فصل البرد كما ذكرنا ويوافق هذه الارض من الثمار ما كان مائلا الى الحرارة والرطوبة او الى البرودة واليبوسة او كان فيه لين مثل التوت وشجر الزيتون والزفيزف وشجر التين ويجود فيها الرمان اذا كانت رملة ويأتي فيها متناهيا فى الطيبة واذا هجم الحر على الارض فينبغى ان يتدارك بالماء الكثير والا هلك ما فيها من النبات مسرعا ولا يكون نباتها طيبا فى فصل الحر كطيبه فى فصل البرد المفرط، ولا يعترى هذا الفساد الذي ذكرنا فى كل ارض مدمنة كثيرة الزبل، بنل من الارضين ما يكثر زبلها وينفعها. لك مثل الارض الرملة الباردة والجبلية اليابسة والحرشا [الحرشاء] المضرسة ونحوها فان كانت مدمنة جدا لم يضرها بل ينفعها ويعتدل مزاجها وانما يعرض ما ذكرنا من الفساد والاستحالة للارض اللينة الطيبة والغليظة المودكة التي تصلح بالزبل القليل وليس كل ارض يطلق عليها انها جيدة ولا ردية [رديئة] حتى يعلم ظاهرها وباطنها لانه ربما كان وجه الارض جيدا واسفلها بخلاف ذلك، او يكون وجهها رديا واسلفها بخلاف ذلك وهذا كله يعرف بالاختبار والامتحان ودوام الحركة بالعمل فيها.
صفحة ٤٤
فصل: واما الارض البيضاء
فالغالب على طبعها البرد واليبس وبردها اكثر من يبسها. ويوجد فى الغالب من حالها بقية من العشب لاجل البرد واليبس الغالبين عليها لان العشب لا يكون الا فى الارض الكريمة ولا يطول الا من سبب المواد التي تكون فى الارض فعلى قدر المادة يكون عظم الحشيش وكثرته ويصلح فى هذه الارض ما كان من شجر التين والزيتون واللوز والكروم وما جانسها فاما شجر التين فينفع فيها، وتتمكن عروقه ويسرى فيها ولا يخاف على شجرها احتراق لقوة لبرودة المتمكنة فيها ويأتى ثمرها طيبا لذيذا فى طعمه ووقته لا يتجاوزه، ويحتاج النبات الذي يزرع فى هذه الارض الى الزبل الكثير ويكون قويا فى الحرارة والرطوبة ولا تحتمل هذه الارض الماء الكثير لبرودتها وهى محتاجة الى كثرة الخدمة.
صفحة ٤٥
فصل: واما الارض الصفراء
فقريبة من الارض البيضاء فى الطبع والجوهرية، الا ان هذه الارض احط وادنى واقل فائدة. ولا يصلح فيها من الثمار الا ما كان له اصل يخرقها وينفذها. وهى تحتاج الى المعاناة بالزبل الكثير لان الزبل لا يمازجها سريعا كما يفعل بسائر الارضين، ولا يكاد الزبل يمازجها ويتفق معها الا عند تمام العام او قريبا من تمامه، وهى محتاجة الى المواظبة بالخدمة وتكرار الزبل عليها المدة بعد المدة حتى تميل الى الزبل تقبله وتوافقه ويعفن الزبل فيها ويرجع ارضا جديدة وما جعل بعد ذلك من الزبل فيها قبلته قبولا حسنا وتتركب فيها حرارة ورطوبة وتصلح لجميع النبات وتلحق بغيرها من الارضين وبالجملة فانها ارض ضعيفة معتلة متغيرة لا تصلح الا بكثرة المعاناة والتزبيل والخدمة ومتى عدمت ذلك لم يكن فيها منفعة البتة
فصل: واما الارض الحمراء
فالغالب على طبعها الحرارة واليبوسة وحرارتها اكثر من يبوستها فمن اجل ذلك صار فيها رطوبة متمكنة قوية وهذه الارض غلظ فى بشرتها وقوة فى ذاتها فهى لذلك محتاجة الى اكثر الخدمة والعفن عليها فينبغى ان تقلب وتحرق ويحول اعلاها اسفلها واسفلها اعلاها، فبهذا العمل يدق ترابها وتلين شدتها فاذا فعل ذلك بها احتملت فى اول مرة ان يزرع فيها كل ما يحتاج اليه دون زبل وهى محتملة للماء الكثير وهى قليلة الوغل والعشب الاحرش كالخرشف وما جرى مجراه واذا حركت هذه الارض تحركت واذا تحركت لم يكن فيها عشب يذهب برطوبتها، لانها ضنينة بما عندها لا يجود فيها ما زرع فيها الا بعد الخدمة والاجتهاد، وحينئذ ينجب كل ما زرع فيها ولا يقوم معه عشب يشاركه فى الغذاء ويكون النبات الذي يزرع فيها ثابتا رزينا قويا، ولا تحتاج هذه الارض الى الزبل الكثير وما تحتاج منه الى اليبس حتى يكاد لا يظهر فيها الا ان تغمر زمانا لا يفتر عن الزراعة ودوام الماء عليها، فيطرح لها من الزبل حينئذ ما تحتاج اليه وهذه الارض تقبل الماء قبولا جيدا وتشربه شربا معتدلا شيئا بعد شيء لا تبلعه جملة واحدة كما تفعل سائر الارضين، ولا يسرى من الماء فيها الا ما رق منه ويتقى قفله على وجهها وتملك الثرى ويدوم فيها. ويوافقها من الثمار ما كان ملائما الى الحرارة واليبوسة مثل التفاح والاجاص وعيون البقر والتوت واللوز ويجود فيها الورد ويأتى حسنا. وسيأتى وصف ذلك فى موضعه ان شاء الله
صفحة ٤٦
فصل: واما الارض الحرشا المضرسة المحببة
فالغالب على طبعها البرودة واليبوسة وفيها رطوبة وهى ملائمة عند المناولة تمازج الزبل وتقبل الماء ويجود فيها الثمار مثل الفستق والجوز واللوز وشجر التين يجود فيها الا انها تشبه الارض الجبلية وتناسبها، ويجود فيها ايضا الورد والاجاص ويصلح الكرم فيها جدا وكذلك القرع والباذنجال ومن اراد استعجال القرع وهو فى غير هذه الارض نقل من تراب هذه الارض الحرشا المضرسة الى الارض التي يريد زراعة القرع فيها يكثر بالعقد ويتصلب ويكبر كما وصفنا، وهذه الارض المضرسة على ضربين، فضرب منها يكون التحبيب الذي وجهها لطيفا وهى التي اردنا فى كتابنا هذا، واما الضرب الثاني فهى التي على وجهها تحبيب كثير ومتى كشف عن باطنها بايسر حفر وجد حجرا متصلا، فهذه غير متأتية العمل، فلا حاجة لنا بذكرها
صفحة ٤٧
فصل: واما الارض المكدنة المايلة [المائلة] الى الحمرة
فالغالب على طبعها البرودة واليبوسة وهذه الارض احط من الارض المضرسة. وهذه الارض المكدنة تحتاج الى الخدمة القوية والعمارة الجيدة ويوافقها من الزبل ما كان معتدلا فى التعفن لانها سريعة الممازجة له، واذا عولجت بما ذكرناه من الزبل والعمارة، تمكث فيها الحرارة والرطوبة فاعتدل مزاجها، واذا كان فى هذه الارض الثمار دون النبات فانها لا تحتاج الى زبل والى ماء اذا عمرت بالحرث، ويعمل لها فى داخل العام حولها قصار ثم يجمع التراب حولها وربما عرض لها عارض فاحتاجت الى الزبل الحار والمعتدل فتعالج به وسنذكر شرح هذا فيما بعد ان شاء الله
صفحة ٤٨
الباب الثالث في ذكر السرقين
اعلم ان السرقين المستعمل فى صناعة الفلاحة ينقسم الى سبعة أنواع: فزبل الخيل والبغال والحمير نوع واحد، ثم زبل الآدمى ثم الزبل المضاف وهو المؤلف من الكناسات وغيرها، ثم زبل الغنم، ثم زبل الحمام، ثم رماد الحمامات، ثم المولد وهو زبل يتخذ عند عدم هذه الزبول من الحشيش والتراب وسنذكره فى موضعه. ومن السرقين ما لا يستعمل وهو للنبات كالسم مثل زبل طير الماء والخنازير فالقليل من هذا الزبل يهلك الكثير من العشب، فينبغى ان يتحفظ منه كل التحفظ، ونحن نذكر كل نوع منها على حدته ان شاء الله
فصل: فاما زبل الخيل والبغال والحمير
فحار رطب وحرارته اكثر من رطوبته وهو زبل جيد محمود يستعمل كما هو اذا نقى من التبن او مما يخالطه من غيره، ولا يكون استعماله كما هو دون تعفن الا فى فصل البرد خاصة، واذا مكث هذا الزبل عاما كثرت حرارته وتمكنت رطوبته واعتدلت مع الحرارة فعند ذلك يصلح استعماله فى كل شىء من النبات. وان ترك عامين كان احسن وافضل ما بعد ثلاثة اعوام عند ذلك يصلح لكل ارض ويجود به كل نبات وهو بعد ثلاثة اعوام افضل الزبول لان طبعه طبع الحياة الحرارة والرطوبة تحيا به الخضر وتنعم ويوافق ما هو لها فى الاعتدالين. ويوافق هذا الزبل الارض الرملة لاجل بردها فيعد لها ويحسنها.
صفحة ٤٩
فصل: واما الزبل الآدمى
فطبعه الرطوبة واللزوجة ولا حرارة فيه وهو زبل ممات ملائم يوافق النبات ويصلحه فى زمن الحر لانه رطب لا حرارة فيه ولا يبوسة، فينبغى ان يعرف قدره وعظيم فائدته وان يعد للاغراض التي تدخل على ورقات الصيف مثل القرع والباذنجال والبصل والقنبيط وغيرها من الخضر وذلك انها اذا احترقت اخذ من هذا الزبل وطرح على رأس الجرد من الجانب الذي ينصب فيه الماء ويرش ذلك الزبل بالماء حتى يرجع فى هيئة الطين ويحلل فى جرى ويسقى ذلك النبات المحترق به فيحيا عن قريب ويصلح
فصل: واما الزبل المضاف
وهو ذو حرارة ورطوبة ولزوجة وملوحة ولاجل هذه القوى المجتمعة فيه صار من افضل الزبول واشدها موافقة للارض والماء لاجل اللزوجة التي فيه، لانه ان كان فى الارض او فى الماء حروشة لينتها تلك اللزوجة، ولا سبيل الى استعمال شىء منه الا بعد عام وما يجاوزه الى ثلاثة اعوام كان افضل، ومتى استعمل قبل العام تولد منه حيوان يضر بالنبات ولا يوافقه الارض ولا يلتئم معها، لان كثير البقل يحتاج الى تنقية حسنة وتقطيع دايم شيئا بعد شىء، وما ترك كان احسن له لان أجزاءه مختلفة الاجناس، فلا تأتلف الا بعد مدة مكث طويلة تنضج اخلاطه فيها وتعتدل، ولا ينبغى ان يستعمل بعد عام واحد الا عند الضرورة اليه، وهو زبل قوي مبارك ذاك يقوم القليل منه مقام الكثير من غيره اذا استعمل بعد تعفنه وتطييبه كما ذكرنا
فصل: واما زبل الضأن
فحار رطب وهو دون ما ذكرنا من الزبول قبل هذا لانه يكثر فيه العشب اذا استعمل قبل التعفين من اجل ان الضأن تأكل الحشيش وتستكثر منه، فلا ينضج فى بطونها فتبقى زريعته لم تتغير فتلقيه فى بعلها كما اكلته، فاذا استعمل قام مع النبات وغلب عليه فان هو ترك قليلا حتى يعفن ويطيب وتموت تلك الزريعة التي فيها كان حسنا، واحسن ما هو اذا خلط من غيره من الزبول وترك قليلا فبعد ذلك يصلح لكل ما يستعمل من الخضر وغيرها ولا ينبغى ان يستعمل وحده قبل ان يعفن الا عند الضرورة اليه.
صفحة ٥٠
فصل: واما زبل الحمام
فهو ذو حرارة مفرطة ورطوبة شديدة ولا يبوسة فيه بوجه، وهو غياث النبات الذي قد ضعف وتحير من شدة البرد، فتجعل له منه يسيرا فانه يقوم من يومه ويحيى من حينه، وينبغى ان لا يستعمل منه عند الحاجة اليه الا اليسير، لانه بمنزلة النار اذا غلب، ولا يستطاع بعد ذلك اصلاح ما افسد.
فصل:# واما زبل الحمامات
أعنى به الرماد ذو يبوسة وملوحة ولا رطوبة فيه، وهذه القوى التي فيه لا توافق الخضر والنبات، ولا يستعمل وحده الا فى تحلية الارض خاصة اذا كانت ارضا حسنة او حرشاء، فيطرح عليها الرماد ويفرق عليها فيصير سلسا عند ذلك، وبالجملة فانه زبل غير محمود، لانه رماد تركته النار فلا شىء من الرطوبة فيه، فهو كالحيوان الميت الذي فارق الروح ليس فيه من الطبائع التي كانت تقيمه شىء، فهو لا يتركب من شىء من الطبائع ولا ينضاف اليه بوجه الا انه اذا خلط مع غيره من الازبال صلح وتكونت فيه رطوبته. ولا يستعمل وحده الا فى تحلية الارض خاصة الا ان يطول مكثه ويألف الهواء ويفارقه تأثير النار ومع هذا لا يقوى قوة غيره من الأزبال
فصل: واما الزبل المولد
فهى ثلاثة أضرب وهى تستعمل اذا عدم الزبل فى جهة من الجهات
الضرب الاول
يؤخذ من اصناف العشب والتبن ويحفر حفرة على قدر ما يحتاج منه وتملأ تلك الحفرة من العشب والتبن والرماد اى رماد امكن من الحمامات والافران وغيرهما ويصب على الجميع ماء بعد ان تملأ الحفرة كما ذكرنا وان كانت بموضع ينزل عليها ماء المطر، فماء المطر يعفنه ثم يخدم الزبل خدمة جيدة ويقلب مرارا كثيرة ويواظب بالتحريك والتقطيع، فانه سريع النضج بذلك ويأتى معتدلا جيدا يقيم الارض ويحيى النبات ويتصرف فى الوجوه كلها ويوافق فى الازمنة الأربعة، وهو زبل نقى لا يخالطه حجر ولا جلود ولا عظام كما يخالط سائر الزبول، الا ان الزبل المضاف اقوى منه على كل حال.
صفحة ٥١
الضرب الثاني
هو ان يؤخذ حمل من زبل مضاف ويضاف اليه ثلاثة احمال من التراب وتخلطه معه وتحرك مرة بعد مرة فيترك عاما ويتعاهد بالتحريك والخدمة فانه يأتى منه زبل جيد بعد العام، وكذلك الزبول كلها لا ينبغى ان تستعمل الا بعد عام وكل زبل يستعمل قبل تمام العام فهو غير محمود لانه زبل نئ يمرض الارض ويدخل الدواخيل، ومن اراد استعجاله قبل تمام العام فلينضجه ويطيبه بزبل الحمام، وصفة ذلك ان يجمع الزبل من كل ناحية ويجلب من حيث امكن فاذا اكملت المزبلة وانتهت الى حد المراد دخل اليها وسويت وعدلت ثم يحفر فيها حفرا مفترقة وتغمق [وتعمق؟] قليلا ويطرح فى كل حفرة من زبل الحمام ويرد الزبل على فم الحفرة ويترك يسيرا ثم يتعاهد الى شهر ونحوه فانه يؤخذ زبلا نضجا متناهيا فى الجودة معتدلا كأنه زبل ثلاثة اعوام، فهذا وجه استعجال الزبل لمن احتاجه وكيفية ما تريد استعجاله، فبحسب ذلك تطرح من زبل الحمام وهو زبل قوى جيد ان شاء الله تعالى
صفحة ٥٢
والضرب الثالث
ان يؤخذ زبل الحمام ويطرح اليه عشرون حملا من تراب ويترك عاما فانه يأتى فيه زبل جيد قوى متمكن الحرارة والرطوبة وقد ذكرنا قبل هذا ان الزبل المضاف يضاف الى الحمل منه ثلاثة احمال من تراب وذكرنا هنا فى زبل الحمام يضاف الى الحمل منه عشرون حملا من تراب. ذلك لحرارة الزبل اعنى زبل الحمام وقوته، فينبغى لصاحب هذه الصناعة النظر فى مثل هذا واشباهه ليلا يدخل عليه الغلط [الغلظ؟] والتفريط والله الموفق للصواب
صفحة ٥٤
الباب الرابع في اختيار الارض واصلاحها
اعلم ان مما تعرف به طيب الارض وشرفها ان تنظر الى ما ينبت فيها من العشب وقلته وكثرته وغضارته، وكيف هو فى اقباله وادباره، فان كان عشبها من العشب الذي ينبت فى بطون الاودية والمواضع الرطبة علمت ان تلك الارض فيها البركة وعلى ما تحمله من العشب وقلته وكثرته تحمل من الزرع والنبات
فصل: وينبغى ان تعدل الارض قبل الغراسة وتسوى ويؤخذ التراب من المكان المرتفع ويجعل فى المنخفض حتى يستوى جرى الماء عليها، ويستوفى كل موضع منها من الماء حقه ويكون تعديل الارض بان تزنها بميزان الماء وهو الذي يعرف بالمرجيقل، واذا كانت الارض طيولة واحتيج الى تعديلها فان ذلك ان عولج بالنقل بالزرع من موضع الى موضع صعب لكن لها وجه تعدل به بأيسر كلفة وهو ان يصنع لها الجاروف وهى التي يجذبها البقر وهى معروفة عند ائمة الفلاحة، فاذا عدل الارض اخذ فى غرس الثمار بعد ان يخط لها فى الارض خطوطا مستقيمة حتى لا تخرج منها ثمرة عن حد صاحبتها لتقابلها الريح من اى ناحية هبت، وتستوفى كل ثمرة من الريح والهواء حقها ويجعل بين ثمرة وثمرة اثنتى عشرة ذراعا
فصل: اعلم ان الارض فى طبعها بالجملة يابسة لا اختلاف فى ذلك، الا انه يتولد على وجهها العشب، فاذا غمرت ذهبت الرطوبة منها وضعفت مادتها فتحتاج الى التقوية بالزبل لما فيه من الحرارة والرطوبة، الا ان هذا يمكن فى القطعة اللطيفة من الارض او الحبة، واما الارض العريضة العظيمة فلا يستطاع ذلك فيها والذي يقوم لها مقام الزبل وهو القلب ومعنى القلب ان تحرث ويرد اعلاها اسفلها مرة بعد مرة ويشرع فيها من نصف شهر يناير وفبراير الى النصف من مارس او الى اوله ثم يرجع على حرث ما حرث ويحرث ويلينه ويعمله عملا جيدا الى نصف ابريل او الى قريب من مايه، ثم يحول عليها بالتثليث الى آخر مايه ويتركها للحر المفرط وهى قد امتزج بعضها ببعض ورقت بشرتها وذهبت فضولها، فان تنزل عليها الماء فى شهر يونيه ورويت من الماء فلتحرث عند ذلك ويكون هذا حرثا رابعا ثم تترك ولا تتعرض بعد هذا ولا تزاد على اربع سكك او اثنين ان كانت الارض طيبة، لان الشعير فيه رطوبة قوية فيلائم الهواء والارض فتسرع بركته ثم يترك مفتوحا للحرث يجذب رطوبته ويعفن عشبه ويطبخ مدة طول الحر فتتمكن فيه الحرارة والرطوبة فاذا كان فى اول فصل الخريف ونزل عليه الماء وثرى وهذا العمل يعدل الزبل ويفوقه لان الارض تنفتح مسامها بالحرث ويسرى الهواء الحر اليابس فى داخلها ويعم جميع أجزائها ثم ترطب بالماء، ومع ان حرارة الهواء الطف من حرارة الزبل واوفق، واذا كان ابتداء القليب فى شهر يناير كما ذكرنا كان احسن لان فى ذلك الوقت يبدأ العشب بالنبات ولا اصل له فى ذلك الوقت وعمدة العمل على هذا الحرث الاول اذا خرق خرقا جيدا اسهل على العامل الثانى والثالث والرابع، وقد يحتمل الكروم اكثر من اربع سكك لوجوه سنذكرها بعد هذا ان شاء الله تعالى، وينبغى ان لا تقلب الارض قبل يناير لانه ان فعل ذلك بها وتواترت الامطار عليها فى يناير تسيلت الارض التي حرثت وترجع كما كانت واشد ويتمكن بها الماء فيذهب رطوبتها جملة واحدة لا سيما ان وافقها عند الفراغ من حرثها، فالوجه ان يبدا بحرثها من نصف يناير ومن اوله اذا كان قليل المطر الا ان يزرع فى القليب الكرسنة او الحمص او المقاثى فيبتدئ متى احب ان شاء الله اول دجنبر او فى نصفه ويكون موضع الكرسنة او الحمص او المقاثى قليلا بعد ذلك
صفحة ٥٥
فصل: اعلم ان الارض التي يزرع فيها ثلاثة اضرب بور ومعمور وقليب، فالبور ارذلها للزرع وان كانت فى ذاتها طيبة ولا تصلح حتى تحرك بالقليب او بالتزبيل لانها ارض راقدة هامدة، واما المعمور فهو الحصيد وهى افضل من البور على كل حال لا سيما ان كان الحصيد من زرع قد كان على قليب، وقد كانت الارض بورا، والقليب الذي على سكة واحدة افضل من العمارة الطيبة واصدق فى الزرع، واما الذي هو من سكتين فهو اجود وافضل والذي ثلاث واربع هو المتناهى فى الجود ولا شىء يعدله لا الزبل ولا غيره، وقد ذكرنا علة ذلك وهو بين لا يخفى الا عند الضعفاء من اهل الفلاحة، واذا نزل الماء على الارض اول اكتوبر وكان الماء على قدر ما تروى به كان ذلك حسنا جيدا كانت الارض عند ذلك قائمة بنفسها مستحكمة فى صحتها فان تكاثر عليها الماء بعد ذلك ودام عجزت عن حمله وثقلت به ودخل عليها العوارض من اربع جهات وهى برد الماء وبرد الهواء وبردها وبعد الشمس عنها ومما يستدل به على مرضها ان ينظر اليها فى هذا الفصل وهى تحرث، فان رأيت ارضها لا تجرى وتنقطع مدرا صغيرا فهو بدء مرضها فان تركت حتى تخف مما اثقلها من البرودة والرطوبة التي فيها كان حسنا وان تقوى الحال بها وترادف الماء والهواء المتكاثف عليها وانقطع الارض لها عند الحرث مدرا كبارا او صغارا فهى مريضة لا محالة لا يصلح ان يزرع فيها فى ذلك الوقت شىء غير الترمس لا اكثر وتركها عند ذلك احسن من حركتها لخياطة الزريعة وصيانة الارض وان حركت فى ذلك الوقت اضر بها ذلك من العام القادم وزادها ذلك مرضا الى مرضها لانها متى حركت ثم خرج عليها الشمس فى فصل الربيع والصيف اشتد ذلك وصارت على صفة خبث الحديد وانزمت على ما زرع فيها من النبات وقطعته سريعا، ولا يكون فيها منفعة الا بالقليب. واما اذا نظرت اليها عند الحرث على ما تقدمنا فرأيت ارضها تنقطع مدرا عظيما من اول الخط الى آخره متصلة بعضها ببعض لا صغار معها، فهذه الارض موات لا خير فيها ولا بركة وسميناها عند ذلك مواتا، لان جميع ما يزرع فيها يموت، ولا تصلح لشىء من الزراعة ولا الغراسة، وكذلك وقت تقليب ينبغى الا تحرث اذا كانت على هذه الحال حتى تخف.
صفحة ٥٧
الباب الخامس فى غراسة الثمار
اعلم ان الغراسة تنقسم ثلاثة اقسام زراريع ونوامى ونوى، فاما الثمرة التي يوكل حملها ويكون لها نوى فمن احب ان يزرع ذلك النوى ففى الوقت الذى يحين اكلها فذلك جيد وذلك مثل الجوز واللوز الذى يطيب فى شتنبر فتصلح زراعته فى ذلك الشهر وكذلك الحب والبرقوق وما جرى مجراه لا يزرع الا فى هذه المدة المذكورة، وما كان من الخوخ والرمان والعنب والتين فيزرع فى اكتوبر ونونبر وسيأتى ذلك مشروحا فى موضعه، واما النوامى فتغرس من يناير الى فبراير الى مارس وكذلك يفعل بالاوتاد والملوخ وسنبين ذلك ان شاء الله تعالى
فصل غراسة النخيل
يكون فى شهر يناير ووجه العمل فيه ان تؤخذ الثمرة بلحمتها وتشرح على ظهرها خذ النقير وهى النقطة التي على ظهر النواة ثم يعمد الى الارض المالحة وتحفر فيها حفرة عمقها ذراع ويخرج تراب تلك الحفرة ويخلط اليه من الزبل مقدار اربعة ارطال فان كان اقل من ذلك او اكثر فبحساب ذلك ويخلط الكل ويمزج حتى يصير شيئا واحدا ويحرك الجميع تحريكا حتى لا يمتاز بعضه من بعض، ثم يرد الجميع فى الحفرة المذكورة وترز رزا جيدا بالقدم حتى يرجع التراب مع ما خالط من الزبل والملح الى حده مستويا مع وجه الارض ثم تأخذ ثلاث ثمرات مشرحة كما وصفنا قبل هذا ولا يكون اقل من ثلاثة ولا اكثر فيحفر فى تلك الحفرة التي ملئت بالتراب والزبل مقدار الاصبع، ويطرح فيها النوى وتكون الظهور منها الى القبلة على هذه الصورة، ويكون غلظ التراب عليها نحو غلظ الإصبع ويكون السقى عليها مرتين فى الجمعة وتغذى بالملح فى اول الخريف اذا كانت نابتة ويكشف عن اصولها ويخلط الملح مع شىء من الزبل، فمن ارد [أراد؟] تنقيلها فلا يكون ذلك الا بعد عامين وتخلع عند ذلك النخلة بحوزها وما حولها من التراب فاذا حولت الى المكان الاخر سقيت مرتين فى الجمعة وتنقى النخلة من جرايدها فى زمن الاعتدال وذلك عند مضى عشرين يوما من شهر مارس وهو وقت تحرك الماء داخلها، واذا شمرت النخلة فى غير هذا الوقت المذكور دخل عليها الضرر من موضع القطع فتعتل لذلك لانها ان شمرت فى الصيف خيف عليها الاعتلال من قبل الحر وكذلك يخاف عليها فى الخريف البرد فالوجه لا يتعدى بها ذلك الوقت الذى ذكرناه
صفحة ٥٩