إنذار
نشرت في مصر سنة ١٩٤٧
ركبت مع زميلي في البعثة القضائية السورية الأستاذ نهاد القاسم (١)، زورقًا في النيل حملنا من (جسر إسماعيل) إلى (مصر العتيقة) بأجرة فاحشة قبضها منا صاحب الزورق، وبعث معنا شابًا في نحو التاسعة عشرة، قوي الجسم وديع النفس، فأعمل المجاديف ساعة كاملة، حتى هبط الليل وغسله العرق، ونحن لم نصل، فأشفقنا عليه وجربنا أن نسعده (٢) فما أفلحنا، وكدنا نقلب الزورق به وبنا، فيسبح فينجو ونلقى نحن حتفنا، فكففنا، واكتفينا من الترفيه عنه بعمل بألسنتنا، والمواساة باللسان أقل الإحسان، حتى دنا الحديث من أجرته، فسألناه:
- كم تأخذ؟.
- قال: أربعين قرشًا.
- قلنا: في اليوم؟.
- فصاح مستغربًا: في اليوم؟ كل ثمانية أيام!.
- قلنا: أوليس لك أسرة؟.
- قال: أمّ أعولها.
- قلنا: أو تكفيك؟.
- قال: تكفيني؟! أبدًا.
_________
(١) وزير العدل اليوم.
(٢) أي نساعده.
1 / 56