ثم أتم العودة جنايته على نفسه بتخاصمه غير الشريف مع النوعية التي ترى في الرجوع شجاعة وفضيلة، فأنا مثلا والدكتور الهلابي وغيرنا ممن نعتبر رجوع الدكتور أو غيره إلى الحق خيرا له وللتاريخ من التمادي في الباطل قد تخاصم معنا واتهمنا بكل طامة واستعدى علينا وسبنا على المنابر، وعلى هذا يكون قد فقد المساندة الخلفية له، إضافة لتأخره في الاعتذار كثيرا، وهذا سيتعبه أكثر خاصة مع الأيام! فالناس يبحثون ويقارنون وهو يظن أن طلاب العلم اليوم هم نفسهم الموجودون عام 1402 ه! ومع هذا فأنا أبشر الدكتور أن في الناس بقية ستقدر له تراجعه لو تراجع واعتذر، فلو يحاول الدكتور أن يعزم عزمة قوية ويرجع -قبل كثرة الزحمة!-إلى نفي ما رواه سيف بن عمر عن أساطير ابن سبأ في الفتنة لكان خيرا له ولعلميته- وسيعلم قيمة نصيحتي!- بل إنه سيكون بهذا الرجوع قد سجل سابقة إنصاف لم نعهد صدورها من كثير من طلبة العلم من الأكاديميين وغيرهم، ثم إن رجوعه إلى نفي أخبار ابن سبأ في الفتنة لا يعني بالضرورة إبطال رسالته (الماجستيرية) -هذا في النظام على الأقل- ولا يعني نظاما أنه سيعود للدراسة من السنة الجامعية التمهيدية ويعود معيدا في الكلية، ولا يعني-نظاما وعرفا- أنه لم يبذل جهدا كبيرا في جمع المادة لرسالته، أو أنه لا يستحق الشهادة في ذلك الوقت، فهذه الظنون والوساوس إن شغلت ذهن الدكتور لا ينبغي الالتفات لها وهي لا تليق بالدكتور، وله في الشافعي أسوة حسنة فقد كان له مذهب قديم ومذهب جديد وأنا على سبيل المثال كنت أثبت دور ابن سبأ كاملا حتى بحثته فنفيت دوره، وكنت أثبت القعقاع بن عمرو وصحبته حتى تبين لي أن المصدر الوحيد في هذا هو سيف، وكنت أرى معاوية من الخلفاء الصالحين ثم رجعت بعد أن تبين لي أمره وكنت أقسو على الواقدي فعدت لتوثيقه إلى حد ما، في الوقت نفسه كنت أتهم كل الثائرين على عثمان بالنفاق والسبئية حتى تبين لي أن فيهم صحابة كبارا من أهل بدر وأهل الرضوان، فرجعت إلى التفصيل في أمر الثوار، ولم أفقد المأكل ولا المشرب ولا المسكن، بل ولا الأصحاب والمعارف، فإذا ذهب واحد أتى عشرة، ثم لو فقد الراجع إلى الحق كل الناس فهذا لا يعذره من الرجوع، فالمسلم الحق يرجع لأن المنهج يوجب عليه ذلك، ويوجب عليه أيضا ألا يبقي مجالا للشكوك والعواطف والأحاسيس على حساب الحقائق والمعلومات الصحيحة.
صفحة ٣٩