31 - قرئ على أبي يعقوب يوسف بن هبة الله، وأنا أسمع، أخبركم الحافظ أبو الفضل محمد بن ناصر رحمه الله، أنبأ المبارك بن عبد الجبار، أنبأ أبو طالب محمد بن علي بن إبراهيم البيضاوي، أنبأ أبو عمر محمد بن العباس بن حيويه، أنبأ أبو مزاحم موسى بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان، قال: حدثني العباس بن عبد الله الترفقي، حدثني الحسن بن يونس الواسطي، ثنا محمد بن علي، قال: حدثني الفضل بن الربيع قال: حج أمير المؤمنين هارون الرشيد (ق71أ) ...... (1) وسمعت قرع الباب، فقلت: من هذا؟ قال: أجب أمير المؤمنين، فخرجت مسرعا، فقت: يا أمير المؤمنين، لو أرسلت إلي لأتيتك. فقال : ويحك، إنه قد حك في نفسي شيء، فانظر لي رجلا أسأله، فقلت: ها هنا سفيان بن عيينة، فقال: امض بنا إليه، فأتيناه، فقرعت عليه الباب، فقال: من هذا؟ فقلت: أجب أمير المؤمنين، فخرج مسرعا، فقال: ...... (2)، لو أرسلت إلي لأتيتك، فقال: خذ لما جئتك له رحمك الله، فحادثه ساعة، ثم قال له: عليك دين، قال: نعم، فقال: يا أبا عباس، اقضي دينه، ثم انصرفنا، فقال: ما أغنى عني صاحبك شيئا , انظر لي رجلا أسأله، فقلت: ها هنا عبد الرزاق بن همام، فقال: امض بنا إليه، فأتيناه، فقرعت عليه الباب، فقال: من هذا؟ فقلت: أجب أمير المؤمنين، فخرج مسرعا، فقال: يا أمير المؤمنين، لو أرسلت إلي لأتيتك، قال: خذ لما جئتك رحمك الله، فحادثه ساعة، قال: (ق71ب) عليك دين (3)؟ قال: نعم، قال: أبا عباس، اقض دينه، ثم انصرفنا , فقال: ما أغنى عني صاحبك شيئا، انظر لي رجلا، قلت: ها هنا الفضيل بن عياض، قال: امض بنا إليه، فأتيناه، فإذا هو قائم يصلي، يتلو آية من القرآن يرددها، فقال: اقرع الباب، فقرعت، فقال: من هذا؟ قلت: أجب أمير المؤمنين، قال: مالي ولأمير المؤمنين؟ فقلت: سبحان الله، أوما عليك ...... (4) طاعة، أوليس قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، إنه قال: " ليس للمؤمن أن يذل نفسه " , فنزل، ففتح الباب، ثم ارتقى إلى الغرفة، فأطفأ السراج ثم التجأ إلى زاوية من زوايا الغرفة، فدخلنا، .... (5) نجول عليه بأيدينا، قال: فسبقت كف هارون إليه قبلي، فقال: ..... (6) من كف ما ألينها إن نجت غدا من عذاب الله، قال: فقلت في نفسي: ليكلمنه الليلة بكلام نقي من قلب تقي، فقال له: خذ لما جئناك ...... (7)، فقال: إن عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة دعا سالم بن عبد الله (ق72أ)، ومحمد بن كعب، ورجاء بن حيوة، فقال لهم: إني قد ابتليت بهذا البلاء، فأشيروا علي، فعد عمر الخلافة يا أمير المؤمنين بلاء، وعددتها أنت وأصحابك نعمة، فقال له سالم بن عبد الله: إن أردت النجاة غدا من عذاب الله، فصم الدنيا وليكن إفطارك منها الموت، وقال له محمد بن كعب القرظي: إن أردت النجاة غدا من عذاب الله، فليكن كبير المسلمين عندك أبا، وأوسطهم عندك أخا، وأصغرهم عندك ولدا، فوقر أباك، وأكرم أخاك، وتحنن على ولدك , وقال له رجاء بن حيوة: إن أردت النجاة غدا من عذاب الله، فأحب للمسلمين ما تحب لنفسك، واكره لهم ما تكره لنفسك، ثم مت إذا شئت، [وإني لأقول لك هذا] (8)، وإني لأخاف عليك أشد الخوف في يوم تزول فيه الاقدام، فهل معك رحمك الله مثل هؤلاء من يشير عليك لو ...... (9) بمثل هذا؟ قال: فبكى هارون بكاء شديدا حتى غشي عليه (ق72ب)، فقلت له: ارفق بأمير المؤمنين، فقال: يا ابن أم الربيع تقتله أنت وأصحابك، وأرفق به أنا؟ ثم أفاق، فقال له: زدني رحمك الله. فقال: بلغني يا أمير المؤمنين أن غلاما لعمر بن عبد العزيز شكي إليه، قال: فكتب إليه عمر: يا أخي أذكر سهر أهل النار في النار مع خلود الابد، فإن ذلك يطرد بك إلى .... (10) نائما ويقظان، وإياك أن ينصرف بك من عند الله، فيكون آخر العهد ومنقطع الرجاء، قال: فلما قرأ الكتاب طوى البلاد حتى قدم على عمر، فقال: ما أقدمك؟ قال: خلعت قلبي بكتابك، لا وليت لك ولاية حتى ألقى الله، فبكى هارون بكاء شديدا، ثم قال له: زدني رحمك الله، فقال: يا أمير المؤمنين إن العباس بن عبد المطلب عم المصطفى صلى الله عليه وسلم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: أمرني (ق73أ)، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " يا عباس، يا عم النبي، نفس تنجيها خير لك من أمارة لا تحصيها، إن الامارة حسرة وندامة يوم القيامة، فإن استطعت أن لا تتأمرن على أحد "، قال: فبكى هارون بكاءا شديدا، ثم قال: زدني رحمك الله، قال: يا حسن الوجه أنت الذي يسألك الله عز وجل عن هذا الخلق، فإن استطعت أن تقي هذا الوجه من النار، فافعل، وإياك أن تصبح وتمسي وفي قلبك غش لرعيتك ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أصبح لهم غاشا لم يرح رائحة الجنة "، فبكى هارون بكاء شديدا، ثم قال: عليك دين؟ قال: نعم، دين لربي، لم يحاسبني عليه، فالويل لي إن سألني، والويل لي إن ناقشني، والويل لي إن لم يدعني ألهم حجتي، قال: فقال: (11) إنما أعني من دين العباد، قال: إن ربي لم يأمرني بهذا، أمرني أن أصدق وعده، وأطيع أمره، فقال: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون () ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون () إن الله هو الرزاق} (ق73ب)، فقال له: هذه ألف دينار خذها، فأنفقها، وتقوى بها على عبادة ربك، فقال: سبحان الله، أنا أدلك على طريق النجاة، وأنت تكافئني بمثل هذا، سلمك الله، ووفقك، ثم صمت، فلم يكلمنا، فخرجنا من عنده، فلما أن صرنا على الباب، قال لي هارون: أبا عباس، إذا دللتني على رجل، فدلني على مثل هذا، هذا سيد المسلمين اليوم - قال: غير أبي عمر في هذا الحديث - فبينما نحن كذلك إذ دخلت عليه امرأة من نسائه فقالت: يا هذا، قد ترى سوء ما نحن فيه من ضيق الحال، فلو قبلت هذا المال تفرجنا به، فقال: مثلي ومثلكم كمثل قوم لهم بعير يأكلون من كسبه، فلما كبر، نحروه، وأكلوا لحمه، فلما سمع هارون الكلام قال: نرجع فعسى أن يقبل المال، قال: فدخل فلما علم فضيل، خرج فجلس على تراب في السطح على باب الغرفة، وجاء هارون، فجلس إلى جنبه (ق74أ)، فجعل يكلمه فلم يجيبه، فبينا نحن كذلك إذ خرجت جارية سوداء، فقالت: يا هذا، قد آذيت الشيخ منذ الليلة، فانصرف رحمك (12) فانصرفنا.
صفحة ٣٣