فتح الودود في شرح سنن أبي داود
تأليف
خاتمة المحققين وعمدة المدققين العالم الورع الكامل
الشيخ أبي الحسن السندي رحمه الله تعالى رحمة الأبرار .. آمين
تحقيق
محمد زكي الخولي
[الجزء الأول]
صفحة غير معروفة
جَمِيع حُقُوق الطَّبْع مَحْفُوظَة للناشر والمؤلف
الطبعة الأولى
١٤٣١ هـ - ٢٠١٠ م
الناشر
مكتبة لينَة
السعودية: تليفاكس: ٠٠٩٦٦٢٥٥٤٤٨٧٧
مصر: تليفاكس: ٠٠٢٠٢٤٥٣٣٢٠٨٤٩
جوال: ٠٥٠٤٨٩٨٥٤٢ - ٠٥٩٨٨٩٤٤٩٥
الْبَرِيد الإلكتروني: [email protected]
1 / 2
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه.
أما بعد:
فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
لقد منَّ الله عليَّ بسلوك سبيل طلب العلم الشرعي منذ أكثر من ربع قرن من الزمان، وقذف في قلبي محبة العلماء، ومحبة كتب العلم، ويسر لي سبيل طباعتها، ونشرها، كما أنه -سبحانه- جعل المحبة والألفة في قلوب كثير من علماء السنة لي، وعلى رأس هؤلاء فضيلة الشيخ / أبو بكر جابر الجزائري والذي صحبته مع دروسه ومؤلفاته عقودًا من الزمان، ورافقته سفرًا وحضرًا، وأخذت عنه علمًا وعملًا.
وقد يسر الله لي أن أرد شيئًا من فضله، وطرفًا من إنعامه بأن عرضت عليه طباعة كتبه ومؤلفاته ونشرها، وقد أذن لي، وكتب بخطه مرات وكرات، وهو "جميع حاضر الأمر مجتمع الفكر، وامتدت هذه العلاقة الحسنة ردحًا من الزمان.
ثم إن بعضًا من الحاقدين والحاسدين، ممن غلب عليهم حب الدنيا، وجمع المال ليس إلا، رأوا أن كتبًا للشيخ تنشر، وعلومًا له تبث، وكان جديرًا بهم أن يفرحوا لذلك، إلا أنهم أرادوا أن يستأثروا بما ليس لهم، ويقتنصوا ما ليس بحلال لهم، فقاموا وطبعوا طبعات وطبعات لكتت الشيخ، وكتبوا كلمات وعبارات وختموها بختم مشابه لختم فضيلته، ولم يراعوا حرمة المسلم في ماله وعرضه، فراحوا ينشرون عني الأكاذيب، ورفعوا الدعوى في "وزارة الإعلام"، وتم التحقيق في ذلك، إلا أنهم خابوا وخسروا، فقد أسفر التحقيق عن إدانة، لكن ليست لي، وانبلج عن لوم لم يتوجه عليَّ، بل كنت فيه براء، بل قيل لي: إن الحق معك، ولو رفعت الدعوى بالمحكم لنُصرت، ولكن حرصًا
1 / 3
على الشيخ ومحبته، وحسن العهد معه، وصحبته تركت ذلك لله (١).
ولم يراعني إلا ما نشروه أخيرًا من سنوات من ورقة أمهروها بختم الشيخ، وفيها خلاف ما كتبه لي بيده منذ سنوات، قبل أن يبلغ به السن ما بلغ، أطال الله في عمره في حسن العمل، ولم يكتفوا بذلك، بل نشروا ذلك في مقدمة كتبهم، حرصًا على دنيا، واقتراب من مال، ولن يصل إليهم إلا ما كتب لهم، وليتهم أخذوا العبرة ممن حلَّ بهم المثلات قبلهم، وإني لأتساءل كما يتساءل غيري: هل من المعقول أن الشيخ يقول الآن: إن كل ما نشر بخطه "مزور"، ويتركني عقودًا من الزمن أنشر، وأعطيه نسخًا من المنشور، وأعطيه كذا وكذا؟ !
إن أي عاقل يجل الشيخ عن ذلك التناقض، كما لا يصح لدى أي عاقل أو طالب علم أن يقول: إن الشيخ رجع عن إذنه؛ لأن ما أعطانيه الشيخ هو عقود "معاوضة"، لا يتم فسخها من طرف واحد بالعقد، كما هو معلوم لمن له أدنى مسكة من علم، أو يجلس في مجلس علم، أو اشتم رائحة العلم، وإنما افتعلوا هذا بما يسوقهم فيه الحقد والحسد، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
محمد زكي الخولي
_________
(١) معاملة رقم (٢٠٠ / م / ق) بتاريخ ٢٥/ ٥ / ١٤٢٢ هـ، مكتب وكيل وزارة الإعلام- الرياض- هاتف ٤٠٢٠٥٢٥، مدير مطبوعات القصيم- هاتف ٣٨٥١٦٤٠
1 / 4
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة المحقق
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا.
ونصلي ونسلم على النبي الأمي، الذي بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين.
وبعد:
لقد وفقني الله ﷾ في العمل، في كتاب: فتح الودود في شرح سنن أبي داود، الذي قام بشرح سنن الإمام أبي داود، الذي قال عنه محمد بن إسحاق الصاغاني: ألين لأبي داود الحديث كما ألين لداود ﵇ الحديد، وقال الحافظ موسى بن إبراهيم: خلق أبو داود في الدنيا للحديث، وفي الآخرة للجنة، ما رأيت أفضل منه، وقال الحاكم: أبو داود إمام أهل الحديث في زمانه يلا مدافعة، ولد سنة ٢٠٢ هـ، ومات بالبصرة في ١٦ شوال سنة ٢٧٥ هـ.
تعريف بالمؤلف:
الإمام أبو الحسن نور الدين محمد بن عبد الهادي، المعروف بالسندي فقيه حنفي، عالم بالحديث والتفسير والعربية، ولد بتته -قرية من بلاد السند- ونشأ بها، ثم رحل إلى تستر، وأخذ بها عن جملة من الشيوخ، ثم رحل إلى المدينة المنورة وتوطنها، وأخذ بها عن السيد محمد البرزنجي، والملا إبراهيم الكوراني، وغيرهما ودرس بالحرم النبوي الشريف، واشتهر بالفضل والذكاء والصلاح، وألف
1 / 5
مؤلفات نافعة منها: الحواشي الستة على الكتب الستة، وكانت وفاته بالمدينة عام ١١٣٨ هـ، ودفن بالبقيع.
عملي في الكتاب:
قمت بنسبة الآيات التي استشهد بها المؤلف ﵀ إلى سورها، وترقيمها في أسفل الصفحات، وقمت بتخريج الأحاديث الموجودة في الشرح والتي اعتمد عليها الإمام السندي، وقمت بترجمة بعض الأعلام التي قد تكون بعيدة عن ذهن القارئ أو غير متداولة في سيرة السلف.
المراجع التي اعتمدت عليها في التحقيق:
أولًا: القرآن الكريم
ثانيًا: كتب الحديث:
الجامع لاحكام القرآن للقرطبي تفسير.
ابن جرير (الطبري) تفسير.
تفسير (ابن كثير).
موطأ الإمام مالك.
فتح الباري شرح صحيح البخاري للإمام ابن حجر العسقلاني.
مسند الإمام أحمد بن حنبل.
صحيح مسلم.
شرح صحيح مسلم للإمام محيي الدين النووي.
الجامع الصحيح للترمذي.
1 / 6
سنن ابن ماجه.
سنن الدارمي.
سنن النسائي (المجتبى).
السنن الكبرى للنسائي تحقيق.
السنن الكبرى للبيهقي.
معرفة السنن والآثار للبيهقي.
المصنف لابن أبي شيبة.
مصنف عبد الرزاق.
مسند أبي يعلى.
المستدرك للحاكم.
المعجم الكبير للطبراني.
المعجم الصغير للطبراني.
مجمع الزوائد للهيثمي.
سلسلة الأحاديث الصحيحة للعلامة الألباني.
سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للعلامة الألباني.
سنن سعيد بن منصور.
شرح معاني الآثار للطحاوي.
الموضوعات لابن الجوزي.
1 / 7
المجموع للإمام النووي.
صحيح ابن خزيمة.
النهاية في الفتن والملاحم لابن كثير.
سيرة ابن هشام.
الروض الأنف للسهيلي.
زاد المعاد لابن قيم الجوزية.
تنوير الحوالك. شرح الموطأ.
ثالثًا: التراجم والرجال:
الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر.
تهذيب التهذيب لابن حجر.
تقريب التهذيب لابن حجر.
التاريخ الكبير للبخاري.
الثقات لابن حبان.
المعاجم وكتب غريب الحديث.
لسان العرب لابن منظور.
مختار الصحاح للرازي.
القاموس المحيط للفيزوزآبادي.
النهاية في غريب الحديث لابن الأثير.
1 / 8
وأخيرًا:
أرجو من الله ﷿ أن ينفع بهذا الكتاب سائلًا إياه ﷾ التوفيق والسداد، وأن يغفر لي زلاتي، وأن ينفع به كاتبه وقارئه، وجمع المسلمين، وأن يرزقنا الإخلاص في السر والعلن، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وهو حسبي ونعم الوكيل.
المحقق
الفقير إلى عفو ربه
محمد زكي الخولي
1 / 9
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة المؤلف
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله تعالى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وبعد ..
فهذا تعليق لطيف على سنن أبي داود رحمه الله تعالى، فقلت فيه غالب حاشية السيوطي بالعين والاختصار، وزدت عليه غالب ما يحتاج إليه الإنسان وقت الدرس، ختمه الله تعالى الختم على الإيمان بعد التوفيق للإكمال.
قال الشيخ المؤلف أبو داود رحمه الله تعالى في رسالته إلى أهل مكة ما اختصاره وخلاصته: هو أني ذكرت في كتابي هذا مراسيل؛ لأن المراسيل قد كان يحتج بها العلماء فيما مضى، مثل: سفيان الثوري ومالك والأوزاعي، حتى جاء الشافعي فتكلم فيه، وتابعه على ذلك أحمد وغيره، فإذا لم يوجد مسند يحتج بالمراسيل، وليس هو مثل المتصل بالقوة، وليس في كتابي هذا عن رجل متروك الحديث شيء، وإذا كان فيه حديث منكر بينته أنه منكر.
وذكر أنه أجمع كتاب بالنظر إلى كتب المتقدمين، حتى غالب أحاديث الكتاب لا توجد في كتبهم، فإن ذكر لك عن النبي ﷺ سنة ليست فيما أخرجته فاعلم أنه حديث واه، وكان الحسن بن علي قد جمع من الأحاديث قدر سبعمائة حديث وذكر ابن المبارك قال: السنن عن النبي ﷺ نحو تسعمائة حديث، فقيل: إن أبا يوسف قال. هي ألف ومائة، قال ابن المبارك: أبو يوسف يأخذ من هنا
1 / 11
ومن هنا وما كان في كتابي من حديث فيه وهن شديد فقد بينته، وما لم أذكر فيه شيئًا فهو صالح وبعضها أصح من بعض، وهو كتاب لا ترد عليك سنة عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إلا وحي فيه، إلا أن يكون كلامًا استخرج من الحديث، ولا أعلم شيئًا من القرآن ألزم للناس أن يتعلموا من هذا الكتاب، ولا يضر رجلًا أن لا يكتب من العلم بعد ما يكتب هذا الكتاب شيء، وإذا نظر فيه وتدبره وتفهمه يعلم متداره. وأما هذه المسائل مسائل الثوري ومالك والشافعي فهذه الأحاديث أصولها. انتهى.
قلت: أراد أنه يكفي هذا الكتاب -في الاجتهاد- مع القرآن، وهذا فيما يرى من كيف (١)، وهذا ابن المبارك من كبراء أهل الاجتهاد وعظمائهم وهو ممن لقي أبا حنيفة ومالكًا وغيرهما من العظماء، وكان يعتقد أن السنن كلها قدر تسعمائة، وكان ينكر على أبي يوسف في قوله: إننا ألف ومائة، وبه ظهر لك حال أبي يوسف، مع كونه من أعظم تلامذة الإمام أبي حنيفة بل هو أعظمهم على الإطلاق.
ولهذا كان الغزالى يقول: يكفي في الاجتهاد للمرء سنن أبي داود (٢). وقد وافق أبا داود على ذلك غيره، فقال ابن الأعرابي: لو أن المرء لم يكن، عنده من العلم إلا المصحف ثم كتاب أبي داود لم يحتج معهما إلى شيء من العلم. قال الخطابي: وهذا كما قال لا شك فيه، فقد جمع في كتابه هذا من الحديث في أصول العلم وأمهات السنن وأحكام الفقه ما لا نعلم متقدمًا سبقه إليه، ولا متأخرًا لحقه فيه (٣). وقال الخطيب: كتاب السنن لأبي داود كتاب شريف لم
_________
(١) هكذا بالمخطوطة.
(٢) المستصفى في علم الأصول ٢/ ٣٥١.
(٣) هذا القول حكاه الخطابي سماعًا من ابن الأعرابي في مقدمة معالم السنن.
1 / 12
يصنف في علم الدين كتاب مثله، وقد رزق القبول من كافة الناس وطبقات الفقهاء مع اختلاف مذاهبهم، وعليه معول غالب بلاد أهل الإسلام (١).
وكان تصنيف العلماء قبل ذلك مختلطا فيما بين أحكام ومواعظ وقصص، فأما السنن المحنسة (٢) فلم يقصد أحد جمعها واستيفاءها على حسب ما اتفق لأبي داود.
وقال النووي: ينبغي للمشتغل بالفقه وغيره الاستناد بسنن أبي داود، فإن معظم أحاديث الأحكام التي يحتج بها فيه.
وقال أبو العلا: رأيت النبي ﷺ في المنام فقال: من أراد أن يتمسك بالسنن فليقرأ سنن أبي داود، وذكروا أن شرط أبي داود أحاديث أقوام لم يجتمع على تركهم، والله أعلم.
_________
(١) معالم السنن، المقدمة ١/ ٨.
(٢) هكذا بالمخطوطة، ولعلها "المحسنة".
1 / 13
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
[أخبرنا الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي، قال: أنا الإمام القاضي أبو عمرو القاسم جعفر بن عبد الواحد الهاشمي، قال:].
حدثنا أبو علي محمد [بن أحمد] بن عمرو اللؤلؤي حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني في المحرم سنة خمس وسبعين ومائتين، قال:
كِتَاب الطَّهَارَةِ
بَابُ التَّخَلِّي عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ
١ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ الْقَعْنَبِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ
===
كتاب الطهارة
باب التخلي عند قضاء الحاجة
شرع في أحكام كتاب الطهارة؛ لأنها من مقدمات الصلاة، التي هي أعظم أركان الإسلام بعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وشرع في كتاب الطهارة بأبواب قضاء الحاجة؛ لأنه أول ما يجاريه في العادة من مقدمات الطهارة التي تجب الطهارة عندها، ولذلك وقع الاقتصار عليه من بين أنواع الحدث في القرآن، فقال تعالى: ﴿أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ﴾ (١) ففي هذا
_________
(١) سررة النساء: آية (٤٣).
1 / 15
يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ يَعْنِي ابْنَ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ "أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إِذَا ذَهَبَ الْمَذْهَبَ أَبْعَدَ".
===
الشروع نوع موافقة لكتاب المجيد، كما أنه فيه رعاية لا عليه الوجود، والله تعالى أعلم.
١ - قوله: "عبد الله بن مسلمة" بفتح الميم و"قعنب (١) بفتح القاف وإسكان العين المهملة وفتح النون بعدها باء موحدة. و"المغيرة" (٢) بضم الميم أشهر من كسرها.
قوله: "إذا ذهب المذهب" في النهاية (٣) هو الموضع الذي يتغوط فيه، مفعل من الذهاب، وكان مراده أنه اسم مكان من الذهاب والخصوص مستفاد من لام العهد.
فإن قلت: لا بد في لام العهد من تقدم ذكر المعهود أو ما يجري مجرى تقدم الذكر لتصح إليه الإشارة باللام.
قلت: قد يكتفى عنه بقرينة متأخرة كما في الضمير مثل قولك: قال تعالى أو قال ﷺ -أو قال في كتاب كذا، فإن الدال على التعيين في الكل هو المتأخر وإنكاره باطل بداهة، وبه ظهر ما في كلامهم من القصور وأبعد هاهنا قرينة على تعيين
_________
(١) عبد الله بن مسلمة بن قَعْنَب، القعنبي الحارثي، أبو عبد الرحمن البصري، أصله من المدينة، وسكنها مدة، ثقة عابد، كان ابن معين وابن المديني لا يقدمان عليه في الموطأ أحدًا، من صغار التاسعة، مات في أول سنة إحدى وعشرين بمكة، تقريب التهذيب ١/ ٤٥١.
(٢) المغيرة بن شعبة بن مسعود بن معتِّب، الثقفي، صحابي مشهور، أسلم قبل الحديبية، وولي إمْرَة البصرة ثم الكوفة، مات سنة خمسين على الصحيح تقريب التهذيب ٢/ ٢٦٩.
(٣) النهاية ١/ ١١٨.
1 / 16
٢ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إِذَا أَرَادَ الْبَرَازَ انْطَلَقَ، حَتَّى لَا يَرَاهُ أَحَدٌ».
===
المراد؛ إذ يفهم منه مذهب يناسبه الإبعاد وهو في المعتاد هو هذا المذهب. وقد جوز أن المذهب في الحديث مصدر ميمي، والمراد الذهاب المخصوص بقرينة لام العهد.
وقوله: "أبعد" هو على ما في القاموس والصحاح متعدي، فالمفعول مقدر أي حاجة، أي سترها عن أعين الناس أو نفسه، وكان حذف الكراهة ذكر تلك الحاجة أو لكراهة نسبة الإبعاد إلى النفس، والمراد: أنه يذهب إلى أن يغيب عن الأعين كما يدل عليه الحديث الثاني، فهو كالتفسير له فلذلك آخره المؤلف رحمه الله تعالى، ما أدق نظره في التهذيب والترتيب! والله تعالى أعلم.
٢ - قوله: "إذا أراد البراز" قال الخطابي: بفتح الباء اسم، للفضاء الواسع من الأرض كنَّوا به عن حاجة الإنسان، كما كنوا عنها بالخلاء، وأكثر الرواة يقولون بكسر الباء وهو غلط، إنما ذاك المصدر بارزت الرجل في الحرب [مبارزة وبرازا] (١)، ورده النووي فقال: ليس الكسر غلطًا كما قال: بل هو صحيح أو أصح، فقد صرح بالكسر الجوهري (٢) والرواية بالكسرة.
وقوله: "حتى لا يراه أحد" يحتمل الغاية والتعليل، والأول أظهر، وفي رواية المصنف اختصار، وزاد ابن عدي والبيهقي: "فنزلنا منزلًا بأرض ليس فيها
_________
(١) ما بين المعقوفتين من معالم السنن وبه يتم المعنى ١/ ٩.
(٢) الصحاح ص ٤٨.
1 / 17
بَابُ الرَّجُلِ يَتَبَوَّأُ لِبَوْلِهِ
٣ - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو التَّيَّاحِ، قَالَ: حَدَّثَنِي شَيْخٌ، قَالَ لَمَّا قَدِمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ الْبَصْرَةَ، فَكَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي مُوسَى، فَكَتَبَ عَبْدُ اللَّهِ إِلَى أَبِي مُوسَى يَسْأَلُهُ عَنْ أَشْيَاءَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو مُوسَى: إِنِّي كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ذَاتَ يَوْمٍ فَأَرَادَ أَنْ يَبُولَ، فَأَتَى
===
علم ولا شجر فقال لي: "يا جابر خذ الأداوة وانطلق بنا" فملأت الإداوة ماء، وانطلقنا فمضينا حتى لا نكاد نرى، فإذا شجرتان بينهما أذرع. فقال رسول الله ﷺ: "يا جابر انطلق فقل لهذه الشجرة، يقول لك رسول الله الحقي بصاحبتك حتى أجلس خلفكما" ففعلت، فزحفت حتى لحقت بصاحبتها فجلس خلفهما، حتى قضى حاجته" (١).
باب الرجل يتبوأ لبوله
٣ - قوله: "أبو التياح" (٢) بتقدم الموفية كعلام، وقوله: "حدثني شيخ" في هذا السند جهالة لا تخفى. قوله: "البصرة" بتثليث الباء والفتح أشهر، وقوله: "فكان يُحدَّث" على بناء المفعول في رواية البيهقي (٣) "سمع أهل البصرة يتحدثون عن أبي موسى" وعن أبي موسى نائب الفاعل، واسم كان الضمير الثاني وجملة يحدث غيره، وقوله: "ذات يوم" لفظ ذات مقحم، و"الدمث"
_________
(١) ابن ماجه في الطهارة مختصرًا والبيهقي في الطهارة ١/ ٩٣، (٣٣٥) وابن عدي في الضعفاء مختصرًا ١/ ٢٧٩. وقال النووي معلقًا عليه في المجموع: فيه ضعف يسير وسكت عليه أبو داود فهو حسن عنده ١/ ٧٧.
(٢) أبو التيّاح: يزيد بن حُميد الضُّبَعي، بصري، مشهور بكنيتة، ثقة ثبت، من الخامسة، مات سنة ثمان وعشرين. تقريب التهذيب ٢/ ٣٦٣.
(٣) البيهقي ١/ ٩٣، ٩٤.
1 / 18
دَمِثًا فِي أَصْلِ جِدَارٍ فَبَالَ، ثُمَّ قَالَ: ﷺ «إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَبُولَ فَلْيَرْتَدْ لِبَوْلِهِ مَوْضِعًا».
بَابُ مَا يَقُولُ الرَّجُلُ إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ
٤ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَعَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ قَالَ: عَنْ حَمَّادٍ قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ» وَقَالَ: عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ قَالَ: «أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ».
===
بفتحتين أو كسر الميم وهو أشهر الأرض السهلة الرخوة.
والمراد "بأصل جدار" ما قاربه وإلا فلا يتصور إتيان دمث في أصل جدار ولا البول فيه، وعلى هذا فيحتمل أن لا يكون القرب بحيث يضر البول فيه البناء فلا إشكال في البول فيه، وعلى تقدير أن يكون مضرًا فيحتمل أن يكون الجدار غير مملوك، أو علم صلى الله تعالى عليه وسلم برضى صاحب الجدار.
وقوله: "فليرتد لبوله" في النهاية أي ليطلب مكان لينًا لئلا يرجع عليه رشاش بوله (١). يريد أن المفعول محذوف بقرينة المقام، ولو قدر فليطلب مثل هذا المكان، فحذف المفعول بقرينة مشاهدة مثله، كان أولى.
باب ما يقول الرجل إذا دخل الخلاء
٤ - قوله: "من الخبث" بضمتين جمع الخبيث "والخبائث" جمع الخبيثة والمراد ذكور الشياطين وإناثهم، وسكون الباء غلط، قال الخطابي: ورده النووي بأن الإسكان جائز على سبيل التخفيف قياسًا ككتب ورسل، فلعل الخطابي أنكر على
_________
(١) النهاية في غريب الحديث ٢/ ٢٧٦.
1 / 19
٥ - قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ: " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ "، وَقَالَ مَرَّةً: " أَعُوذُ بِاللَّهِ "، وَقَالَ وُهَيْبٌ: " فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ ". حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَمْرٍو يَعْنِي السَّدُوسِيَّ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ هُوَ ابْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ» وَقَالَ شُعْبَةُ: وَقَالَ مَرَّةً: «أَعُوذُ بِاللَّهِ».
٦ - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ النَّضِرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "إِنَّ هَذِهِ الْحُشُوشَ مُحْتَضَرَةٌ، فَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْخَلَاءَ فَلْيَقُلْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ".
===
من يقول أصله الإسكان (١).
٦ - قوله: "عن قتادة عن النضر بن أنس عن زيد بن أرقم" وروى بعضهم: "عن قتاده عن القاسم بن عوف عن زيد بن الأرقم" فقال البخاري: لعل قتادة سمع منهما جميعًا ولم يرجح أحد الإسنادين. وقال الترمذي: في إسناده اضطراب (٢).
قوله: "إن هذه الحشوش" بضم المهملة والمعجمة جميعًا هي الكنف، واحدها حش مثلث الحاء وأصله جماعة النخل الكثيفة، كانوا يقضون حوائجهم إليها قبل اتخاذ الكنف في البيوت.
وقوله: "محتضرة" بفتح الضاد أي تحضرها الشياطين.
_________
(١) معالم السنن ١/ ١١، والنووي في المجموع ٢/ ٧٤، ٧٥.
(٢) الترمذي في أبواب الطهارة (٥٦).
1 / 20
بَابُ كَرَاهِيَةِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ
٧ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: قِيلَ لَهُ لَقَدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْخِرَاءَةَ، قَالَ: أَجَلْ لَقَدْ «نَهَانَا ﷺ أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ، وَأَنْ لَا نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ، وَأَنْ لَا يَسْتَنْجِيَ
===
باب كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة
٧ - قوله: "قيل له" قاله يهودي كذا ذكره النووي (١) أي استهزاء و"الخراة" في المجمع بكسر الخاء ومد: هيئة الحدث. وأما نفس الحدث فبلا تاء وتمد مع فتح الخاء وكسرها. اهـ.
قلت: المعنى الذي ذكر يقتضى كسر الخاء بلا مد كجلسة للهيئة.
وقال الخطابي: أكثر الرواة يفتحون الخاء بلا مد (٢).
وقال الطيبي: المراد آداب التخلي، وجواب سلمان من أسلوب الحكيم حيث لم يلتفت إلى استهزائه.
قلت: والأقرب رد له بأن ما زعمه سببًا للاستهزاء ليس بسبب له، حتى المسلمون يصرحون به عند الأعداء.
وقوله: "أجل" بسكون اللام أي نعم. وقوله: "أن لا يستنجي" كلمة (لا) زائدة وقد سقطت في بعض النسخ و"الرجيع" هو الخارج من الإنسان أو الحيوان، سمي بذلك؛ لأنه رجع عن حاله الأولى وصار ما صار بعد أن كان طعامًا أو
_________
(١) النووي بشرح صحيح مسلم ٣/ ١٥٢.
(٢) معالم السنن ١/ ١١.
1 / 21
أَحَدُنَا بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، أَوْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أَوْ عَظْمٍ».
٨ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ بِمَنْزِلَةِ الْوَالِدِ، أُعَلِّمُكُمْ فَإِذَا
===
علفًا.
٨ - قوله: "إنما أنا لكلم بمنزله الوالد" كلام بسيط وتأنيس للمخاطبين لئلا يمنعهم الحياء والهيبة عن مراجعة ما يظهر لهم في دينهم.
وقوله: "إذا أتى أحدكم الغائط" هو في الأصل اسم للمكان المطمئن في الفضاء ثم اشتهر في نفس الخارج من الإنسان، والمراد هاهنا هو الأول، إذ لا يحسن استعمال الإتيان في المعنى الثاني أيضًا ولا يحسن النهي عن الاستقبال والاستدبار إلا قبيل المباشرة بإخراج الخارج، وذلك عند حضور المكان لا عند المباشرة بإخراج ذلك، فليتأمل.
وقوله: "ولا يَسْتَطِيبُ" بثبوت الياء في كثير من النسخ على أنه نهي بلفظ الخبر وهو أوكد، وجاء بحذف الياء على لفظ النهي، والمعنى لا يستنجي، وسمي الاستنجاء استطابة؛ لما فيه من إزالة النجاسة وتطييب موضعها.
"والروث" رجيع ذوات الحافر ذكره صاحب المحكم وغيره، وقال ابن العربي: رجيع غير بني آدم.
قلت: الأشبه أن يراد هاهنا رجيع الحيوان مطلقًا، ليشتمل رجيع الإنسان ولو بطريق إطلاق اسم الخاص على العام، ويحتمل أن يقال: ترك ذكر رجيع
1 / 22