قال ابن تيمية: أي في المحبة، فإذا عرفت من ساوى مع الله غيره في المحبة أشرك الشرك الأكبر، فكيف بمن رجح محبة الند على الله تعالى؟ بل وكيف بمن أقبل بكليته على غيره قلبا وقالبا؟ بمعنى أنه يعظم أوامر الند وحرماته أشد تعظيما إذا هتك حرمة من حرمات الند غضب غضب الليث واحمرت وجنته وانتفخت أوداجه وقام وقعد فيه، وإن هتك حرمة من حرمات الله لم يرفع به رأسا بل ويثبط غيره عن القيام فيه، فإذا رقيت هذه الدرجة وتمكنت فيها طولبت بالدرجة الرابعة وهي المتممة للدرجات الثلاث وهي المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيدور مع قول الرسول وفعله نفيا وإثباتا بلا روغان، فإن أتاه حكم من غيره وازنه بميزان ما جاء به صلى الله عليه وسلم، فإن وافقه أخذ بالقول، وإن خالفه # ضربه بالحائط، قال تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} . [النساء: 65] . وقال تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر} . [النساء: 59] . وسيأتي زيادة بيان إن شاء الله في بابه.
واستدل الشيخ على ذلك بالآية الرابعة وهي قوله تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله} . [التوبة: 31] . عن عدي بن حاتم أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية قال: يا رسول الله إنا لسنا نعبدهم، قال: "أليسوا يحللون لكم الحرام ويرمون عليكم الحلال فتطيعونهم؟ ". قال: بلى، قال "فتلك عبادتهم" 1. وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله" 2.
اعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قيد قول: لا إله إلا الله بالكفر بما يعبد من دون الله فمن لم يكفر بما يعبد من دون اله ما قال: لا إله إلا الله، فتأمل حتى تميز بين الناس، ويشرح هذه الترجمة ما بعدها من الأبواب.
صفحة ١٩٤