قلت: وذلك لما خلا من قلبه نور التوحيد ونور الكتاب والسنة صار مثله كما قال تعالى: {أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور} . [النور: 40] . وحينئذ لقي العدو عليه مساطي1، وهذا شأن العدو الضعيف: وهو الشيطان ضعيف فإنه في الكيد، قال تعالى: {إن كيد الشيطان كان ضعيفا} . [النساء: 76] .وشأن السراق وقطاع الطريق بل السباع الضواري بل والهوام وحشرات الأرض كالحيات والعقارب وأشباهها ما يظهرون ولا يعدون على الحصون والبيوت والطرق إلا في الليل المشتمل على الظلمات التي # تستر الأعين عن الأبصار والاستبصار ويستغنم الفرص، لما فيها من الغفلة والسكون وعدم الفطنة والدرك، فهم على هذا حتى يتبين النور، فإذا أحسوا بنور فروا واستكمنوا. وهذا القلب يضاده قلب المؤمن، كتضاد النور والظلمة، قال تعالى: {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} . [البقرة: 257] . وتضاد القلبين كتضاد الحياة والممات، قال تعالى: {أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها} . [الأنعام: 122] . قوله تعالى: {إذا أخرج يده لم يكد يراها} . [النور: 40] . مثل للمشرك أنه لما تراكمت على قلبه الظلمات لعضها فوق بعض، ظلمة الشرك وظلمة الجهل وظلمة اتباع الأهواء والآراء والآباء، فحينئذ لم يكد يرى القبيح والحسن، والحق والباطل، أي لا يميز بينهما بل ربما يجعل القبيح حسنا، والحسن قبيحا، والحق باطلا، والباطل حقا، لعمى بصيرته، قال تعالى: {فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} . [الحج: 46] .ووقوع هذا الداء العضال في الكفار والمشركين والمنافقين أمر واضح، نطق به الوحيان، ويقع في أهل المعاصي إذا أدمنوا عليها، قال تعالى: {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون} . [المطففين: 14] . فلما كان هذا ممكن الواقع ولا يدفعه دافع ولا يمنعه مانع إلا الله العليم الوسيع كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بهذا الدعاء: "اللهم أرني الحق حقا وارزقني اتباعه، وأرني الباطل باطلا وارزقني اجتنباه ولا تجعله ملتبسا علي فأفضل" 1.
صفحة ٣٣