وأما قوله: ﴿وَلا يَشْقَى﴾، فهم يزعمون أن الله يرضى بفعلهم، ويثيبهم عليه في الآخرة، ولو تركوه واتبعوا القرآن لغلطوا وعوقبوا؛ فذكر الله ١ أن من اتبع القرآن أمن من المحذور الذي هو الخطأ عن الطريق، وهو الضلال، وأمن من عاقبته وهو الشقاء في الآخرة.
ثم ذكر الفريق الآخر الذي أعرض ٢ عن القرآن فقال: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا﴾ ٣. وذكر الله هو: القرآن الذي بين الله لخلقه فيه ما يحب ويكره، قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾ ٤ الآيتين. فذكر الله لمن أعرض عن القرآن وأراد الفقه من غيره عقوبتين: إحداهما: المعيشة الضنك، وفسرها السلف بنوعين:
أحدهما: ضنك الدنيا، وهو أنه، إن كان غنيًا، سلط عليه خوف الفقر، وتعب القلب والبدن في جميع الدنيا، حتى يأتيه الموت، ولم يتهن بعيش.
الثاني: الضنك في البرزخ، وهو عذاب القبر ٥. وفسر الضنك في الدنيا أيضا بالجهل، فإن الشك والحيرة لهما من القلق وضيق الصدر ما لهما، فصار في هذا مصداق قوله في الحديث عن القرآن: " من ابتغى الهدى من غيره، أضله الله " ٦.
فبان لك أن الله عاقبهم بضد قصدهم؛ فإنهم قصدوا معرفة الفقه، فجازاهم بأن أضلهم وكدر عليهم معيشتهم بعذاب قلوبهم لخوف الفقر
_________
١ في طبعة أبا بطين: (فقد ذكر الله) .
٢ في المخطوطة: (أعرضوا) .
٣ سورة طه آية: ١٢٤.
٤ سورة الزخرف آية: ٣٦.
٥ في طبعة أبا بطين: (وهو عذاب البرزخ) .
٦ الترمذي: فضائل القرآن (٢٩٠٦)، والدارمي: فضائل القرآن (٣٣٣١) .
1 / 78