الفقيه و المتفقه
محقق
أبو عبد الرحمن عادل بن يوسف الغرازي
الناشر
دار ابن الجوزي
رقم الإصدار
الثانية
سنة النشر
١٤٢١ ه
مكان النشر
السعودية
الْفَقِيهُ وَالْمُتَفَقِّهُ لِلْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَبِهِ نَسْتَعِينُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي شَيَّدَ مَنَارَ الدِّينِ وَأَعْلَامَهُ، وَأَوْضَحَ لِلْخَلْقِ شَرَائِعَهُ وَأَحْكَامَهُ، وَبعَثَ صَفْوَتَهُ وَخَصَائِصَ أَوْلِيَائِهِ الْمُصْطَفَيْنَ لِتَبْلِيغِ رِسَالَتِهِ مِنْ أَنْبِيَائِهِ يَدْعُونَ إِلَى تَوْحِيدِهِ، وَتَرْكِ مَا خَالَفَهُ مِنَ الْمِلَلِ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ، وَخَتَمَ الدَّعْوَةَ بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ وَفَضَّلَهُ عَلَى مَنْ سَبَقَ وغَبَرَ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَجَعَلَ شَرِيَعَتَهُ مُؤَيَّدَةً إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَوَكَّلَ بِحِفْظِهَا مِنَ الصِّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مَنْ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ، وَتَرْتَفِعُ بِقَوْلِهِ الشُّبْهَةُ، وَهُمُ الْفُقَهَاءُ الَّذِينَ أَلْزَمَهُمْ حِرَاسَةَ شَرِيعَتِهِ، وَالتَّفَقَّهَ فِي دِينِهِ فَقَالَ ﵎ ﴿كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ﴾ [سورة: آل عمران، آية رقم: ٧٩] وَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينَ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ [سورة: التوبة، آية رقم: ١٢٢] فَجَعَلَهُمْ فِرْقَتَيْنِ أَوْجَبَ عَلَى إِحْدَاهُمَا الْجِهَادَ فِي سَبِيلِهِ، وَعَلَى الْأُخْرَى التَّفَقُّهَ فِي دِينِهِ لِئَلَّا يَنْقَطِعَ جَمِيعُهُمْ إِلَى الْجِهَادِ فَتَنْدَرِسَ الشَّرِيعَةُ وَلَا يَتَوَفَّرُوا عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ فَيَغْلِبَ الْكُفَّارُ عَلَى الْمِلَّةِ، فَحَرَسَ بَيْضَةَ الْإِسْلَامِ بْالْمُجَاهِدِينَ وَحَفَظَ شَرِيعَةَ الْإِيمَانِ بْالْمُتَعَلِّمِينَ وَأمَرَ بِالرُّجُوعِ إِلَيْهِمْ فِي النَّوَازِلِ وَمَسْأَلَتِهِمْ عَنِ الْحَوَادِثِ، فَقَالَ ﷿ ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [سورة: النحل، آية رقم: ٤٣] وَقَالَ تَعَالَى ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ [سورة: النساء، آية رقم: ٨٣] وَقَالَ ﷾ ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [سورة: النساء، آية رقم: ٥٩] وَبَيَّنَ أَنَّ الْعُلَمَاءَ هُمُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ فَقَالَ: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [سورة: فاطر، آية رقم: ٢٨] وَجَعَلَهُمْ خُلَفاَءَ فِي أَرْضِهِ، وَحُجَّتَهَ عَلَى عِبَادِهِ وَاكْتَفَى بِهِمْ عَنْ بَعْثِهِ نَبِيًّا وَإِرْسَالِ نَذِيرٍ، وَقَرَنَ شَهَادَتَهُمْ بِشَهَادَتِهِ وَشَهَادَةِ مَلَائِكَتِهِ، فَقَالَ ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ﴾ [سورة:] وَقَالَ: ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [سورة: الزمر، آية رقم: ٩] ثُمَّ بَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِسُنَّتِهِ فَرْضَ الْعِلْمِ عَلَى أُمَّتِهِ وَحَثَّ عَلَى تَعَلُّمِ الْقُرْآنِ وَأَحْكَامِهِ وَالسُّنَنِ وَمُوجِبَاتِهَا، وَالنَّظَرِ فِي الْفِقْهِ وَاسْتِنْبَاطِ الدَّلَائِلِ وَاسْتِخْرَاجِ الْأَحْكَامِ، وَأَنَا أَذْكُرُ مِمَّا رُوِيَ عَنْهُ ﵇ فِي ذَلِكَ مَا يَحْدُو ذَا الرَّأْيِ الْأَرْشَدِ، وَالطَّرِيقِ عَلَى التَّفَقُّهِ فِي دِينَ اللَّهِ، وَالنَّظَرِ فِي أَحْكَامِهِ وَالِاجْتِهَادِ فِي تَعَلُّمِ ذَلِكَ وَحِفْظِهِ وَدِرَاسَتِهَ، وَأَذْكُرُ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ وَتَثْبِيتِ الْحِجَاجِ وَمَحْمُودِ الرَّأْيِ وَمَذْمُومِهِ وَكَيْفِيَّةِ الِاجْتِهَادِ وَتَرْتِيبِ أَدِلَّتِهِ وَالْآدَابِ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ يَتَخَلَّقَ بِهَا الْفَقِيهُ وَالْمُتَفَقِّهُ وَاسْتِعْمَالُهُمَا الْهُدَى وَالْوَقَارِ وَالْخُشُوعِ وَالْإِخْبَاتِ فِي تَعَلُّمِهِمَا وَتَعْلِيمِهِمَا وَمِمَّا يَلْزَمُ الْفَقِيهَ الْمُجْتَهِدَ وَالْمُتَفَقِّهَ الْمُسْتَرْشِدَ، وَيَجِبُ عَلْيِهِمَا، وَيُسْتَحَبُّ لَهُمَا، وَيُكْرَهُ مِنْهُمَا مَا يَتَبَيَّنُ نَفْعُهُ لِمَنْ فَهِمَهُ وَوُفِّقَ لِلْعَمَلِ بِهْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
1 / 69