بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لمن يستحق الحمد لذاته وهويته، ويستوجب الشكر لكمال إلهيته، وتتقاصر الأوهام عن دقائق أقداره وأقضيته، وتتحير الأفهام في لطائف آلائه ورأفته وتدهش العقول في كمال مصنوعاته وحكمته، وتقف الأفكار حيرى في كبريائه وقاهريته. الخلق مقهورون محجوجون بساطع حجته، والقلوب في تصرفه يقلبها كيف يشاء على وفق مشيئته. ما من شيء إلا وفي خزائنه غير معدوم، وما ننزله إلا بقدر معلوم. ﴿ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين﴾. على علمه الخير والشر، والنفع والضر، والحركة والسكون، والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره كل في فلك يسبحون. جعل لكل أجل كتابًا، وللمسببات أسبابًا، وربط المسببات بالأسباب وهو خالق الأسباب والمسببات، وأوقع الشبع عقيب الأكل دائما على العادة وهو غني عن العادات، وهب العقل فيسربه سواء السبيل، وركب الحرق فنقص به الخط من التحصيل. ﴿ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إنه على صراط مستقيم﴾، ﴿إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون﴾. أغنى وأقنى، وأضحك وأبكى وأمات واحيا. ﴿لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون﴾.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم أشد عذاب أليم وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الهادي بإذنه إلى صراط مستقيم ﴿عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف
1 / 1
رحيم﴾ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وذويه، وسائر أتباعه وأوليائه ومحبيه وسلم تسليمًا كثيرًا.
وبعد، فقد منحتكم يا معشر إخواني المفاليك كتابًا بديع المثال، منسوجًا على غير منوال، مخترعًا من غير سابقة مثال مسلاة وتمثلا وحكمة وعللا، تتخذونه مفاكهة وأمثالًا، وتتصرفون به في ظنونكم ردًا وأعمالًا، وتنزعون به أيديكم من ربقة انتزاعًا، وترفعون به نحو الأغراض والمقاصد شرعًا.
وكان المحرك لهذه الكتابة أن سائلا سأل عن السبب في علية الفلاكة والإهمال على نوع الإنسان، فصادف مني نشاطًا للكلام في ذلك نفشة مصدور وضربة موتور، ونارًا ساكنة ألقمها حطبًا، ودعوة وافقت إرادة ومطلبًا.
وأنا أعتذر عما لا يوافق الغرض ولا يصيب الغرض، وعن استبدال الجوهر بالعرض، بأن استكشاف أسرار الدقائق واستشفاف أنوار الحقائق مما يتعذر أو يتعسر مع العوائق البدنية والصوارف النفسانية، ولو كان الخاطر صقيلا باترًا ومواد الكلام بحرًا زاخرًا، فكيف إذا كانت الفكرة كليلة، والبضاعة من العلم قليلة، والصوارف متناصرة، والبواعث متقاصرة والشواغل إلى حد المنع من معاودة التنقيح والتهذيب، والوقت ضيق عن اختيار الألفاظ وجودة الترتيب، والكتب مفقودة أو مستعارة، والهموم تشن غارة بعد غارة.
هذا مع إن المخترعات التي لم تسبق بتصنيف ولا بتدوين وترصيف لا تبلغ بها الفائدة نصابها، وتفتح للمعاذير أبوابها. ومن الله استمد العصمة من وصمة الغلط، وغوائل الأوهام وبوادر السقط، وأن يوفقنا لإخلاص النية وإحسان الطوية.
ورتبت مقصود هذا الجمع في فصول:
الفصل الأول: في تحقيق معنى المفلوك الذي قصر عليه هذا الكتاب.
الفصل الثاني: في خلق الأعمال وبيان أن لا حجة للمفلوك في التعلق بالقضاء والقدر.
الفصل الثالث: في أن التوكل لا ينافي التعلق بالأسباب وان الزهد لا ينافي كون المال في اليدين.
الفصل الرابع: في الآفات التي تنشأ من الفلاكة وتستلزمها الفلاكة وتقتضيها.
الفصل الخامس:
1 / 2
في أن الفلاكة والإهمال ألصق بأهل العلم وألزم لهم من غيرهم وبيان السبب في ذلك.
الفصل السادس: في مصير العلوم كمالات نفسانية وطاعة ليس إلا بعد كونها صناعة من الصنائع وحرفة من الحرف وبيان السبب في ذلك.
الفصل السابع: في علية الفلاكة والإهمال والإملاق على نوع الإنسان وبيان السبب في ذلك.
الفصل الثامن: في أن الفلاكة المالية تستلزم الفلاكة الحالية.
الفصل التاسع: في أن التملق والخضوع وبسط أعذار الناس والمبالغة في الاعتذار إليهم وإظهار حبهم ومناصحتهم من أحسن أحوال المفلوكين وأليق الصفات بهم وأفضى الطريق بهم إلى مقاصدهم وبيان الدليل على ذلك.
الفصل العاشر: في تراجم العلماء الذين تقلبت عنهم دنياهم ولم يحظوا منها بطائل.
الفصل الحادي عشر: في مباحث تتعلق بالفصل قبله ومن المباحث النكبات الحاصلة للأعيان.
الفصل الثاني عشر: في أشعار المفلوكين أو من في معناهم وما فيها من مقاصد شتى وبيان أن الحامل عليها إنما هو الفلاكة.
الفصل الثالث عشر: في وصايا يستضاء بها في ظلمات الفلاكة نختم به الكتاب.
الفصل الأول
في تحقيق معنى المفلوك
هذه اللفظة تلقيناها من أفاضل العجم، ويريدون بها بشهادة مواقع الاستعمال الرجل الغير المحظوظ المهمل في الناس لإملاقه وفقره، وليس في صحاح الجوهري ولا في القاموس المحيط في هذه المادة مل يصلح لهذا المعنى إلا قول صاحب القاموس (فلك تفليكا: إذا لج في الأمر) فإنه يمكن أن يجعل مصححا لهذا الاستعمال.
وبيانه أن اللجاج لازم الإملاق، فإنه يلزم من الإملاق وعدم الحظ اللجاج، فيكون من باب إطلاق اللازم وارادة الملزوم.
وهذا مع ما فيه من التكلف مردود بأنه فعل تفعيلا لا يصح أن يكون اسم المفعول منه بزنة مفعول، والذي يظهر إنه مأخوذ من الفلك الذي هو جسم محيط بالعالم، فكأن الفلك يعارض غير المحظوظ في مراده ويدافعه عنه فان قيل: هذا فاسد لفظًا ومعنى: أما اللفظ فلأن الفلك اسم جامد لا يصح أن يشتق منه صيغة مفعول، ولا يصح اشتقاقه من الفلك
1 / 3
لما فيه من معنى الاستدارة، لأن الفلاكة بمعنى عدم الحظ ليست من معنى الاستدارة في شيء ولا على المجاز، على معنى أن عدم الحظ لما استلزم الحركة والاضطراب والجولان كان إطلاقها وإرادته من باب إطلاق اللازم وإرادة الملزوم، لأن اللزم لعدم الحظ هو مطلق الحركة والاضطراب لا لحركة المقيدة بالاستدارة، وأما المعنى فإن اشتقاقه من الفلك على معنى أن الفلك يعارضه في مراده ويدافعه عنه غير مستقيم، لما تقرر في الكتب الكلامية أن الله تعالى هو خالق كل شيء.
فالجواب عن الأول أن اشتقاق المفلوك من الفلكغير ممتنع، فقد قالوا (رأسته) بمعنى ضربت رأسه، و(رأيته) بمعنى أصبت رئته، وابلغ من ذلك اشتقاقهم من الحروف كما في اشتقاق (احاشي) من الحاشا الحرفية الاستثنائية في أحد التخريجين في قول من قال:
(ولا أحاشي من الأقوام من أحد)
وأبلغ من ذلك اشتقاقهم من لفظ الجملة كالحوقلة والبسملة والهيللة وعن الثاني أن ذلك من قبيل المجاز العقلي، وهو نسبة الشيء إلى زمانه مجازًا تشبيهًا للتلبس الغير الفاعل بالتلبس الفاعلي، ويشهد لذلك ما قاله العلماء في قوله ﷺ، (الشؤم في ثلاثة أو أن يكن الشؤم ففي المرأة والدار والفرس) على اختلاف
الروايتين جزما وتعليقا من أن ذلك على المجاز والاتساع، أي قد يحصل الشؤم مقارنًا لها وعندها لا أنها هي في أنفسها مما توجب الشؤم، فقد تكون الدار قد قضى الله تعالى أن يمت فيها خلقًا من عباده، كما يقدر ذلك في البلد بالطاعون والوباء، فيضاف ذلك إلى المكان مجازًا، والله خلقه عنده وقدره.
فقد صح بهذا التقرير جواز أخذ المفلوك من الفلك، على معنى إنه الذي يعارضه الفلك في مراده على جهة التجوز. ولو سلم أن السعود والنحوس لا تدور مع حركات الأفلاك دائمًا لم يكن ذلك قادحًا في صحة التجوز، لأن إضافة الفعل إلى زمانه مجازًا لا تحتاج إلى كون القضية دائمة، كما في قولهم (نهاره صائم وليله قائم) وأمثاله مما لا يحصى.
على أنا نقول: اللغة اصطلاحية على قول، والألفاظ العلمية التي يدير عليها أهل كل علم - كالرفع والنصب للنحاة مثلا - اصطلاحية إجماعًا ووفاقا. ووجه اختيار لفظ الفلاكة على الفاقة والإملاق والفقر ونحوها أن هذه الألفاظ الثلاثة ونحوها نص صريح في مدلولها، بخلاف لفظة الفلاكة والمفلوك، فإنه يتولد منهما بمعونة القرائن معان لائقة بالمقامات على كثرتها وتفاوتها.
1 / 4
الفصل الثاني
في خلق الأعمال وما يتعلق به
أما مذهب إمام الحرمين وجمهور الفلاسفة وأبي الحسين البصري من المعتزلة فهو أن الله تعالى يوجد للعبد القدرة والإرادة، ثم تلك القدرة والإرادة يوجبان وجود المقدور.
ومذهب أكثر المعتزلة أن القدرة الحادثة موجبة الحدوث مقدورها، وإنه لا تأثير للقدرة القديمة فيه.
ومذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري وجماعة من أصحابه والقاضي أبي بكر الباقلاني في أحد أقواله والبخاري من المعتزلة إنه لا تأثير للقدرة الحادثة في حدوث مقدورها ولا في صفة من صفاته وإن أجرى الله العادة بخلق مقدورها مقارنًا لها، فيكون الفعل خلقًا من الله إبداعًا وأحداثًا وكسبًا من العبد لوقوعه مقارنًا لقدرته.
واختلف في تفسير الكسب على قولين: (أحدهما) أن ذات الفعل تحصل بقدرة الله تعالى وكونه طاعة ومعصية، كما في لطم اليتيم تأديبًا وإيذاء صفات له تابعة لوجوده يحصل بقدرة العبد، لأن مفهوم الفعل أعم من خصوص كونه قيامًا وقعودًا وما به التمايز غير ما به الاتحاد، فما به التمايز هو الكسب. صرح بذلك الأبهري في شرح المواقف وبعض شراح الطوال، ولكن المشهور إيراده مذهبًا للقاضي أبي بكر الباقلاني وأخذًا من أقواله.
(القول الثاني) وهو المشهور في تفسير الكسب إنه تصميم العزم على الفعل، على معنى أن الله تعالى أجرى عادته بأن العبد إذا صمم العزم على المعصية يخلق الله تعالى فعل المعصية فيه، فالعبد وإن لم يكن موجدًا إلا إنه كالموجد. واستدلت الأشاعرة على مطلوبهم بمسالك كثيرة ضعفها الآمدي في أبكار الأفكار، ولم يرتض منها إلا مسلكين أخصرهما لو كان العبد خالقا لأفعال نفسه للزم وجود خالق غير الله، ووجود خالق غير الله محال، ويلزم من انتفاء اللازم انتفاء الملزوم.
وأما المعتزلة فاستدلوا على مذهبهم بوجوه كثيرة مرجعها إلى أمر واحد، وهو إنه لولا استقلال العبد بالفعل لبطل مدح العباد وذمهم على الطاعات والمعاصي، إذ لا يمدح زيد ولا يذم بما يفعله عمرو من طاعة أو معصية، وإلا ارتفع الثواب والعقاب لأن العبد إذا لم يكن موجدًا لفعله لم يستحق ثوابا ولا عقابًا، وكان الله
مبتدئا بالثواب والعقاب من غير استحقاق من العبد لذلك، ولو
1 / 5
كان كذلك لجاز عقاب الأنبياء وثواب الكفرة الأغبياء، ولم يبق لأحد وثوق بعمله. ولا يخفى ما في ذلك من تشويش الدين والخبط في الشريعة.
وأيضًا لولا الاستقلال لبطل التكليف بالأوامر والنواهي والتأديب، لأنه إذا لم يكن العبد موجدًا لأفعاله فكيف يصح عقلا أن يقال: ائت بفعل الإيمان والصلاة والزكاة ولا تأت بالكفر وشرب الخمر والزنا، لأنه تكليف بما لا يطاق، وليطل أيضًا فائدة بعث الأنبياء، وهي دعوة المكلفين إلى فعل الطاعات وزجرهم عن المعاصي إذا لم يصدر منهم عمل فيلزم التكليف بما لا يطاق.
والجواب بمنع الملازمات: أما في المدح والذم فلأنهما باعتبار المحلية لا باعتبار الفاعلية، إذ لا يجوز أن يمدح الشيء لحسنه وسلامته ويذم لقبحه وعاهته، فتمدح الجوهرة لحسنها وصفائها ونقائها من العيوب. وأما الثواب والعقاب فلأن عادة الله جارية على خلق الثواب عقيب خلق الطاعات وعلى خلق العقاب عقيب خلق المعاصي، لا أن العبد يوجد الطاعة والمعصية وهما يوجبانهما، كما يخلق الشبع عقيب خلق الأكل والاحتراق عقيب مسيس النار وإن قدر على أن يخلقها ابتداء.
وقولهم: (لو لم يكن الثواب جزاء فعل العبد لجاز عقاب الأنبياء وثواب الكفرة) قلنا: مسلم ولكن جوازًا تحيله العادة أو لا تحيله العادة الأول مسلم والثاني ممنوع، فلا يشك في انتفاء ما ذكروه وان كان جائزًا عقلا، وأما حديث التكليف والتأديب والبعثة والدعوة فلأنها قد تكون دواعي الفعل وأجرى الله العادة بترتيب آثارها عليها.
وتخليصه أن الأشاعرة لما وردت عليهم هذه الشبهة ورأوا أيضًا تفرقة بديهية بين ما نزاوله من الأفعال الاختيارية ومن حركة المسحور على وجهه والمرتعش، وذادهم ومنعهم البرهان الدال على أن الله خالق كل شيء عن أضافه الفعل إلى
اختيار العبد مطلقًا جمعوا بين الأمرين واثبتوا الكسب على التفسيرين السابقين، فإما أن يقال كون خصوص الفعل من كونه طاعة ومعصية واقعًا بقدرة العبد كاف في تكليفه وتأديبه ودعوته، وأما أن يقال العبد إذا صمم على الطاعة يخلق الله فعل المعصية فيه وإذا صمم على الطاعة يخلق الله فعل الطاعة فيه. وعلى هذا يكون العبد كالموجد لفعله وان لم يكن موجدًا، وهذا القدر كاف في التكليف والتأديب والدعوة.
وهذا أيضًا مشكل، لأن الدواعي والتصميم على فعل من الأفعال مخلوق لله تعالى، فلا مدخل للعبد أصلا. ووجه الاعتذار عن هذا الإشكال كما
1 / 6
قرره الأصفهاني أن الله تعالى يوجد القدرة والإرادة في العبد ويجعلهما بحيث لهما مدخل في الفعل لا بأن تكون القدرة والإرادة لذاتهما اقتضت أن لهما مدخلا في الفعل، بل كونهما بحيث لهما مدخل بخلق الله إياهما على هذا الوجه ثم يقع الفعل بهما، فإنه جميع المخلوقات يخلق الله بعضها بلا واسطة وبعضها بوساطة أسباب، لا بأن تكون تلك الوسائط والأسباب لذاتها اقتضت أن يكون لها مدخل في وجود المسببات. بل بأن خلقها الله تعالى بحيث لها مدخل، فتكون الأفعال الاختيارية المنسوبة إلى العبد مخلوقة لله تعالى، أو مقدورة للعبد بقدرة خلقها الله تعالى في العبد وجعلها بحيث لها مدخل في الفعل.
والغرض من هذا الفصل إقامة الحجة على المفلوكين وقطع معاذيرهم وإلجامهم عن التعلق بالقضاء والقدر، وإنه متى نعيت إليهم فلاكتهم أو نودى عليهم بها كان ذلك متجهًا مخيلًا، لأنهم إما فاعلوها استقلالا أو مشاركة وأما بالمحلية والمدخلية على ما سبق تحقيقه.
ولو سلم أن ذلك من باب القضاء والقدر الصرف أو فرضت فلاكة سماوية صرفة، فكلمات العلماء في مجاري أبحاثهم طافحة بأن القضاء والقدر لا يحتج
به، وذلك لما روى مسلم في صحيحه ﴿أن النبي ﷺ قال: اجتمع آدم مع موسى فقال له موسى: يا آدم أنت خيبتنا وأخرجتنا من الجنة. فقال آدم: أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة. قال ﷺ: فحج آدم موسى﴾.
قال النووي في شرحه: فإن قلت: فإن العاصي منا لو قال هذه المعصية قدرها الله علي لم يسقط عنه اللوم والعقوبة بذلك وان كان صادقًا فيما قاله. فالجواب أن هذا العاصي باق في دار التكليف جار عليه أحكام المكلفين من العقوبة واللوم والتوبيخ وغيرها، وفي لومة وعقوبته زجر له ولغيره عن مثل هذا الفعل، وهو محتاج إلى الزجر ما لم يمت، فأما آدم فميت خارج عن دار التكليف وعن الحاجة إلى الزجر، فلم يكن في القول المذكور له فائدة بل فيه إيذاء وتخجيل - انتهى.
فانظر كيف اعترف بحجية السؤال واعتذر في الجواب بأن الحديث ليس منه، والقضاء والقدر وإن لم يحتج به في الدنيا فجائز أن يحتج به الأنبياء في الآخرة لعلو مقامهم عن الإيذاء والتخجيل، وإذا ثبت أن القضاء والقدر لا يحتج به في المعاصي فغيرها كذلك، إذ لا قائل بالفرق أو المقايسة، لأن العلة التي اقتضت المنع من الإحتجاج بالقدر في المعاصي مطردة في غيرها من أقداره تعالى بالمناسبة والاخالة.
1 / 7
الفصل الثالث
في أن التوكل لا ينافي التعلق بالأسباب
وأن الزهد لا ينافي كون المال في اليدين
ومقصود هذا الفصل يحصل بالكلام على مقامين:
المقام الأول مقام التوكل
التوكل في اللغة عبارة عن إظهار العجز والاعتماد على الغير، وخص بما يكون الاعتماد فيه على الله تعالى:
وفي الاصطلاح عبارة عن دوام حسن ملاحظة القضاء والقدر في جميع الحوادث دون اقتصار النظر على الأسباب الطبيعية، ودوام حسن الملاحظة بجامع التعلق بالأسباب ولا ينافيها. وحينئذ فحركة العبد ببدنه أو بتدبيره إما لجلب نفع كالكسب أو حفظه كالادخار أو دفع ضر كمقاومة الصائل أو قطعه كالتداوي: فأما جلب المنافع ودفع المضار ورفعها فإمضاء الأسباب إليه إما مقطوع به وهي الأسباب التي ارتبطت المسببات بها بتقدير الله تعالى ارتباطًا مطردًا. وأما مظنون ظنًا يوثق به وهي المسببات التي ارتبطت ارتباطًا أكثريًا بحيث لا يحصل بدونها إلا نادرًا. وأما موهوم وهمًا لا يوثق به ولا يطمأن له.
فأما المقطوع بإفضائه والمظنون إفضاؤه من الجلب والدفع والرفع كمد اليد إلى الطعام الحاضر واستصحاب الزاد في السفر في البراري المقفرة والمتنحي عن مجرى السيل وعن مفترس الأسد وترك النوم تحت الجدار المائل وإغلاق الباب وعقل البعير والتداوي بالأمور المجربة، فكل ذلك لا ينافي التوكل، وإهماله مراغمة لحكمة الله تعالى في نصب الأسباب وعدم الاكتفاء بالقدرة المجردة، وجهل بسنة الله وعادته. فمن ترك الوقاع ومد اليد إلى الطعام وإبلاغه بإطباق أعالي الحنك على أسافله، وانتظر أن يحصل له ولد كما ولدت مريم ﵍ أو أن يخلق الله له الشبع بغير أكل أو يرسل ملكًا فيمضغه ويدخله في فيه فهو مجنون جاهل بالشريعة، لأن الاكتساب لإحياء النفس واجب، والاكتساب لنفقة الزوجة والبعض أصلا كان فرعًا في الثالث الصحيح واجب أيضًا، ولأن إهمال العيال حرام وإهلاك النفس جوعًا حرام وإغلاق الباب عليه وسد طريق العلم به وامتحان قدرة الأرزاق حرام، وتصبير النفس على الجوع لمن لا تطيق نفسه من
ذلك وتضطرب عليه حرام كما قال
1 / 8
على (الجوع مدة فإن كان لا يطيقه ويضطرب عليه قلبه وتتشوش عليه عبادته لم يجز له التوكل) - انتهى.
وقد قال ﷺ للأعرابي لما أهمل بعيره وقال توكلت على الله: ﴿أعقلها وتوكل على الله﴾.
وقال تعالى: ﴿خذوا حذركم﴾ وقال في كيفية صلاة الخوف: ﴿وليأخذوا أسلحتهم﴾ وقال ﴿وأعدوا لهم ما استطعتم﴾ وقال لموسى ﴿فأسر بعبادي ليلا﴾ والتحصن بالليل لإخفائهم عن عين العدو نوع تسبب، واختفاء رسول الله ﷺ في الغار عن عين الأعداء للضرر وأخذ السلاح في الصلاة سبب مظنون.
وأما الموهوم إفضاؤه دفعًا وتحصيلا كالرقبة والكي والاستقصاء في حيل المعيشة والتدبيرات الدقيقة من وجوه الاكتساب فذلك كله مناف للتوكل، لأنه من ثمرات الحرص وحب الدنيا لا لمنافاته التوكل بالذات، لأنا قد قدمنا أن التوكل عبارة عن دوام حسن ملاحظة القضاء والقدر في جميع الحوادث، وهذا إنما ينافي الاستقصاء وتدقيق باختلاف اللوازم لا بالذات، فحينئذ التوكل هو عدم الاعتماد على الأسباب مفضية كانت إلى مسبباتها بالقطع أم لا، وأن يكون الاعتماد على خالقها، فإن اليد والطعام وقدرة التناول مثلًا كلها من قدرة الله تعالى، وكيف يتكل على اليد وغيرها وربما تفلج في الحال ويهلك الطعام، أو يحدث من تناوله مرض يؤدي إلى الهلاك، أو يتسلط على زاد المسافر غاصب أو سارق وما شاكل ذلك من الآفات، فيجب أن يعتمد على فضل الله تعالى في دفع جميع هذه الأشياء.
فقد بان واتضح مما قررناه أن ليس من شرط التوكل ترك الأسباب وإطراحها وإهمال الكسب بالبدن والتدبير بالقلب والسقوط على الأرض كالخرقة اللعى أو كلحم على وضم. فإن ذلك كله حرام في الشرع ولن يتقرب إلى الله بمحارمه.
وأما الادخار فما كان منه مع فراغ القلب عن المدخر فليس من ضرورته بطلان
التوك، هكذا صرح به في الإحياء، وأما غيره فمن انزعج قلبه بترك الادخار واضطربت نفسه وتشوشت عليه عبادته وذكره واستشرف إلى
1 / 9
ما في أيدي الناس فالادخار له أولى، لأن المقصود إصلاح القلوب لتتجرد لذكر الله، ورب شخص يشغله عنه وجود المال ورب شخص يشغله عدمه، والمحذور هو الشغل عدءًا كان أو وجودًا، فالدنيا في عينها غير محذورة لا وجودها ولا عدمها، ولذلك بعث ﷺ إلى أصناف الخلق وفيهم التجار والمحترفون أي أهل الحرف والصنائع - فلم يأمر التاجر بترك تجارته ولا المحترف بترك حرفته، ولا أمر التارك لهما بالإشغال بهما، بل دعا الكل إلى الله وأرشدهم إلى أن نجاتهم في انصراف قلوبهم عن الدنيا، فصواب الضعيف ادخار قدر حاجته كما أن صواب القوي ترك الادخار، وكذلك المعيل لا يخرج عن حد التوكل بادخار قوت سنة لعياله جبرًا لضعفهم وتسكينًا لقلوبهم.
وقد ادخر ﷺ لعياله قوت سنته، وأما نهي أم أيمن عن أن تدخر شيئًا لغد، ونهي بلال عن الادخار في كسرة خبز ادخرها ليفطر عليها وقال ﴿انفق بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالا﴾ فلأن الادخار يضر بعض الناس دون بعض، وكذلك ما روى أبو أمامة الباهلي أن بعض أصحاب الصفة توفي فما وجد له كفن، فقال ﷺ (فتشوا ثوبه) فوجدوا فيه دينارين في داخل إزاره فقال ﷺ (كيتان).
وقد كان غيره من المسلمين يموت ويخلف أموالًا كثيرة فلا يقال ذلك في حقه، ووجه الجمع بين هذين الأمرين أن إظهار الزهد والفقر والتوكل مع تلك الدنانير تلبيس.
قلت: رأيت في ترجمة النجم الخبوشاني الأمار بالمعروف النهاء عن المنكر للملوك فمن دونهم الذي يضرب به المثل في الزهد إنه لما مات وجدوا له ألوف
دنانير، هذا مع مبالغة المترجمين له في الثناء عليه، ومع ما في ترجمته من إنه كان يصوم ويفطر على خبز الشعير ويركب الحمار وآنية بيته كلها خزف، فهذا الكلام مع نبوه عن هذا المقام سهل ذكره ما ذكره العلماء في الجمع بين حديث الدينارين وعدم إنكار الأقوال الكثيرة في ميت آخر وان ذلك لما أن إظهار الزهد والباطن بخلافه تلبيس، فما عجب لحال الخبوشاني وأعجب ولا تغتر.
المقام الثاني في أن الزهد لا ينافي كون المال في اليدين
الزهد في اللغة الرغبة عن الشيء، خصص بما يكون الرغبة فيه عن الدنيا. وفي الاصطلاح ترك المباح المحبوب المقدور عليه لأجل الله.
وفي ضابطه قيود:
(الأول) - ترك المباح. فتارك المحظورات لا يسمى
1 / 10
زاهدًا.
(الثاني) - المحبوب، فتارك ما لا يؤبه إليه كالتراب والحجر لا يسمى زاهدًا.
(الثالث) - كونه لأجل الله، فبذل المال وتركه على سبيل السخاء والفتوة واستمالة القلوب والطمع في الثناء لا يكون زهدًا، إذ الذكر والثناء وميل القلوب أهنأ من المال، فهو استعجال حظ آخر للنفس.
(الرابع) - المقدور، فمن ترك ما لا يقدر عليه كغير ابن أدهم من أمثالنا في دعوى الزهد في الملك لا يكون زاهدًا. وفي إفراد المباح إشارة إلى أن الزهد يتبعض كما أن التوبة تتبعض، فمن ترك بعض التمتعات من الشهوة والغضب والرياسة دون بعض كان زاهدًا.
وأما القانع فهو المرجح لوجود المال على عدمه ترجيحًا لا يحمله على الدأب فيه، فقولنا (المرجع) خرج به من لا يحب حصوله ولا يكره زواله وهو الراضي، وقولنا (ترجيحًا لا يحمله على الدأب فيه) خرج به من يتركه عجزًا ويسعى فيه ما وجد إليه سبيلا وهو الحريص.
وهذه المرتبة - وهي مرتبة الحرص - وإن كانت دنيا فإن لها فضلا لدخولها تحت العمومات الواردة في فضل الفقر، وذلك جمع بين قوله ﷺ ﴿يدخل فقراء أمتي الجنة قبل أغنيائهم بخمسمائة عام﴾ وبين قوله ﷺ في حديث آخر (بأربعين خريفًا) أي أربعين سنة، بأن الأول تقدير تقدم الفقير الزاهد على الغني الراغب، والثاني تقدير تقدم الفقير الحريص على الغني الراغب، فكأن الفقير الحريص على درجتين من خمسة وعشرين درجة من الفقير الزاهد، إذ هذه نسبة الأربعين إلى الخمسمائة.
وأما قوله ﷺ ﴿يا معشر الفقراء أعطوا الله الرضا من قلوبكم تظفروا بثواب فقركم وإلا فلا﴾ فلا يقتضي أن الحريص لا ثواب له على فقره، لأن العمومات تقتضي أن له ثوابًا، فلعل المراد بعدم الرضا الكراهة لفعل الله من حبس الدنيا عنه، ورب راغب في المال لا يخطر بقلبه إنكار على الله ولا كراهة لفعله.
إذا عرفت تمايز هذه الحقائق بمسمياتها وأسمائها فاعلم أن وجود المال في اليدين لا في القلب ودخول الدنيا على العبد وهو خارج عنها لا ينافي الزهد، فإن ترك المال وإظهار الخشونة سهل على من أحب المدح، فكم من الرهابين من رد نفسه في كل يوم إلى قدر يسير من الطعام ولازم ديرًا لا باب له، وإنما أعلى المقامات أن يستوي عند القلب وجود المال وفقده، فإن وجده لم يفرح ولم يتأذ،
1 / 11
وكذلك إن فقده.
وقد روي عن عائشة أنها فرقت في يوم مائة ألف درهم، فقالت لها جاريتها: هلا شريت لنا بدرهم لحمًا نفطر عليه؟ فقالت: لو ذكرتني لفعلت. وذلك لأن الكاره للدنيا مشغول بالدنيا، كما أن الراغب فيها مشغول بها، والشغل بما سوى الله حجاب عن الله، فالمشغول بحب نفسه مشغول عن الله والمشغول ببعض نفسه
مشغول عن الله أيضا، بل كل ما سوى الله.
مثاله مثال الرقيب الحاضر في مجلس يجمع العاشق والمعشوق، فإن التفت قلب العاشق إلى الرقيب وبغضه واستثقاله وكراهة حضوره فهو في حال اشتغال قلبه به منصرف عن التلذذ بمشاهدة معشوقه، فكما أن النظر إلى غير المعشوق بحب شرك كذلك النظر إلى غيره ببغض شرك فيه ونقص.
وأما هروب الأنبياء والأولياء والأكابر من الدنيا فذلك لأن الدنيا خداعة مدعاة إلى الشهوات والراحة في بذلها أنس بغير الله، والأنس بغير الله بعد عن الله، فالأنبياء والأولياء يتركون الدنيا للتشريع والتعليم والخوف على أتباعهم من أن يتشبهوا بهم مع عدم قوتهم فيهلكوا. ومن دونهم ممن لا قوة له يترك ذلك احتياطًا وحزمًا، فإن استواء الذهب والحجر في القلب عسير ومزلة قدم، وهو حال الأنبياء وأفراد الأولياء.
ويوضح لك أن المال في اليدين بدون القلب لا ينافي الزهد، إن خزائن الأرض حملت إلى رسول الله ﷺ وإلى أبي بكر وعمر فأخذوها ووضعوها في مواضعها وما هربوا منها. وكان لعثمان عند خازنه يوم قتل ثلاثون ألف ألف درهم وخمسمائة ألف درهم وخمسون ومائة ألف دينار، وترك ألف بعير بالربذة، وترك صدقات كان يتصدق بها بين أريس وخيبر ووادي القرى قيمة مائتي ألف دينار، وكان للزبير عند وفاته خمسون ألف ألف ومائتا ألف.
قال عروة: كان للزبير بمصر خطط وبالإسكندرية خطط وبالبصرة دور، وكانت له غلات تقدم عليه من أعراض المدينة. وترك عبد الرحمن ابن عوف ألف بعير وثلاثة آلاف شاة. قال ابن سيرين: كان فيما ترك ذهب قطع بالفؤوس حتى مجلت أيدي الرجال منه، وترك أربع نسوة فأخرجت امرأة من ثمنها بثمانين ألفًا.
قال أبو الأسود عن عروة: أوصى عبد الرحمن
1 / 12
بن عوف في السبيل بخمسين ألف
دينار. وروى موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبيه قال: كان طلحة يغل بالعراق ما بين أربعمائة ألف إلى خمسمائة الف، ويغل بالسراة عشرة آلاف دينار أو أقل أو أكثر، وبالأعراض له غلات، وكان يرسل إلى عائشة إذا جاءت غلته كل سنة بعشرة آلاف، وقضى عن صبيحة التيمي ثلاثين ألف درهم.
وقال الواقدي: حدثني اسحق ابن يحيى عن موسى بن طلحة أن معاوية ﵁ سأله كم ترك أبو محمد يعني طلحة من العين؟ قال: ترك ألفي ألف درهم ومائتي ألف درهم ومائتي ألف دينار.
وقال إبراهيم بن محمد بن طلحة: كان قيمة ما ترك طلحة من العقار والأموال وما ترك من الناض ثلاثين ألف ألف درهم، وترك من العين ألفي ألف درهم ومائتي ألف دينار، والباقي عروض.
وقال علي بن رباح: قال عمرو بن العاص حُدثت أن طلحة بن عبيد الله ترك مائة بهار في كسل بهار ثلاث قناطير من ذهب. قال: وسمعت أن البهار جلد ثور، والبهار لغة ثلاثمائة رطل. قال ذلك كله أبو عبد الله محمد بن سعد كاتب الواقدي في طبقاته الكبرى.
وأيضًا كان لسعد بن أبي وقاص والبراء بن معرور السلمى والعباس ابن عبد المطلب عم رسول الله ﷺ وعبد الله بن عمر أموالا كثيرة. ويدل على ذلك أن العباس فدى نفسه وابن أخيه عقيلا بثمانين أوقية ذهبًا ويقال ألف دينار. وما روى عن عبد الله بن عمر إنه كان إذا رأى من رقيقه أمرًا يعجبه اعتقه فعرف رقيقه منه ذلك فشمروا للعبادة فأعتقهم، فقيل: له إنهم يخدعونك. فقال: من خدعنا بالله انخدعنا له. وما روى أن سعد بن أبي وقاص قال: مرضت فأتاني رسول الله ﷺ يعودني فقلت: يا رسول الله مال كثير وليس يرثني إلا ابني أفأوصي بثلث مالي؟ قال: لا - الحديث.
فهذا كله مما يدلك أن الدنيا ليست مكروهة لعينها وإلا لأمرهم ﷺ بالانسلاخ من أموالهم. وأما المسألة المشهورة في التفضيل بين الغني الشاكر والفقير الصابر، فذهب ابن عطاء الله قدس الله روحه إلى تفضيل الغنى، وخالف في ذلك الجنيد وجمهور الصوفية، وما أوردوه عليه من
1 / 13
أن الغنى وصف الحق والفقر وصف العبد وصفات الربوبية لا ينازع فيها، معارض بأن العلم والمعرفة وصف الرب والجهل والغفلة وصف العبد فليكونا أفضل له.
ثم لا شك أن الفقير القانع أفضل من الغني الحريص، والغني المنفق ماله في الخيرات أفضل من الفقير الحريص.
قال ابن دقيق العبد في شرح العمدة: الذي تقتضيه الأصول إنهما إن تساويا وحصل الرجحان بالعبادات المالية يكون الغنى أفضل، ولا شك في ذلك وإنما النظر فيما إذا تساويا في أداء الواجب فقط وانفرد كل واحد بمصلحة ما يوفيه، فإذا كانت المصالح متقابلة ففي ذلك نظر يرجع إلى تفسير الأفضلية، فإن فسر الأفضل بزيادة الثواب فالقياس يقتضي أن المصالح المتعدية أفضل من القاصرة، وان كان الأفضل بمعنى الأشرف بالنسبة إلى صفات النفس فالذي يحصل للنفس من التطهير للأخلاق والرياضة لسوء الطباع بسبب الفقر أشرف، فترجح الفقر. ولهذا المعنى ذهب الجمهور من الصوفية إلى ترجيح الفقير الصابر، لأن مدار الطريق على تهذيب النفس ورياضتها وذلك مع الفقر أكثر منه مع الغني، فكان أفضل بمعنى الثرف - هكذا قاله ابن دقيق العيد في الكلام على قوله ﷺ ﴿ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء﴾ لما شكى له أن الفقراء قالوا: ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم - الحديث.
فقد بان لك واتضح بالكلام في هذين المقامين أن التعلق بالأسباب لا ينافي التوكل، وان وجود المال في اليدين لا في القلب لا ينافي الزهد، والمقصود إلجام المفلوكين
عن التعلق بالزهد أو التوكل في انزواء الدنيا عنهم جدلا مهما كانوا محتجين لا زاهدين حقيقة فإن الزاهد حقيقة لا كلام معه، لأن الزهد كما لا ينافي المال لا يستلزمه، وغايته أن الزهد على قسمين: قسم مع المال، وقسم لا مع المال. فلا منافاة ولا استلزام له.
الفصل الرابع
في الآفات التي تنشأ من الفلاكة
وتستلزمها الفلاكة وتقتضيها
وهي أكثر من أن تحصى أو يحملها القلم:
(فمنها) ضيقة العطن والنزق، وذلك
1 / 14
أن طبيعة الفرح والسرور هو تفشي الروح الحيواني وتخلخله، وينشأ من ذلك سعة الصدر وقبول النفس لما يرد عليها وانفعالها له، ولذلك تتحين أصحاب الحوائج بحوائجهم سرور من يسألونه إياها. وطبيعة الكمد والقبض هو تكاثف الروح الحيواني وتجمعه. وينشأ منه ضيقة العطن والنزق وسوء العشرة والانحراف والانكماش عن الخلق.
(ومنها) أن الفلاكة يلزمها القهر والإكراه، ومتى استولى القهر والغلبة على شخص حدثت فيه أخلاق رديئة من الكذب والتخبيب وفساد الطويق والخبث والخديعة، ولذلك كانت اليهود موصوفين بالخبث والذل والخديعة لاستحكام القهر عليهم وغلبة الإكراه على عامة أحوالهم، ولذلك أيضًا ينهى عن إرهاف الحد على الولدان والعبيد ويؤمر بترويحهم ومدّ الطول لهم خشية عليهم من اكتساب هذه الأخلاق الذميمة.
أرسل هارون الرشيد إلى خلف الأحمر لتأديب ولده الأمين، فقال له: إن أمير المؤمنين قد دفع إليك مهجة نفسه وثمرة فؤاده فكن له حيث وضعك أمير
المؤمنين، أقرئه القرآن وعرفه الأخبار وروه الأشعار وعلمه السنن وبصره بمواقع الكلام وامنعه من الضحك إلا في أوقاته، ولا تمرر بك ساعة إلا وأنت مغتنم فيها فائدة تفيده إياها من غير أن تخرق به فتميت ذهنه أو تهمله فيستحلي الفراغ ويألفه، وقومه ما استطعت بالتقرب والملاينة، فإن أباهما فعليك بالشدة والغلظة.
(ومنها) الحقد، وذلك إنه إذا استحكمت الفلاكة وعرف بها شخص أوسعه الناس إغاظة استهوانًا به وعدم مبالاة بغضبه وأمنًا من غائلته ومغبته، فإذا تواردت موجبات الغضب وازدحمت عليه من توقيفه على نقائصه والإغماض عن كمالاته وتفريعه بزلاته وتوبيخه على تقصيره وهتك أستاره وإذاعة إسراره وجبهه بأقبح الكلام في وجهه وعدم اعتباره والمبالغة من عتبه ومعاكسته في مراده، أو عدم إسعافه به وعجزه عن الوقوف في ذلك موقف نكير، أو أن ينفس غيظه منه بنفثة مصدور أو ضربة موتور، واستبحرت أسباب الغيظ وزخرت أمواج العجز عن إطفائه بالانتقام عاد ذلك إلى الباطن وأجج فيه نارًا وتحول حقدًا وضغينة وسخيمة، وتعوقه موانع الفلاكة عن أعماله فيصير ألما صرفًا ووسواسا سوداويًا ومعصية مجردة.
(ومنها) الحسد، وتوجبه الفلاكة من وجوه:
(احدها - إنه إذا توالت مقتضيات الغيظ كما قدمنا وعجز المفلوك عن
1 / 15
الانتقام تحول ذلك حقدًا وضغنًا كما مر، والحقد يقتضي الانتقام فإن عجز أحب أن يتشفى منه انتقام الزمان له منه، وربما يحيل ذلك على كرامته عند الله، وربما إنه لا منزلة له عند الله حيث لم ينتقم منه. وبالجملة فالفلاكة يلزمها الإغاظة، والإغاظة يلزمها الحقد، والحقد يلزمه إرادة الانتقام، والعجز عن ذلك يلزمه حب زوال تلك النعمة التي بها التفاوت اللازم منه الإغاظة، ولازم لازم الشيء لازم لذلك
الشيء).
(وثانيهما) - إن ينقل على المفلوك أن يترفع عليه غيره، فإذا أصاب مساو له في صفات النفس مالا أو جاهًا وخاف أن يتكبر عليه وهو لا يطيق أن يتكبر عليه ولا تسمح نفسه باحتمال صلفه وتيهه وتفاخره عليه وان يستصغره ويستخدمه وعجز عن زوال الفلاكة عنه واللحوق به في تلك النعمة أحب زوالها عن غيره.
(وثالثها) - ما يحدث في نفوس المفلوكين من دعوى الاستحقاق لتلك النعم، ولذلك قال ابن مقلة:
وإذا رأيت فتى بأعلى رتبة ... في شامخ من عزه المترقع
قالت لي النفس العروف بقدرها ... ما كان أولاني بهذا الموضع
حتى أن من المفلوكين من تنتهي به دعوى الاستحقاق إلى حد يرى أن النعم التي بأيدي الناس استحقاقه ومغصوبة منه، والمالك المستحق طالب لزوال ماله من أيدي الغاصبين لا محالة.
(ومنها) الغيبة والطعن في أعراض الناس والغض منهم، وذلك أن الغضب والحقد والحسد ثلاثها من البواعث العظيمة على الغيبة، إذا امتلأ المفلوك غضبًا وحقدًا وحسدًا وعجز عن الجري على مقتضاها جهارًا ومواجهة التجأ إلى الفكرة والغوص على مساوئ خصومه وإعمال الحيلة في الاطلاع على موراتهم، وضم إليها أكاذيب وتنميقًا ونشرها على وجه الغيبة مرة إرادة الترفع بنفسه بسلامته من تلك النقائص أو لا تصافه بنقائضها الكمالية على سبيل التعريض، كما يقول فلان فاسق أو شرير إرادة سلامته من ذلك، أو فلان جاهل أو ذهنه ركيك وكلامه ضعيف تعريضًا باتصافه بنقائض ذلك، ومرة إرادة صرف الناس عن الاسترسال في تعظيم خصومه وكفهم عن الإفراط في الثناء عليهم ومحبتهم بتوقيفهم على ما يوجب تنقيصهم وصرف القبول عنهم، ومرة بتمهيد عذر نفسه من اتصافه
بالمساوئ والنقائص بمشاركة العظماء له في تلك المساوئ، ومرة على
1 / 16
سبيل اللذة بالطعن في الأعراض تشفيًا بحسب المقدور، حتى قال بعض الأعراب: لم يبق من لذات الدنيا إلا الطعن في أعراض اللئام.
ثم يتعود لسانه هذه المعصية العظيمة حتى تصير له خلقًا وفكاهة ونقلا ويساعده على ذلك إمكانها وتسهيلها وعدم افتقارها إلى أدوات وآلات، وكونها عبارة عن النطق الذي هو انضغاط الهواء في المجرى على مقاطع الحروف، والهواء والتنفس طبيعي للحيوان بخلاف غيرها من المعاصي لتوقفه على أدوات كثيرة.
وأيضًا فالإنسان خلق فعالًا بالطبع كما ذكره الشيخ في الإشارات ولا يتخلف عن مقتضى طبعه من الفاعلية إلا لصارف وصاد كما في الأفعال الشاقة التي لا يمكن مزاولتها إلا بتجشم الكلف والمؤن، وكما في الصارف العقلي أو الوهمي من الكلام المضر. فمهما وجد المقتضى وزال الصارف عن الفعل كما في الكلام عملت الطبيعة عملها، ولذلك كان الامتناع من الكلام ولزوم السكوت عسيرًا شديدًا.
(ومنها) كون الفلاكة غطاءًا وسترًا على محاسن المفلوك وكمالاته النفسانية وأدواته ومعارفه، حتى أن الفلاكة تسري إلى نطقه ومصنوعاته ومقاصده، فإما أن يغفل عن محاسن كلامه ومقاصده ولا يعبأ بها ويعرض عنها، وأما أن يصرف كلامه عن ظاهره بوجه من التأويل، وأما أن لا يفهم مراده منه، وأما أن يدعى عليه غير مراده، وأما أن يدعى فساد قصده فيه. ولذلك تروج بعض الكتب بنسبتها إلى رجل مرموق بعين الجلالة كما فعل في الورقات حيث نسبت إلى إمام الحرمين، وليست له بشهادة عباراته الفائقة الرائقة في باقي كتبه ومخالفة الورقات لما في البرهان في التصحيح والحكم، وكما فعل في السر المكنون وفي المضنون به على غير أهله حيث نسبا إلى الغزالي كما قاله الأسنوي في الطبقات وليسأله كما ذكره في الطبقات.
ولذلك أيضًا تجد البحث النفيس يلقيه الباحث بين الأفاضل فيبادرونه بالإنكار والتزييف والمناقشة ويضايقونه فيه حتى يقول لهم هذا البحث قاله الإمام فخر الدين الرازي أو الزمخشري مثلا أو من في معناهما، فحينئذ يرجعون إلى ذلك البحث بالتأويل والتثبت ويعترفون بحسنه، وربما يزيدونه توجيهًا وتقريرًا.
ولكون الفلاكة غطاءًا وسترًا على المحاسن تجد الشهرة والصيت والسمعة يقعن في غير موقعها غالبًا، فرب شخص مشهور بالعلم أو الصلاح وليس هناك، ورب شخص قعدت عنه الشهرة وهو أحق
1 / 17
بها، وذلك لأن الفلاكة متى زالت عن شخص تزلف إليه بالثناء عليه ونشر المحاسن عنه وحمل كلامه وفعله من المحاسن والمقاصد الجميلة فوق طاقته وتناقلته الألسنة تزلفًا إليه، لما يعلمون من أن النفوس مجبولة على حب الثناء، ووقعت المحاباة والإغماض عن أحواله المدخولة وأفرغت في قوالب جميلة بالتأويل والاعتذار وجاءت المغالطات بالتلبيس والتصنيع، فيطير ذكره في الآفاق وتسير به الركبان ويجيء الصيت والشهرة وليس هناك.
وعلى الجملة فالشهرة إنما تقع في غير موقعها من جهة ما يطرق الأخبار من التزلف بالثناء الكاذب أو ما يطرق الأحوال من الخفاء وعدم تطبيقها على الواقع لخفائها بالتلبيس والتصنع، فتنتشر على خلاف ما هي عليه وأنت خبير بأن التزلف بالثناء إنما يكون للأغنياء أو من في معناهم وان الإغماض عن التلبيس والتصنع وعدم كشف الغطاء عنه إنما يكون لهم أيضًا، واعتبر العكس بالعكس.
(ومنها) أن الفلاكة مهما استولت على عالم أو فاضل أو نبيه لزمه بسببها آلام عقلية، ولا شك أن الألم العقلي أقوى من الألم الجسماني، ولذلك يكون التعب القلبي أشد إنهاكًا للبدن من التعب الجسماني، ولذلك يتحمل عظيم المشاق البدنية خوفًا من العتب والتوبيخ والملامة والتقريع كما أن اللذة العقلية أقوى من اللذة الجسمانية.
والدليل على ذلك من ثلاثة أوجه:
(أولها) - أن اللذة عبارة عن إدراك الملائم، وكلما كان الإدراك أشد والمدرك اشرف كانت اللذة أتم، لكن الإدراك العقلي أقوى من الجسمي، لأنه ينفذ في باطن الشيء فيميز بين الماهية وأجزائها وعوارضها وجنسها وفصلها، وأما الحسي فلا شعور له إلا بظاهر المحسوس وسطوحه ومدرك العقل أشرف وهو الله تعالى وصفاته وملائكته وكيفية وضع العالم ومدرك الحس السطوح وعوارضه، وإذا كان كذلك وجب كون اللذة العقلية أقوى من اللذة الجسمانية. (وثانيهما) أنا نعلم بالضرورة أن أحوال الملائكة أطيب من أحوال البهائم، وليس للملائكة شيء من اللذات الحسية فلولا أن اللذة العقلية أطيب وإلا لكان حال البهائم أطيب من حال الملائكة.
(وثالثها) الحيوان قد يرجح غيره على نفسه في المطعوم والمشروب عند حاجته إليه، ولولا أن لذة الإيثار أقوى من لذة المطعوم والمشروب وإلا لما كان ذلك، بل الشجاع قد يلقى نفسه في المعركة مع ظن الهلاك أو يقينه، وما ذلك إلا لأن لذة
1 / 18
الحمد أقوى من لذة الحياة، وإذا ثبت ذلك في اللذة ثبت مثله في الألم العقلي والجسماني، لان نسبة هذا الألم إلى الألم الجسماني كنسبة اللذة العقلية إلى اللذة الجسمانية، وكلام الفلاسفة وابن سينا طافح بأن الألم العقلي أقوى من الألم الجسماني.
إذا تقرر ذلك كله فالمفلوكين من أهل العقل والفضل والنباهة آلام عقلية تلزمهم:
(أولاها) - تشوفهم وتشوقهم إلى المكارم والمعالي ومد أعناقهم نحوها ولا شك أن الشوق إلى المشوق مع عدمه وعدم التمكن من تحصيله وعدم الاشتغال بما يلهي عنه عذاب مذاب، ولذلك لا يبتهجون بالأعياد والمواسم بل تكون زيادة في كمدهم، وستأتي أشعارهم في تشوقهم إلى المعالي وتألمهم على فقدها في الفصل الثاني
عشر إنشاء الله تعالى.
(وثانيها) تألمهم بذكر نقائصهم الواقعة منهم أحيانًا بحكم البشرية، لما ركب الله تعالى في البشر من القوة الشهوانية والغضبية والمتوهمة اللواتي هي أصول الفساد، وهي المشار إليها في قوله تعالى: ﴿إلى ظل ذي ثلاث شعب﴾ في أحد الأقوال، ولما أن للقلب ميلا إلى الأخلاق السبعية والبهيمية والشيطانية على ما هو مقرر في كتب الصوفية، ولما ركب أيضًا في الجشم من التسفل، ولما جعل من أن الفساد أدخل تحت القدرة من الصلاح كالبناء والهدم، ولا شك أن إطلاق النفس وطبيعتها ترويج لها وتنفيس من ألم ضبطها، وحينئذ فيكون الترويح والتنفيس بالنسبة إلى المفاليك ناقصًا مخدجًا لما فيه من ترقب التنقيص، ويكون أيضًا عسير الانتظام نادر الوقوع لذلك، ولقد أحسن من قال:
إما ذنابي ولا تعبأ بمنقصة ... أو ذروة المجد واحذر أن تقع وسطا
وأشد من ذلك ألما وأعظم مصيبة إضافة النقائص الموهومة أو المكذوبة إليهم وهم منها براء، ولقد عرى أهل الفضل من ذلك شدائد. كان الزمخشري أبو القاسم محمود بن عمرو بن محمد الخوارزمي ساقط إحدى الرجلين، وكان يمشي في حلوب من خشب لسقوطها بالثلج في بعض أسفاره في بلاد خوارزم، فكتب معه محضرًا فيه شهادة
1 / 19
خلق كثير بذلك لئلا يرمي بنقيصة السرقة.
وكان ابن فضلان أبو القاسم يحيى بن علي بن الفضل البغدادي الملقب جمال الدين الإمام في الأصول والخلاف والجدل الرئيس الوجيه ذاهب إحدى اليدين، لأنه لما خرج من نيسابور سقط عن دابته ففسدت يده وأدت الحال إلى قطعها، فعمل محضرًا بذلك خوفًا من التهمة بالقبيح ومع ذلك فقد كان يجري بينه وبين المجير البغدادي مناظرات فيشنع هو على المجير بالفلسفة والمجير يشنع عليه بقطع يده.
والسبب في تخصيص أهل الفضل بإذاعة نقائصهم وعدم إقالتهم إياها والتلبيس والافتراء عليهم مهما كانت محققة أو موهومة محتملة أن النفوس مجبولة على المساوة والمباهاة ولا تحب لغيرها تفوقا عليها، فمهما وجدت سبيلا للتنقيص من كمال الكمل واو تلبيسًا مقبولًا سلكته تنقيصا للكمال وطلبا للمساواة بحسب الإمكان، بخلاف الناقص في نفسه فإنه لا حاجة إلى تنقيصه.
(وثالثها) - ألم الانفراد مع أن الإنسان مدني بالطبع لا يمكنه أن يستقل بنفسه منفردًا عن الغير بحيث لا يستعين بأحد في حاجاته وضروراته بل لأقوام لأحواله إلا بالتعاون، حتى أن الرغيف من الخبز لا يضير رغيفًا إلا بآلات وأعمال تفتقر إلى صناع كثيرين كثرة بالغة.
والمدنية في اصطلاح الحكماء هي الاجتماع، ولما أن الإنسان مدني بالطبع في أحواله الكمالية والمصلحية فلا يمكنه أن يستقل بنفسه منفردًا عن الغير بحيث لا يستعين بأحد في أموره الكمالية والمصلحية والوجدان، والتجربة اصدق شاهد في ذلك والمناسبة والاخالة تصحح القياس والإلحاق والمفاليك يلزمهم الانفراد لزومًا لا انفكاك لهم عنه. والسبب في ذلك أن الناس بالإضافة إلى المفلوك أربعة أقسام: مساوله في الفلاكة، أكثر منه فلاكة، أعلى منه بقليل، أعلى منه مطلقًا. ووجه الحصر المأخوذ بالإضافة إلى المفلوك: إما مفلوك أو غير مفلوك، والأول إما مساو أو انزل، والثاني إما أعلى بقليل أو أعلى مطلقا.
إذا تقرر ذلك فالقسمان الأولان لا فائدة في الاجتماع بهما، لأن حكمة التمدن مفقودة فيهما، وغاية الاجتماع بهما تضاعف الفلاكة وتكاثفها وتغليظ الحجاب الحاجب عن المقاصد، كانضمام ظلمة إلى أخرى وكغسل العذرة بالبول. والقسم الأخير يمنع من الاجتماع به أمور أعظمها أن العظماء والنبلاء يحرصون على سد الذرائع في أطماع المفلوكين في جانبهم بتبعيدهم والإعراض عنهم خشية من
تثقيلهم
1 / 20